أبدى الإسلاميون في ليبيا كما في تونس امتعاضهم من الموقف التونسي الرسمي، الذي كشف عنه الرئيس قيس سعيّد لدى زيارته إلى باريس، من القضية الليبية. واتهم إخوان ليبيا سعيّد، على لسان محمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء، بأنه يجهل طبيعة الأزمة الليبية كون الرئيس التونسي أكد للرئيس الفرنسي أنه دعا سابقا القبائل الليبية للاستئناس بالتجربة الأفغانية عبر مجلس “اللويا جيرغا” الذي جمع القبائل الأفغانية عام 2002. وهذه النقطة الأخيرة تثير انزعاج حكومة السراج التي تدرك جيدا قدرة القبائل على قلب الموازين. تونس- لم يتأخر إخوان ليبيا كثيرا في الرد على تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد لقائهما الإثنين. وجاء الرد في شكل بيان صادر عن محمد صوان رئيس حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان في ليبيا، ناعتا حديث سعيّد بأنه مثير للسخرية وبأنه يتضمن منطقا استعلائيا زائفا يفتقد إلى الدبلوماسية، وزاعما أن الرئيس التونسي يفتقد إلى المعرفة بتفاصيل الأزمة الليبية. الهجوم الأول يعتبر هذا الهجوم الأول من نوعه الذي يشنه إخوان ليبيا على قيس سعيّد، الذي يواجه بالتزامن حملات ممنهجة ضده من قبل حركة النهضة الإسلامية، ما جعل الكثير من المراقبين يرون أن تصريح صوان يعبر عن موقف مشترك بين إسلاميي البلدين في مواجهة الرئيس التونسي. وقال صوان في بيانه “واضح جدا افتقاد الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى الحد الأدنى من المعرفة بالأزمة السياسية في ليبيا وتركيبة شعبها، حديثه عن دستور يكتبه زعماء القبائل وإسقاطه للوضع الأفغاني على ليبيا أمر مثير للسخرية، إضافة إلى المنطق الاستعلائي الزائف المفتقر إلى الدبلوماسية إزاء السلطة الشرعية، التي جاءت بناء على اتفاق بين الليبيين برعاية الأمم المتحدة ووفقا للإعلان الدستوري الذي لا زال ينظم الحياة السياسية”. وكان سعيّد اجتمع في 23 ديسمبر الماضي بوفد من زعماء القبائل الليبية، وقالت الرئاسة التونسية إن الاجتماع كان “على إثر تفويض لرئيس الدولة من المجلس الأعلى للتدخل العاجل لحقن الدماء ولم الشمل بين أبناء الوطن الواحد” وأنه “يأتي لما لمسه أعضاء المجلس لدى سعيّد من مؤازرة للشعب الليبي في محنته، ووقوفه على مسافة واحدة من كل الأطراف وحرصه على إيجاد حل للأزمة الليبية بعيدا عن التدخلات الخارجية وعن لغة السلاح”. ومن ثمة، طرح الرئيس التونسي مبادرته على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وغيرهم، نتيجة قراءته لطبيعة الأزمة الليبية، ولوعيه بمخاطر محاولات أطراف دولية وإقليمية تهميش دور القبائل التي تمثل الأغلبية الساحقة من الشعب الليبي. محمد صوان: الرئيس التونسي يفتقد إلى الحد الأدنى من المعرفة بالأزمة الليبية محمد صوان: الرئيس التونسي يفتقد إلى الحد الأدنى من المعرفة بالأزمة الليبية وخلال المؤتمر الصحافي مع ماكرون، قال سعيّد إنّه اقترح في وقت سابق على ممثلي القبائل الليبية الاستئناس بالتجربة الأفغانية عبر مجلس “اللويا جيرغا” الذي جمع القبائل الأفغانية سنة 2002 وتوجت أعماله بإقرار الدستور سنة 2004. وفي فبراير الماضي، أعلنت القبائل الليبية عن تشكيل مجلس مشايخ وأعيان ليبيا واعتباره الجسم الشرعي والوحيد الممثل لكل القبائل الليبية، مشيرة إلى أن القبائل والمكونات الاجتماعية في كافة المدن والقرى والأرياف الليبية تعتبر صمام الأمان لترسيخ قواعد السلم الاجتماعي وهي الضامن الأول لقيام دولة مدنية ديمقراطية مستقرة. ورأى المراقبون آنذاك أنه سيكون للمجلس دور سياسي واجتماعي شبيه بدور ” اللويا جيرغا” الأفغانية التي تمثل أغلب القبائل في البلاد، وكان لها دور مفصلي في أهم المنعطفات التاريخية بأفغانستان ومنها ما جرى في 1747 عندما اجتمع وجهاء وشيوخ قبائل الباشتون واتخذوا أحمد شاه دوراني مؤسس دولة أفغانستان قائدا لهم. ورغم سقوط الملكية وقيام الدولة الحديثة على أسس شيوعية في 1978 لم تفقد “اللويا جيرغا” دورها فانعقدت مرارا منذ ذلك الوقت، واجتمعت على سبيل المثال، في العام 1985 لإقرار الدستور الذي جاء به حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني والذي عمل على تثبيت دعائم الشيوعية، واستمر سلطانه إلى حين سقوط كابل في 1992. وفي عام 2002 اكتسبت “اللويا جيرغا” أهمية وزخماً دولياً حين عُقِدت في أفغانستان واستطاعت إعلان الحكم الملكي إذ عُقِد المؤتمر برئاسة الملك ظاهر شاه الذي أعلن في الاجتماع أن عودة الملكية غير ممكنة، ثم تكررت لقاءات “اللويا جيرغا” قبل أن يتفق الأفغان في عام 2004 على دستور للبلاد، وإجراء انتخابات برلمانية لوحظت هيمنة قبلية عليها، إذ أصبح العديد من أعضاء البرلمان هم قادة وزعماء قبائل. ويشير المراقبون إلى أن صانعي القرار السياسي في طرابلس حاليا وفي صدارتهم الإخوان، يرفضون أي دور للقبائل لأسباب عدة منها فقدانهم للشعبية داخل الفعاليات الاجتماعية الأساسية مما ينذر بفشلهم في العملية السياسية على أساس انتخابي. تبدو أغلب القبائل داعمة لفاعلَين سياسيَين يعتبران الأبرز في القدرة على تحديد مسارات المرحلة القادمة، إذا تمت في إطار شفاف ونزيه وهما القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الرحل معمر القذافي وهو الأمر الذي يزعج الإخوان وحلفاءهم إقليميا ودوليا. ويبدو أن رئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان لا يزال يمارس ذات السياسات الإخوانية في الهروب إلى الأمام والفرار من حقيقة الوقائع، وهو ما يتبين من قوله أنه و”قبل أن يتم التآمر على الحياة السياسية أجرت ليبيا عمليتين انتخابيتين شارك في إحداها قرابة 70 في المئة من الشعب، وعشرات الأحزاب؛ ليبيا بها الآن دستور جاهز للاستفتاء عليه أعدته هيئة منتخبة ديمقراطيا من الشعب مباشرة، ليبيا كغيرها ‘شعوب وقبائل’ ولكنها ليست مجتمعا قبليا بالشكل الذي يتصوره، ليبيا أعلنت فيها منذ عشرينات القرن الماضي الجمهورية الطرابلسية وكانت سابقة للجميع”. في العام 2012 أفادت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا بأن 1.6 مليون ناخب من نحو 2.8 مليون ناخب مسجل أدلوا بأصواتهم بانتهاء موعد التصويت في أول انتخابات حرة تشهدها ليبيا منذ 60 عاما، مضيفة بأن نسبة التصويت كانت أقل من 60 في المئة. وأدّت عملية تهجير الليبيين في الداخل والخارج بعد الحرب الأهلية إلى منع أكثر من مليوني ليبي من تسجيل أنفسهم في لوائح الناخبين، كما لعبت الحسابات الجهوية والمصالح والضغوط في حصول الإخوان على المركز الثاني بـ17 مقعدا من بين 200 بين 80 مقعدا مخصصا للأحزاب السياسية، بعد تحالف القوى الديمقراطية الليبرالي الذي فاز بـ39 مقعدا. قوة القبائل حاول الإخوان خلال فترة المؤتمر الوطني السيطرة على ليبيا عبر العمل على تشكيل مؤسسات وفق نظام ميليشياوي من خلال الجماعات المسلحة المتشددة عقائديا وجهويا وظهور موجة التكفير واحتضان الإرهاب وتدريب مسلحين من دول الجوار وقمع الأصوات الحرة واغتيال الناشطين الحقوقيين والإعلاميين وضباط الجيش والأمن السابقين والدعاة السلفيين غير القابلين للإسلام السياسي. وفي يونيو 2014، تم تنظيم ثاني انتخابات لم يتعد الإقبال الشعبي عليها نسبة 18 في المئة، ولم يشارك فيها سوى 630.000 ناخب فقط، وما إن أعلن عن خسارة الإخوان في تلك الانتخابات حتى قرروا تشكيل تحالف سياسي من الخاسرين تحت اسم المؤتمر الوطني العام الجديد، ونفذوا انقلابا مسلحا على النتائج تحت إسم عملية “فجر ليبيا”، وسيطروا على مؤسسات الحكم في العاصمة، وطردوا الحكومة المنتخبة إلى شرق البلاد. وحرك الإخوان بعد ذلك أدواتهم الخارجية لإنقاذهم من الفشل، فتمت إعادة تدويرهم من جديد وفق اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015. خلال المؤتمر الصحافي مع ماكرون، قال سعيّد إنّه اقترح في وقت سابق على ممثلي القبائل الليبية الاستئناس بالتجربة الأفغانية عبر مجلس "اللويا جيرغا" وتجاهل زعيم إخوان ليبيا كل ذلك، بقوله في انتقاد الرئيس التونسي إن “السيد سعيّد ابتعد بقصد أو بدونه عن الأسباب الجوهرية للأزمة الليبية المتمثلة في المؤامرات المتكررة لإجهاض الثورة وإفساد المسار السياسي وفرض نظام عسكري دكتاتوري بقوة السلاح، وآخرها العدوان على العاصمة طرابلس والمدعوم من دول أبرزها التي أطلقت منها تصريحاتك؛ وهذه الأسباب يفترض ألا تغيب عن أي متابع، ناهيك عن رئيس لدولة جارة يزعم أنه يطرح حلولا وهو يستند إلى معطيات خاطئة وغياب كامل عما يجري، في وقت حساس ننتظر فيه من الشقيقة تونس لعب دور إيجابي تجاه الأزمة في ليبيا ولو بالسكوت”. ما لا يرغب صوان في الوقوف عنده هو أن حكومة السراج منتهية الصلاحية والولاية منذ العام 2017، وهي غير منتخبة ولم تحظ بتزكية البرلمان ولا بشرعية الشارع ولم تحقق شيئا مما أوكل إليها، وقد اعترف مسؤولوها أنها خاضعة لنفوذ ميليشيات متورطة في جرائم ضد الشعب الليبي وضد القبائل التي يرفض الإخوان الاعتراف بدورها.
مشاركة :