صورة لعدد من الطيارين الحربيين، ترتسمُ على وجوههم الابتسامة، لا تجد ملامح للقلق على محياهم، وإنما سحناتٍ لشبان يعيشون عصرهم، يتأبطون عدتهم، ويجوبون السماوات بحثاً عن أهدافهم بعناية. تلك كانت صورة الطيارين في سلاح الجو السعودي، والذين شاركوا في غارة على مواقع تنظيم "داعش" في سورية، ضمن الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضد الإرهاب. ليس من عادة الدبلوماسية السعودية التباهي، أو الحضور بشكل علني في مثل هكذا مهام سرية ودقيقة. فالمملكة تنهج سياسة أكثر محافظة وكتماناً، إلا أنها هذه المرة، تجاوزت كلاسيكيات أدبياتها المعتادة، وذلك من خلال عدة خطوات: الإعلان صراحة عن المشاركة في الضربات الجوية ضد مواقع "داعش" في سورية، وعدم الاكتفاء بتقديم الدعم المادي واللوجستي. نشر صور الضباط السعوديين المشاركين في الغارات الجوية، وعدم التكتم عليهم. مشاركة الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، نجل ولي العهد مع المجموعة التي وجهت الضربات لمواقع "الإرهابيين"، والإعلان عن اسمه. هذه الخطوات الثلاث، تعد تحولاً في التعاطي السعودي مع الأحداث الأمنية والسياسية الراهنة، ولفهمها سيكون من المفيد تذكر كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، التي حذر فيها من خطر "الإرهاب"، وشدد على أهمية مواجهته، وأنه سيكون في مقدمة من يدافعون عن الوطن إذا ترتب الأمر. وهي الكلمة التي وجه فيها نقداً "لاذعاً" ل"الكسل والصمت" الذي يكتنف عدداً كبيراً من رجال الدين، تجاه الجرائم التي ترتكب ضد المدنيين والأبرياء، والتي رسمت صورة قاتمة ل"الإسلام"، وكأنه نقيض للتسامح والرحمة. إن مواجهة الإرهاب تتطلب شجاعة كبيرة، وتتطلب وضوحاً في الرؤية والأهداف، أي أن يتجاوز السيف والعقل. فمن دونهما لا يمكن وأد فتنة التطرف السوداء. إن "داعش" ليست نبتاً أتى من فراغ، وإنما هو نتيجة خطابات ماضوية متراكمة منذ سنوات طويلة، كرست نظرة أحادية للدين، ورفضت التعدد والاجتهادات المختلفة، وعملت على شيطنة الآخر وتبديعه وتالياً تكفيره وصولاً لقتله بطريقة بشعة. وبالتالي، فإن المواجهة الفكرية ل"الثقافة الداعشية" في المجتمع، لهو أمر في غاية الأهمية، يجب أن يتزامن مع توجيه الضربات الجوية لمواقع وعناصر داعش في سورية والعراق. إن الجهود الدولية والتي تشترك فيها السعودية والإمارات والأردن، ستقود لتضييق الخناق ماديا ولوجستيا وعسكرياً على "داعش"، ولكن هنالك أيضاً تنظيمات أصولية أخرى لا تقل خطراً عنه، مثل "النصرة" وسواها من التنظيمات التي خرجت من تحت عباءة "القاعدة"، والتي حاول البعض أن يقدم نفسه في صورة "أقل وحشية" من "داعش" وكبديل عنها. فهذه التنظيمات جميعها ذات نزعة تكفيرية عنيفة، لا تؤمن بالدولة المدنية، ولذا لا يجب على الجمهور العام من الناس الانخداع بها وبمقولاتها. الحرب العسكرية على "داعش" ستستمر وتزداد وتيراتها، وأنصار التنظيم في الداخل قد يحنون رؤوسهم للعاصفة التي تهب، إلا أنهم سيبقون في حالة كمون، يتربصون فيها ساعة العودة من جديد، ولذا، فإن الخطاب الفكري المحلي، يجب أن يكون هو الآخر واضحاً وحاسماً في رفضه ل"الدعشنة" المجتمعية، حتى لا يعود ويخرج "النبت السيئ" من جديد!
مشاركة :