الشارع المصري يستجوب الحكومة والبرلمان: من يحمي أصحاب الكلام المنفلت | أحمد حافظ | صحيفة العرب

  • 7/14/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة – تترقب شريحة كبيرة من المصريين ما ستسفر عنه الأيام المقبلة بشأن تحرك الحكومة لوضع حد لانفلات مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك وعضو مجلس النواب، بعد “النداء الأخير” الذي وجهه النادي الأهلي لمؤسسات الدولة المختلفة الأحد، واصفا إفلاته المتكرر من المساءلة على التجاوزات بأنه يهدد دولة القانون وينذر بتأجيج الغضب المجتمعي وإحداث الفتن في الوسط الرياضي. وانتشر مقطع فيديو لمرتضى منصور الاثنين، يتهم فيه مصر بأنها “دولة ليس فيها رجال”، وقام بسب محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي بألفاظ بذيئة، لكنه سبق الجميع بخطوة، وتقدم ببلاغ إلى النائب العام يبرّئ نفسه من تهمة الإساءة للدولة وقياداتها أو الهجوم على أيّ شخص، مدعيّا أن أفرادا تابعين للنظام القطري يريدون إشعال الفتنة بالبلاد. وتصدر هاشتاغ “مرتضى يهين الدولة” موقع تويتر في مصر، حيث شارك عشرات الآلاف من المغردين للمطالبة بمحاسبته على تصريحاته المسيئة للمؤسسات وقياداتها والملايين من المصريين بعدما جردهم من رجولتهم، وخاض في أعراض الكثيرين دون عقاب. وما ضاعف غضب الشارع أن مواطنين من بلدان عربية شاركوا باستنكار الصمت الرسمي على تجاوزات منصور الذي ينقل صورة سلبية عن مصر إلى العالم. وأصبحت ظاهرة مرتضى مزعجة للحكومة، فقد أصبح مصدرا لإثارة الفتن والأزمات في توقيتات حساسة، إما بدخول معارك مع كيانات ومؤسسات، وإما التعرض لأفراد لهم ثقل وجماهيرية بالسباب، واستخدام ألفاظ مرفوضة اجتماعيا، والتأكيد على أنه “أسد لا يستطيع أحد الوقوف في وجهه”. تصريحات منصور الخارجة عن السائد تشغل الرأي العام بمعارك جانبية تلهي الناس عن صميم اهتمامات الحكومة في الملفات ذات الأهمية الاستراتيجية وتزامن إصرار منصور على افتعال أزمات وصدامات كثيرة، مع مجابهة الحكومة جملة من المخاطر والتحديات على جبهات متعددة، على غرار ما يرتبط بالشأن الليبي وسد النهضة وجائحة كورونا، ومحاولة انتشال الاقتصاد من عثراته، وكلها ملفات تعوّل فيها الدولة على زيادة وعي الشارع ليكون ظهيرا قويا للحكومة في تحقيق تقدم ملموس في سُبل المواجهة مدعومة بغطاء ودعم مجتمعي. وتشغل تصريحات منصور الخارجة عن السائد الرأي العام بمعارك جانبية تلهي الناس عن صميم اهتمامات الحكومة في الملفات ذات الأهمية الاستراتيجية للدولة. وبدأ الشارع يركز على الإثارة التي يصطنعها أكثر من اهتمامه بالقضايا المصيرية التي تريد المؤسسات لفت انتباه المواطن إليها، حتى لو كانت هناك مشروعات وإنجازات تستحق الإشادة، لكنها لا تحظى باهتمام الشريحة المستهدفة. يكفي أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، استغرق قرابة خمس ساعات متواصلة في افتتاح مشروعات قومية الأحد، وتحدث في قضايا تمس صميم حياة الناس، وأدلى بتصريحات مثيرة، لكن معارك مرتضى منصور مع أطراف عدة في ذات اليوم غطت إلى حدّ كبير على جولة رئيس الدولة، لشغف شريحة واسعة من الرأي العام بمتابعة سقطاته ومراقبة ردة الفعل الرسمي عليها. ورأى رئيس حزب الكرامة محمد سامي، أن ظاهرة مرتضى منصور أصبحت تشوه أيّ تقدم تحققه الحكومة في كل الملفات، لأنه يسحب الأضواء منها مستخدما في ذلك التركيز على مخاطبة أعضاء حزب “مواقع التواصل الاجتماعي”، وهي شريحة كبيرة تقيس من خلالها المؤسسات الرسمية توجهات الرأي العام، وبما أنهم مشغولون بالإثارة، تعجز الدولة عن معرفة ترتيب أولوياتها وفق ردود الفعل على القرارات. وقال سامي لـ”العرب”، إن شعور الناس بأن منصور آمن من المحاسبة، وأنا واحد منهم، يثير الشكوك في جدية الحكومة على التصدي لظاهرة الخروج على القانون، سواء بهدم المباني المخالفة والعشوائية أو الاستيلاء على أراضي الدولة، وتوظيف انشغال المؤسسات بالتحديات لتحقيق مكاسب، وأصبح على الحكومة تأكيد نزاهتها في عدم التمييز والانتقائية، لتكون المحاسبة للجميع. وما يثير استغراب الرأي العام ، ذلك السكوت الغريب على سقطات مرتضى، رغم مقاضاته من أشخاص وكيانات، إلى درجة أن كثيرين يتساءلون بجدية حول الجهة التي تحميه، إذ لم يُستدع للتحقيق، ويرفض مجلس النواب رفع الحصانة عنه، ويُسمح له بالظهور المستمر على القنوات الفضائية ما يثير شكوك البعض في أن له علاقات بشخصيات نافذة. وما يضع على الحكومة عبء لجم مرتضى منصور، أنه يروج لوجود علاقات تربطه بمسؤولين في مراكز حيوية، ويخاطب الرأي العام بطريقة توحي بأنه “ضيف دائم في مكتب النائب العام”، في محاولة لترهيب خصومه وإقناعهم بأنه يتمتع بالحصانة السياسية، قبل البرلمانية. وأصبح البعض يردد مقولة السيسي الشهيرة، عندما وصل إلى الحكم، بأنه “ليس عليه فواتير يسددها لأي شخص أو جهة حتى يتغاضى عن أخطاء أو تجاوزات أحد”، أيّ أن اسم رئيس الدولة صار يقحم كلما تجاوز مرتضى منصور دون حساب، واللافت أنه يُدلي بمعلومات تفصيلية عن أسماء وعناوين خصومه وينشر لهم تسجيلات، وكأن هناك من يمده بمعلومات يُفترض أن معرفتها مقتصرة على دوائر أمنية. وتوقعت مصادر سياسية لـ”العرب”، انتهاء ظاهرة منصور قريبا مع إصرار الحكومة على اتباع أساليب صارمة ضد التجاوزات والاستقواء وسوء استغلال النفوذ وادعاء وجود أشخاص فوق سلطة الدولة والقانون، وهو ما ظهر مؤخرا في أكثر من ملف، كما أن الشارع أصبح ينظر إلى الوقوف بقوة ضد مرتضى على أنه إنجاز لا يقل أهمية عن النجاحات التي تحققها الدولة في ملفات داخلية وخارجية. وقالت المصادر، إن هناك أصواتا داخل دوائر الحكم، أصبحت ترى خطورة استمرار مرتضى بنفس الوتيرة، على صورة الحكومة أمام الرأي العام، في ظل تذمر المؤيدين لها، قبل المعارضين، من الصمت على تجاوزاته، وإلهاء الشارع في توقيت يتطلب المزيد من الوعي واليقظة والتركيز مع التحديات التي تواجهها الدولة، ولم يعد مقبولا أن تكون المؤسسات في اتجاه، والناس في اتجاه آخر. ودعم رئيس حزب الكرامة محمد سامي هذا الرأي بتأكيده أن “مرتضى أصبح يسيء لمنظومة الحكم في مصر، وبات على الحكومة أن تتعامل مع الإنجاز في الملف الأخلاقي والسلوكي، كما تتعامل بجدية مع الملف الاقتصادي، لأن الإخفاق في أحدهما يشوه صورة الآخر، وأصبح السيسي مطالبا بالتخلّص من أي شخص يوهم الرأي العام، بأنه يستمد قوته من الاحتماء في مؤسسة الرئاسة”.

مشاركة :