مشاركة المسلمين والأقباط المصريين في الأضاحي تسامح يوصد أبواب الفتنة أمام المتشددين | أحمد حافظ | صحيفة العرب

  • 7/30/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

نجح الأقباط والمسلمون في مصر على حدّ السواء في إرساء قيم التسامح والتآزر وذلك من خلال الاشتراك في أضاحي العيد ومساعدة بسطاء المسيحيين ضمن خطوة لم يفوتها المتشددون من أجل تقسيم المجتمع المصري وبث التفرقة فيه من خلال تحريم هذا الالتحام بالاستناد إلى حجج واهية. القاهرة - تمثل مشاركات المسلمين والأقباط في صكوك الأضاحي بمصر حالة استثنائية تبرهن على أن هناك شريحة واسعة في المجتمع تتمسك بالتلاحم في الشعائر الدينية، بغض النظر عن أسلوب تحقيقه، وتعتبرها فرصة ثمينة لإعلاء قيم التسامح والترابط مهما حاول المتشددون بث الفرقة والقطيعة بين أبناء الوطن الواحد على أساس ديني. وأعلن الكثير من المسيحيين وأساقفة كنائس أخيرا عن المشاركة في مشروع شراء صكوك الأضاحي الذي تُشرف عليه وزارة الأوقاف لتوزيع اللحوم على فقراء المجتمع. ولم تعد المشاركات فردية بقدر ما أضحت ظاهرة بين أبناء الطائفة المسيحية، وهو ما أثنت عليه مؤسسات دينية عدة، واعتبرته دليلا على روح التعاون والتآخي والتعايش بين المسلمين والأقباط في مصر. وينظر متشددون إلى شراء أقباط لصكوك الأضاحي على أنه محاولة جديدة لنشر التبشير بين أفراد المجتمع بطريقة مبتكرة للتسويق للديانة المسيحية بشكل إنساني يدفع المسلمين إلى الثناء عليها، الأمر الذي يثير جنونهم، لأنهم اعتادوا القيام بأفعال شاذة وإصدار فتاوى عنصرية للوقيعة بين أصحاب العقائد عندما تفشل حوادث الاحتقان الطائفي في تحقيق الغرض. وتتزامن روح المحبة التي ظهرت في صكوك الأضاحي مع تصاعد لهجة التحذير السلفي من قيام المسلمين بتوزيع أجزاء منها على فقراء الأقباط، بذريعة أن ذلك يبطل الشعيرة، ويجعلها غير مقبولة عند الله، وهي فتاوى تحضر كل عام في نفس المناسبة، كفرصة ثمينة لضرب التعايش وتقريب المسافات بين المسلمين والمسيحيين. قال قساوسة وأساقفة، تبرعوا بشراء صكوك الأضاحي، إنهم شاركوا بدافع أخوي ووطني واجتماعي بحت، كرسالة محبة وتعاون، ولم يدفعهم أحد إلى ذلك، لكن روح التآزر حضرت أكثر من أي وقت مضى، وظهرت في أكثر من مناسبة ولاسيما خلال جائحة كورونا، وعلى الجميع أن يكون له دور في دعم محتاجي المجتمع. وقرر الأقباط المساهمون في شراء صكوك الأضاحي المشاركة في توزيعها جنبا إلى جنب مع مسؤولي وزارة الأوقاف في مشهد وطني من شأنه أن ينقل صورة مغايرة عن مفاهيم التسامح الديني والرقي الإنساني، ويدحض المزاعم التي تسعى التيارات المتشددة إلى تصديرها وأن حُسن العلاقة بين المسلم والمسيحي تتنافى مع تعاليم الدين. وأكد جابر طايع رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، أن تبرع الكنائس المصرية في مشروع الصكوك دليل على التكافل الاجتماعي البعيد عن التعصب المذهبي بما يرسّخ مبدأ المواطنة، لافتا إلى أن لحوم الأضاحي سوف توزع على الجميع دون تفرقة. وما زال أصحاب التوجهات المتطرفة يتعاملون مع أي حالة تقارب بين المسلمين والأقباط على أنها انتكاسة لهم، فهم الذين اعتادوا القيام بتصرفات تستهدف تخريب العلاقة بين الطرفين بالقول أو الفعل، طالما أن الفئة المستهدفة (المسيحيون) تقوم بأفعال مغايرة لما يسوّقون له في خطابهم المتشدد. ومنذ تأكيد وزارة الأوقاف على توزيع لحوم الأضاحي على المعوزين دون تسمية للديانة، ظهرت كتابات كثيرة على منصات التواصل الاجتماعي تحرّض المسلمين على عدم المشاركة في مشروع الصكوك بذريعة أنها سوف تذهب إلى “النصارى”، وهو مسمى يستخدمه السلفيون كتعبير عن كراهيتهم للمسيحيين. ووصل الأمر بهؤلاء إلى دعوة محتاجي المسلمين إلى عدم استلام اللحوم التي سوف توزعها الأوقاف بعد عيد الأضحى، لأن الأقباط ساهموا في تكلفتها، وهناك من ادّعى تحريم تناول المسلم الفقير من مال المسيحي المقتدر، وبلغ الأمر حدّ شيطنة المؤسسة الدينية التي تتماهى مع الكنيسة في إظهار الوحدة الوطنية، في حين أن “المسلمين أولى بالمعروف”، حسب زعمهم. ويصعب فصل تحريض المتشددين ضد مساهمة الأقباط في صكوك الأضاحي، أو إطلاق فتاوى تُحرم التعامل معها، عن محاولة التيار السلفي الثأر من وزارة الأوقاف لأنها استحوذت على المساجد الشرعية التي كانت تتسلم الصكوك واللحوم ويقوم الشيوخ بتوزيعها على شريحة من الفقراء، بعد التحري عن انتمائهم الديني، ومدى التناغم مع السلفيين، أو الإسلاميين عموما، من عدمه، على أن يتم رفض التعامل مع الأسر المسيحية، باعتبار أن الأضاحي لإطعام المسلمين فقط. وكان يتم توظيف صكوك الأضاحي التي تذهب إلى مساجد السلفيين، بشكل سياسي، بحيث يتم استغلالها لتوسيع قاعدة النفاذ إلى المعوزين واللعب على وتر فقرهم، بإظهار أنهم الفئة الأكثر تجاوبا معهم بالمساهمة في إطعامهم، وهو الطريق الذي أغلقته وزارة الأوقاف، باقتصار شراء الصكوك على مؤسساتها المنتشرة في الأقاليم المختلفة. وتزداد انتكاسة المتطرفين عندما تتعرض دار الإفتاء لمئات الفتاوى من مسلمين لديهم نية توزيع أجزاء من الأضاحي على جيرانهم الأقباط، ويأتي الرد الرسمي بجواز فعل ذلك، لأنه من الأمور المستحبة التي تحمل رسالة محبة من الإسلام لكل العقائد، وأن الخطاب الإقصائي الذي يروّج له المتشددون لا علاقة له بالتسامح بين الأديان. قال بولا حليم، وهو رب أسرة قبطي يقيم بالقاهرة ويتلقى كل عام كميات من اللحوم من جيرانه المسلمين خلال عيد الأضحى، إن مشاركة الكنيسة في صكوك الأضاحي من شأنه تغيير الصورة الذهنية السلبية التي لا يكل المتطرفون من تصديرها إلى الشارع عن الأقباط، مشددا على أن هذا التصرف يسعد المسيحيين قبل المسلمين. وأضاف بولا لـ”العرب”، أن إصدار فتاوى رسمية من المؤسسات الدينية بشرعية منح الأقباط جزءا من الأضحية بالتزامن مع دخول قساوسة وأساقفة في مشروع الصكوك، يقضي على أيّ محاولة لبث الفرقة بين المسلمين والمسيحيين، ويشجع الأفراد الذين يقدسون إضفاء الشرعية الدينية على أفعالهم الإنسانية للقيام بهذه التصرفات. ومشكلة المؤسسات الدينية في مصر، أنها تعاملت مع تبرع أقباط لشراء صكوك الأضاحي على أنه دليل قاطع على زوال الاحتقان الطائفي دون الاعتراف بأن هذا التحرك إنساني بحت، ولا حدّ لمن يصرون على إصدار فتاوى تكفيرية تحرض على المسيحيين وتضعهم في مرتبة أقل، وتدفع شريحة من المسلمين إلى التعامل معهم بحذر وحسابات دقيقة. وإذا كانت الشريحة الواسعة من المسلمين لم تتأثر بالخطاب المتطرف وتصر على إطعام فقراء المسيحيين من الأضحية، فإنه أصبح لزاما على المؤسسة الدينية إبعاد نفسها عن هذا التصرف حتى لو بإباحته، لأنه فعل يرتبط بالمحبة والعاطفة، ولم يعد من المقبول في ظل التحضر المجتمعي أن تكون هذه الأفعال رهن فتوى رسمية. ويكمن التسامح بين المسلمين والأقباط، في أن تكون الأفعال الإنسانية بعيدة عن الحصول على موافقة مسبقة من المؤسسة الدينية، ويتطلب الأمر منح الحرية المطلقة للأفراد للتعايش مع بعضهم دون تشجيع أو تحريم من هنا أو هناك، بحيث لا يصبح التحرك الإنساني منزوع الإرادة، وإن توافرت تكون بحاجة إلى الشرعية. وما يبرهن على صحة الأمر هو أن أصحاب العقائد أصبحوا أكثر قابلية للتعايش في سلام ومحبة وتشارك غير محدود شريطة أن تبتعد عنهم المؤسسة الدينية وأصحاب ’’العقول المريضة‘‘، فهناك مسلم يتبرع بقطعة أرض لبناء كنيسة، ومسيحي يشارك في تأسيس مسجد، ونفس الوقائع تحدث في التكافل الاجتماعي والصحي، بتحرك عاطفي لا على أساس عقائدي. ويضرب استمرار إصدار فتاوى رسمية لتوزيع الأضاحي على محتاجي المسيحيين التسامح الفطري، وانتظار الأقباط لمشاركة قساوسة وأساقفة في الصكوك لتكرار نفس الفعل باعتبار أنهم حصلوا على صك ديني يضعف إنسانية الفعل، فالأولى أن يتعايش الطرفان بنمط حياة قائم على المودة المطلقة التي لا تتأثر بلغة الحلال والحرام. ومن شأن كف المجتمع عن التعامل مع الفعل الإنساني على أنه يحتاج إلى مباركة الشيوخ أو حتى الكنيسة أن يزيح من طريقه العناصر المتطرفة من هنا أو هناك، التي اعتادت السيطرة على عقول ضعاف النفوس أو المترددين في التعايش المطلق، خشية ارتكاب الفعل الحرام. فإن كان هناك تمدد سلفي يحرّم ذلك، فهناك تشدد من نشطاء أقباط يتعاملون مع الترابط المجتمعي بتحفظ أو رفض غير معلن. مسيحيون وأساقفة كنائس يشاركون في مشروع شراء الأضاحي، الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف لتوزيع اللحوم على فقراء المجتمع وأوضح نشأت زارع وهو باحث ديني وكبير أئمة في وزارة الأوقاف المصرية، أن تشارك المسلمين والمسيحيين في الأضاحي، يعكس أن الشريحة الأكبر في المجتمع قررت فرض التسامح كأمر واقع، وهذا الفعل ولو كان بسيطا في معانيه الإنسانية فهو كبير، ويكفي أنه ضرب فتاوى الفئات المتشددة في مقتل. وأشار زارع إلى أن كل تقارب إسلامي مسيحي قائم على الإنسانية، يضيع جهود سنوات مضت عكفت خلالها التيارات المتطرفة على بث الفرقة والقطيعة بين أبناء العقيدتين، سواء بالتكفير أو تحريم التهنئة في الأعياد أو التعامل مع المشاركة في لحوم الأضاحي على أنها معصية تساوي التحقير من الدين. ولفت إلى أن مساهمة المسلمين في إطعام محتاجي المسيحيين، والعكس، يعني أن الأديان غير منغلقة على أصحابها، كما يروّج أصحاب الفكر المنقوص، وهو تصرف يعطي صورة إيجابية عن العقيدة التي ينتمي إليها الإنسان، ويحمل رسائل لا يفهمها المتشددون، فعندما يمنح المسلم جاره المسيحي جزءا من الأضحية، فكأنه يقول له “هذا ديني الحقيقي، وليس ذلك الدين الذي يروج له دعاة التكفير”. وبغض النظر عن الدوافع الكنسية إلى توسيع دائرة المساهمة في صكوك الأضاحي هذا العام، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم إنسانية، فإنها أعادت التركيز على غياب الإرادة الحكومية في إقصاء المتطرفين من المشهد كليّا، بإسكاتهم بالأمر المباشر، أو محاسبتهم على الاستمرار في تحقير كل تحرك يساهم في تكريس التعايش والتسامح بين الأديان، كمدخل لإنهاء الإرهاب المجتمعي الذي يمارسه متشددون بفتاوى عنصرية تحرم كل تقارب بين المذاهب. صحيح أن هناك تسليطا إعلاميا مقصودا على الخطوة الكنسية، لكن ذلك لا يكفي لإفساح الطريق أمام الشارع ليتولى مهمة نشر التعايش وقبول الآخر وتوثيق مفاهيم المواطنة ورفض التطرف، لأن اقتصار تسويق الأمر على النخبة يعطل توفير بيئة عصرية بين أفراد المجتمع لتقبل حرية العقيدة مع إنسانية العلاقة.

مشاركة :