تحدث الروائي الأردني قاسم توفيق عن تجربته الإبداعية وشخّص المشهد الثقافي وعلاقته بالحركة النقدية ودورها في مشواره الروائي، ووصف روايته الجديدة حانة فوق التراب بأنها أيقونة روائية وحالة متقدمة من نضوج مشروعه الأدبي. وقال توفيق في حديث مع الجزيرة نت إنه ليس كاتبا وجوديا، وإنما هو واقعي تقدمي يرصد الواقع بكل تشكيلاته الاجتماعية والفكرية والنفسية، ويحاول إعادة صياغته بنص جميل ولغة مشوقة ذات إيقاع جاذب للمتلقي. ولهذا فإن رواياته توقظ الوعي بجرأتها وتثير الأسئلة مجددا باختراق المسكوت عنه في مجتمعاتنا، وتدفع القارئ إلى التمعن في رسالتها المباشرة وغير المباشرة. وفي حواره مع الجزيرة نت، قال توفيق إن الواقع الثقافي إيجابي بامتياز رغم الظروف الصعبة التي ترزح تحتها الساحة العربية، وقد عاد الانتعاش والبروز كما كان قبل ثلاثة عقود تقريبا، والتوجه إلى القراءة -كما أراه بوصفي شخصا يعايش الواقع الثقافي- منتعش رغم تأثير المؤشرات الحضارية وتقنيات الاتصال والإنترنت. رواية فلسفية ويرى توفيق أن الحراك الثقافي عبر منح الجوائز ومعارض الكتب وإشهار المنتج الثقافي حرّك حالة الركود بعد عام 1982، وبخروج منظمة التحرير الفلسطينية كآخر ما تبقى من مسيرة حركات التحرر العربية من بيروت أصيب المبدع والمتلقي بحالة إحباط. ووصف روايته حانة فوق التراب بأنها رواية فلسفية بشخوصها وحركتهم وأماكنهم والواقع المتنقل بين المرحلة الحالية وهزيمة يونيو/حزيران 1967، فهناك شاب يحاول استكشاف نفسه من خلال قصة حب وكتابات وفلسفات وجودية تركها والده بعدما استشهد في الحرب، ومن صديق آخر يعيش في مغارة متنسكا يكتب وصايا ومناقشات فكرية تصل إلى 11 وصية. ومن أبرز الوصايا -وهي عناوين فرعية- لتكن حروبك كلها من أجل الحب، ولا تخض غمار معركة من دون أن تكون الفارس. كما تتناول بجرأة ما هو مثار حاليا في الواقع العربي كالطائفية والإقليمية لإثبات وجود صيغة أكثر قيمة وقدسية هي الإنسانية، فالبطل عايد يضطر لتغيير دينه وينتسب إلى عائلة غير عائلته تحت قهر الظروف، ويتحول إلى أردني لاجئ في فلسطين. وتمتاز حانة فوق التراب بسردية متقنة ولغة شفيفة بعيدة عن الاستعراض تشي بمضامين ملموسة رغم ادعاء الكاتب أن الأمكنة والشخوص والأحداث متخيلة. صياغة الواقع وقال توفيق إن الروائي ليس مؤرخا بالمطلق، لكنه يعيد صياغة الواقع بمداركه ومخيلته وإبداعه، فمن الطبيعي أن تكون الكتابة عن الوقت الحاضر حالة من الكشف اللاتاريخي، لكنه إبداعي كما قيل عن روايات بلزاك أنها تقرأ على أنها تاريخ. وأضاف أن مخيلة الروائي ترسم التاريخ من منظوره الخاص، فهو مضطر للاتكاء على أحداث وشخوص وأمكنة واقعية خوفا من أن يقع في مغالطات، فتغيير ديانة البطل عايد اختراق للتابوهات المعروفة، رغم قناعتي بأنها من صنع الأنظمة لإحكام السيطرة على الشعوب، وهي وفق ما أراه ليست محرمات طالما كان الهدف الحوار والنقاش. وتابع من يقرأ رواياتي يكتشف بسهولة أن موقفي من الكتابة فعل أمارسه لذاتي فقط، لكن جمالياتها وطبيعتي الاجتماعية الحميمة بالبشر تدفعني للنشر وتحفزني لرفع صوتي أعلى، وأكتب لنفسي ما أريد أن يقرأه الآخر. ويشير قاسم توفيق إلى أن ما يفيض بوجداني وحياتي اليومية هو الاستمرار في إكمال مشروعي الروائي الذي بدأته برواية البوكس، واندماجي بهذا الواقع بجرأة أكبر، معتبرا أن رواياته تزرع الوعي وتعززه لدى المتلقي. وقال إن أمه كانت أول هيئة استشارية في حياته الأدبية ومن خلال ردة فعلها قيّم قصصه، وقد تكون هي أول من كشفت صدامه مع التابوهات، لكن في الوقت الحالي هناك وائل النابلسي ومحمد صابر عيد. المؤلف بلا حقوق وحول عدم تحول أي رواية أردنية إلى عمل فني، قال توفيق إن المأزق ليس في الرواية بل في المنتجين، وإذا حدث تطور إبداعي أردني فإنه لم يمس المنتجين الذين ما زالوا يتعاملون مع سياسة سينما الترسو في مصر الجمهور عاوز كده، وفي هذا الشأن فإن المخرج الأردني صلاح أبو هنود عندما قرأ رواية ماري روز عمل جاهدا لإنتاجها تلفزيونيا ولم ينجح. وفيما يتعلق بحقوق المؤلف أشار إلى أنه يدفع من جيبه، فالناشر يجني ثمار العمل الأدبي ماديا ويمارس الموزعون المحليون كذلك عملية قرصنة لأن جميعهم يستغلون حاجة الكاتب للانتشار وهدفه من الكتابة، ورغم معرفتهم بعجزه المادي فإنهم لا يدفعون بالمقابل مستحقاته، مشيرا إلى أن الأدب في الأردن -وربما في دول عربية أخرى- لا يطعم خبزا. وقال إنه يفكر في تنظيم معرض خاص لرواياته ماري روز وحكاية اسمها الحب والبوكس ورائحة اللوز المر والمجموعة القصصية ذو القرنين وتقديمها مجانا ليحول دون زيادة أرقام حساباتهم البنكية. وأضاف أنه لم ينل حقوقا تليق بما يكتب وهذا يعود إلى الخلل في المشهد الثقافي الأردني، فالكاتب يرى نفسه مضطرا ليصادق ناقدا أو صحفيا أدبيا لتقديم نتاجه الإبداعي، وشخصيا تجاوزت هذه المحطة لأسباب ذاتية، ولا يوجد لديّ طموح لأن أهرق ماء وجهي مقابل دراسة نقدية.
مشاركة :