قيس سعيّد ومشروع الإخوان.. مواجهة مفتوحة | الحبيب الأسود | صحيفة العرب

  • 7/30/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بينما كان رئيس الحكومة التونسية المستقيل، إلياس الفخفاخ، يحضر افتتاح مهرجان سهرات مدينة الحمامات السياحية، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد مساء 25 يوليو الجاري، الذي يوافق الاحتفال السنوي بذكرى إعلان النظام الجمهوري في العام 1957، عن مفاجأة من الحجم الثقيل؛ تكليف وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال هشام المشيشي بتكوين حكومة جديدة، متجاوزا بذلك ترشيحات الأحزاب السياسية وكتلها البرلمانية، ومطيحا بحسابات حركة النهضة الإخوانية، صاحبة الصدارة من حيث عدد المقاعد بمجلس نواب الشعب، وحلفائها قبل أيام قليلة من التصويت على لائحة سحب الثقة من رئيس المجلس، زعيمها راشد الغنوشي. بتكليف المشيشي، تبيّن أن الرئيس التونسي يسعى إلى إعادة تكريس مفهوم الدولة، في وجه ما أشار إليه خلال الأيام الماضية من محاولات الانقلاب عليها وعلى شرعيتها، ومن مؤامرات تحاك بالليل والنهار، ومن الداخل والخارج لنشر الفوضى والتلاعب بالمصلحة العليا للبلاد، فرئيس الحكومة المكلف ابن مؤسسات الدولة، ومن خريجي المدرسة العليا للإدارة المتخصصة في إنتاج الكوادر العليا منذ تأسيسها في العام 1943، وسبق له أن عمل في عدد من الوزارات والهياكل الحكومية، كما أنه غير متحزب، وغير مؤدلج، وأثبت خلال إدارته حقيبة الداخلية نجاعة زادت من مستوى الثقة التي يحظى بها لدى الرئيس، منذ أن كان مستشاره القانوني في بداية عهدته الرئاسية. وفي الوقت الذي كانت فيه الأحزاب والكتل البرلمانية تدفع بأسماء شخصياتها المقترحة إلى مكتب رئاسة الجمهورية، كانت هناك مصادر ترجّح أن يتجه الرئيس سعيّد إلى اختيار شخصية من خارج تلك المقترحات، كوزير الدفاع عماد الحزقي، أو وزير الداخلية هشام المشيشي، باعتبارهما قريبين من مؤسسة الرئاسة، وساهما بدور كبير في الكشف عن مخططات إرهابية يديرها من اتهمهم بالعمالة للخارج، وبمحاولة تحويل تونس إلى مرتع للإرهابيين، في ربط غير معلن بالوضع في غرب ليبيا، ونقل النظام التركي أعدادا من الدواعش التونسيين من شمال سوريا إلى طرابلس ومصراتة. ورغم أن الرئيس سعيّد كان حريصا على عدم الكشف عن طبيعة الجهات المتورطة في التآمر عليه وعلى بلاده، إلا أن التوتر الذي بات يميز علاقاته بحركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي، والذي تعكسه حملات الإخوان وحلفائهم ضدّه سواء داخل البرلمان أو في مستوى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ومحاولات استهدافه من قبل منصات الإسلام السياسي الدعائية في خارج البلاد، بعد أن كانت داعمة إيّاه خلال فترة الانتخابات. يكشف هذا جانبا مهمّا من طبيعة الخلاف بين الطرفين، والذي اندلعت شرارته الأولى عندما رفض سعيّد في أواخر نوفمبر الماضي طلب أردوغان باستغلال إحدى القواعد العسكرية في جنوب البلاد، لتسهيل التدخل العسكري التركي في ليبيا، ليتبلور أكثر مع تأكيد سعيّد على أنه رئيس البلاد الوحيد في الداخل والخارج، في ردّ على إمعان الغنوشي في التعدّي على صلاحياته. وفي إشارة إلى تزامن تكليف المشيشي مع الاحتفال بعيد الجمهورية، توجّه الرئيس التونسي إلى أبناء شعبه متسائلا إلى متى، وإلى أين؟ معبرا عن انشغاله لما استغرقه مسار تكوين الحكومة من وقت منذ نوفمبر الماضي. وأضاف أن الاستجابة لمطالب شعبنا المشروعة والطبقات المحرومة من أهمّ الأولويات، كما شدّد على أن الحفاظ على السلم الأهلية واجب مقدس لا مجال للتسامح فيه، وأن احترام القانون لا يقل قداسة عنه، مردفا “نحترم الشرعية لكن آن الأوان لمراجعتها، حتى تكون بدورها تعبيرا صادقا وكاملا عن إرادة الأغلبية”. في الأثناء، كان الرئيس سعيّد قد وجّه أيضا رسالة مضمونة الوصول إلى راشد الغنوشي، عندما اعتذر عن المشاركة في إحياء عيد الجمهورية تحت قبة البرلمان، وهو ما جعل علي العريض، القيادي البارز في حركة النهضة وأحد نوابها، يدوّن قائلا “علمت أن مجلس نواب الشعب من خلال مكتبه قد بدأ الإعداد لإقامة هذه التظاهرة منذ أسابيع بالاشتراك والتعاون مع ممثلين عن رئاسة الجمهورية. ويبدو مع الأسف أن الرئاسة أعلمت رئاسة المجلس قبل أيام باعتذار رئيس الجمهورية عن الحضور، ولا أعرف الأسباب”، داعيا مؤسسة الرئاسة إلى “توضيح الأمر للرأي العام حتى لا يتجه التأويل إلى اعتبار ذلك موقفا من المجلس، وخلطا بين ضرورة احترام الأعراف في الاحتفال بأعيادنا الوطنية وبين المواقف الخاصة من أشخاص أو مؤسسات”، وفق تعبيره. الرئيس الذي جاء من خلفية أكاديمية برؤية مختلفة لنظام سياسي جديد يودّ تكريسه على أسس ثورية تبدو راديكالية ولكنها لا تناقض مفهوم الدولة، وهو يدرك أن مشروعه يصطدم بمشروع الإسلام السياسي الساعي للهيمنة غياب الرئيس سعيّد عن الحفل البروتوكولي السنوي داخل البرلمان، الذي يرأسه الغنوشي، ليس وليد صدفة، وإنما يؤكد، إلى جانب تكليف المشيشي، أن هناك تحولا عميقا في مسار العلاقة بين الرئاسة وحركة النهضة، سببه الأول صراعات الإرادات، وتجاذب الصلاحيات، وتناقض المشاريع. فالرئيس الذي جاء من خلفية أكاديمية، برؤية مختلفة لنظام سياسي جديد يودّ تكريسه على أسس ثورية تبدو راديكالية، ولكنها غير مناقضة لمفهوم الدولة، يدرك أن مشروعه يصطدم بمشروع الإسلام السياسي الساعي إلى الهيمنة على مفاصل الحكم والمجتمع برؤية متجاوزة للحدود الوطنية ومرتبطة بمخطط إقليمي ودولي قد بدأ يدفع بتونس إلى مهب رياح المحاور، وخاصة من خلال الصراع داخل ليبيا، والذي انحاز فيه الإخوان العرب، بمن فيهم التونسيون، إلى المشروع الاستعماري التركي، على حساب الأمن القومي لأمتهم، وعلى حساب إرادة الأغلبية الساحقة من الليبيين، محاولين حرق كل المراكب من خلفهم. بما في ذلك مركب العلاقات التاريخية والاستراتيجية والمصالح الاقتصادية والاجتماعية. اعتمد الرئيس التونسي في تكليفه المشيشي بتكوين الحكومة، على قراءته العميقة للدستور وهو المتخصص في دراسته وتدريسه، وعلى التوازنات العامة في البلاد، ويقينه من أن الحكومة الجديدة ستحظى بثقة البرلمان، باعتبارها الفرصة الأخيرة قبل حلّه والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وهو ما ترفضه أغلب الأحزاب السياسية وعلى رأسها حركة النهضة، نظرا لما قد تأتي به من نتائج مخالفة تماما لنتائج انتخابات 2019، خصوصا مع تأكيد مختلف استطلاعات الرأي على أن الحزب الدستوري الحر المنبثق من رحم الدولة الوطنية، والعدو العقائدي للإخوان، يحظى حاليا بصدارة نوايا التصويت. وحتى في حالة إسقاط الحكومة، فإن الرئيس قيس سعيّد سيكون المستفيد الأول، من خلال سعيه إلى الاستفادة من شعبيته التي تفوق جميع الفاعلين السياسيين، في تبني لوائح انتخابية مستقلة، قد تحقق له مع بقية حلفائه حزاما برلمانيا يستطيع من خلاله تنفيذ مشروعه السياسي الذي سبق وأن أعلن عنه، ويتعلق بالدفع إلى تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي القائم. وسيبقى السؤال المهمّ: كيف ستؤثر اختيارات ومواقف الرئيس سعيّد على جلسة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، والتي تنعقد دون نقاش ويكون التصويت فيها سريا، ويعتبرها الغنوشي وحركته ومن ورائهما إخوان المنطقة والعالم، تحديا كبيرا عليهم كسبه، نظرا لما تمثله الإطاحة بالغنوشي، في حال حصولها، من هزيمة مدوية لمشروع الإسلام السياسي، ومن انتصار ليس لقيس سعيّد فقط، وإنما لتيار الدولة الوطنية الذي أحسّ بانتعاشة مهمّة بعد تكليف المشيشي بتكوين الحكومة؟ المؤكد أن تجاوز الدستور والقانون الداخلي للبرلمان، بجعل الجلسة العامة سرية والتصويت سريا، واعتماد الضغط الزمني بتعمّد أن تكون قبل عيد الأضحى بساعات، تقف وراءهما حسابات عدة، لتحقيق ما وصفه الغنوشي بتجديد الثقة في شخصه، لكن الثابت أن الحدث سيكون حاسما في تحديد معالم المواجهة المفتوحة التي دشنتها قوى الإسلام السياسي ومنصات المحور القطري التركي في الداخل والخارج ضدّ الرئيس التونسي.

مشاركة :