الأديبة لمياء نويرة بوكيل : القصة القصيرة ماكرة لذيذة والرواية تغريني

  • 7/31/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تكتب قصصها بريشة فنان متمكن من بلاغة اللون نصوصها طويلة لكن المتلقي يستمتع معها برحلة القراءة، وبعد نجاح مجموعتها الأولى "سفر في قبضة اليد" (2018) أصدرت الأديبة التونسية لمياء نويرة بوكيل أخيراً كتابها الثاني "قرية بوتيرو"، وهو عنوان القصة التي بطلها فنان تشكيلي عالمي، لتُحدِث المجموعة الجديدة أصداءً جيدة على مستوى النقاد والقراء. في حوار أجرته معها "الجريدة" من القاهرة، تقول نويرة، إن القصة "القصيرة" شديدة المكر لكنها في الوقت ذاته لذيذة وتخطّط لقراءات شديدة "الطول" والعمق، لافتة إلى أن الرواية تغريها بخوضها كثيراً لكنها – الآن – ستواصل تجربتها في رحاب القصة القصيرة. وفيما يلي نص الحوار: ● في ضوء اشتغالكِ بتدريس اللغة العربية، أيهما تهتمين به أكثر في نصوصك: اللغة أم تقنية الكتابة؟ -هل بإمكاني أن أفصل هذا عن الآخر؟ أن أتخلّى عن الفكرة التي هي اللغة، في سبيل الوسيلة، أو أن أقوم بالعكس؟ صحيح أنّ اللغة العظيمة، للجسد أو الفكر، سبقت الكتابة بآلاف السنين، لكن يوم ظهرت الكتابة، أشرقت حياة الإنسان، وبدأ تسجيل التاريخ، ووثّقت الشعوب تاريخها وثقافاتها، وباللغة حفظت لغاتها من الاندثار باللغة نحفظ اللغة نعم، إن أحببتها تحبّك، وإن اهتممت بها واشتغلت عليها، تمنحك بغير حساب، وتعطيك من طرف لسانها كلّ السحر والحلاوة، لغتنا العربيّة تحمل عدداً مذهلاً من الكلمات، وجماليات بلاغيّة ساحرة وبلا عدد فلا بدّ من تجميل النصّ بها لتبلّغ فكرته، ولا بدّ من الصنعة للتحكّم في فنّ كتابة تلك اللغة. النصّ هو الفكرة، والصنعة هي الإيقاع والمقدار والعقل المفكّر فالنصّ الأدبيّ عندي، أشبه بوجبة لذيذة المذاق، عميقة الأثر، لا تكفي مكوّناتها لتجعل منها لذيذة ولافتة، إنّما يجب أن يتوفّر شرط فنّ الطبخ، لدمج تلك المكوّنات، بمقدار معيّن، وفي توقيت معيّن، بها تستوي الأكلة وتفوح. • رغم عشقكِ للكتابة والاطلاع على الكتب منذ الصغر أصدرتِ أولى تجاربك "سفر في قبضة اليد" في مرحلة متأخرة نسبياً. ما السبب؟ - إنّ النصّ لم يغادرني أبداً مُذ وعيت، ففي رأسي وصدري تدور يوميّاً قصص قصيرة، تنمو وتعيش معي بكلامها وحروفها ولغتها بشكل مؤنس لساعاتٍ، لكنّها تموت أغلب الوقت، أو تخرج في شكل كتابة عفويّة لا وعي فيها، مجرّد تنفيس، أو توظيف في شغل التدريس. ثمّ إنّي كنت منقطعة كلياً إلى تربية أولادي، حتّى اشتدّ عودهم، ويوم صار لي بعض وقت للفراغ، بدأت النشر على الفضاء الأزرق، وأطلقت شغفي ومواهبي ومتعتي، وصار لي متابعون، ولا أدري من منّا وقع في شرك الآخر، لقد كان النشر الدوريّ عندي في البداية مجرّد متعة، فإذا به يتحوّل إلى مسؤوليّة وجدّ وانتظارات ثقيلة كانت الكتابة كالحبّ تماماً، أوّله هزل، وآخره جدّ، كما قال ابن حزم. فكرة النصّ • تكتبين الواقع بإيقاعاته اليومية المعيشة مع تغليفه بالخيال، هل تلك هي خلطتكِ السحرية للوصول إلى وجدان القارئ أم ثمة أدوات أخرى توظفينها في أثناء بناء النص؟ - الواقع في مرّات كثيرة، أغرب من الخيال، ولذلك ليس عجيباً أن يختلط الواقع بالخيال أن تكتب نصّاً فتنقل الواقع كما هو، من دون مسحة من التخييل، أو الإغراق فيه، سيكون تقريراً، جافاً، أشبه بوثيقة علميّة، "يجب أن نكتب الواقع والخيال على أطراف أصابعنا"، كما قال كاتب القصّة المصري سعيد الكفراوي أمّا عن خلطتي للوصول إلى قلب القارئ، فأعتقد أنّ ذلك راجع إلى فكرة النصّ ومدى تأثيرها فيه، ولغته، وأسلوبي الجميل بلا تكلّف. الفضاء الافتراضي • في زمن السوشيال ميديا والتغريدات القصيرة التي تستهوي القراء، تبدو القصة القصيرة جداً ملائمة لعصرنا الراهن. لماذا لم تفكري في خوض هذه التجربة؟ - بدأتُ نشر نصوصي الطويلة نسبياً على "فيسبوك"، وأنا مدينة له بذلك حقاً، فانطلاقتي كانت إلكترونيّة، واستحالت ورقيّة من لحم وحبر، وبرأيي الفضاء الافتراضي يحقّق نوعاً جيّداً من التواصل، مع الوسط الأدبي والقراء، ترف يصعب تحقيقه في الواقع، لكنّه يبقى عرضة للتسويق تحتمل الصدق والتضليل على حدّ سواء، شكّ في القيمة، لايقطعه إلّا الواقع والاستمراريّة فيه، بالنسبة إلى التغريدات القصيرة، تبقى تغريدات، قصيرة النفس، جميلة الصوت، وسريعة النسيان، ولا أثر حقيقياً ومستمراً إلّا للنصّ الحقيقيّ الكامل العناصر، قد يكون قصّة قصيرة جداً، لكن بالنسبة إليّ أنا لا طاقة لنفسي السردي عليها، إنّي أجدها قاتلة. القصّة القصيرة • بما أن قصصكِ ذات نفس طويل هل يعني ذلك أنكِ قد تدخلين عالم الرواية ذات يوم؟ - هذا حقّ، قصصي ذات نفس سردي طويل، والرواية تغريني بخوضها كثيراً، لكنّي الآن سأواصل مع القصّة القصيرة، مازلت أحب أن أشتغل عليها، وأجرّب أفكاراً جديدة فيها. القراءات النقديّة • قبل أيام عُقدت ندوة لمناقشة مجموعتكِ الجديدة "قرية بوتيرو" كيف كانت آراء النقاد بشأنها؟ - كانت ندوة أولى ورائعة على الرغم من أنّ النشر خارج البلاد، وتداعيات كورونا، أضرّا بوصول كتابي إلى بلادي وإلى قرّاء كثيرين يطالبون بقراءته، فإنّ القراءات النقديّة التي نُشرت عنه في الصحف إلى الآن والتي فاق عددها الخمس على الرغم من قلة النسخ، كانت دراسات رائعة ومتنوّعة، حفرت عميقاً في جوانب كثيرة من القصص، على مستوى الأفكار، عمقها وطرافتها، أو الأسلوب واللغة، أو القصّ كجنسٍ سرديّ له خصوصيّاته وأتوقّع لقصصي قراءات متعدّدة مختلفة وثريّة، فالقصّة القصيرة شديدة المكر، قصيرة، لكنّها تخطّط لقراءات شديدة الطول والعمق. إنّها ماكرة ولذيذة. خياطة الملابس ● بوتيرو ذلك الفنان التشكيلي أظن أن عالمه الفني له أصداء في حياتك، إذ توحي القصة بأنك عاشقة للرسم... هل هذا صحيح؟ - نسيت أن أقول في أوّل الحوار، أنّي قبل أن أهتدي إلى الكتابة، كنت أمارس طبخات أخرى، أتقلّب بين الرسم على التوال، والحرير، والسيراميك، وبين خياطة الملابس، كهاوية تجنّ أصابعها إذا خملت، الموسيقى أيضاً لا تغيب عنّي يوماً، يهذّب إيقاعها روحي وأفكاري، الفن التشكيليّ ولع قديم، وتعلّق باللون والأثر، لذلك كان بوتيرو الفنّان العالمي، بطل القصّة (قرية بوتيرو) الثانية عشرة في المجموعة، والتي اخترتها عنواناً لكامل المجموعة، وبالرغم من تناولي للهويّة التونسيّة والعربيّة في غالب نصوصي، أردتُ أن أقول لنفسي وللقارئ إنّ الفنّ لغة كونيّة، لا تعرف الحدود والعرق واللون، إنّها مشترك جميل بين البشر، أضمن ما يوحّدهم على قيم الحقّ والخير والجمال، وأنها السلاح الأنبل ضدّ العبث واللا معنى.

مشاركة :