فُجعنا بفقد الفنان القدير سلمان زيمان قبل أيام، وصُعقنا بالخبر المؤلم، واستبد بِنَا الحزن على رحيله، ودمعت عيني على وقع الخبر الصاعق، لما للفقيد من مكانة عالية في نفسي، رغم أنني لم أعاشر الفقيد العزيز كثيرًا، إلا أن صيته وأفعاله وموسيقاه وأغانيه وخلقه وما يحمله من أفكار نبيلة تركت أثرًا كبيرًا في نفسي. هناك أشخاص تشعر معهم بالألفة والحب، وأنهم يشبهونك في صفاتهم وأخلاقهم وسلوكهم ومبادئهم، فتتبادل معهم كثير الود، وتقدم لهم وافرالتقدير وتتمنى لهم ما تتمناه لنفسك، وكل هذه الصفات الإنسانية الجميلة كان يتصف بها الفقيد. الراحل بوسلام لم يرحل، بل استقر في الفؤاد والمهجة، وسيظل معنا حيث نكون، وحيث يكون، ولن يبتعد عن مخيلتنا، فقد ترك لنا بصمات لا تمحى، وأفعالاً لا تنسى، وذكريات لا تزول، وأغنيات نسمعها متى جاء ذكره، ومتى استعادت المخيلة وجهه الطيب، وصوته العذب وهو يشدو لنا بأغنيات نحبها، لأنها أغنياتنا، أغنيات الناس جميعًا، أغنيات أهل المحرق طيبة الذكر، عالية السمعة، وأغنيات المنامة وأغنيات المجتمع البحريني بأكمله، الذي كان يحلم مع الفقيد، وهو يغني للمستقبل، وللأجيال الجديدة الصاعدة: هذا المجتمع الذي أعزيه في وفاة ابنه الغالي وأعَظم له الأجر، وأتمنى له الصبر والسلوان في وفاة ابنه البار الذي كرَّس حياته من أجله، وأعطانا الكثير. ولنا جميعًا مع الفقيد صلات عميقة راسخة لا تنتهي ولا تزول بزوالنا، فهي تعيش معنا ومع الأجيال القادمة التي عمل سلمان زيمان من أجلها. نحن ننتمي إلى نفس الشجرة التي تنتج الثمر الطيب، وتسعى لفعل الخير. اجتمعنا على الإنسانية والوطنية، ومشينا في طريق واحد، لهدفٍ واحد ينتهي إلى مكان واحد، رفيع تتوفر فيه الحياة الكريمة والسعادة للجميع. كان الفقيد رمزًا وطنيًا، قبل أن يكون مؤسسًا لفرقة موسيقية شغلت لها مكانة رفيعة في المجتمع البحريني، وانشغلت عدة عقود مع الناس بالهم الوطني والهم الفني، وبنت لها صيتًا إمتد إلى بلدان الخليج العربي. وستظل فرقة أجراس الموسيقية التي أسسها الراحل العزيز، في ذاكرتنا الجمعية حيةً إلى أمد طويل، خصوصًا عندنا نحن جيل الستينات والسبعينات الذي شهد مدًا وطنيًا صاعدًا كان في أبها صوره. وإرتبط تاريخ هذه الفرقة، كما ارتبط مؤسسها الفقيد العزيز بتاريخنا الوطني الذي كان في أوجه في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. جاءت فرقة أجراس التي ارتبط تاريخها بالفنان الفقيد في ظروف قلقة وصعبة ومصيرية فأدت دورها الوطني عبر الفن على أحسن وجه. وينتمي الفقيد العزيز بوسلام إلى مدينة المحرق حاضنة الوطنية في تاريخنا الحديث، فهي كانت المهد الأول الذي تربى فيه بوسلام ونهل من معينه وتأثر به واختط له بناءً عليه خطًا متميزًا جادًا في الفن الرفيع الذي يشارك الناس شجونهم وهمومهم. وتشبه فرقة أجراس التي اختطت لها خطًا وطنيًا فرقًا كثيرة مماثلة ظهرت في الوطن العربي في تلك الفترة، ولعبت دورًا بارزًا ومهمًا في نشر الوعي الوطني بتوظيف الفن للحياة وللناس، فلاقت رواجًا وشعبية واسعة في فترة تاريخية حرجة، ونهضت بنشر الوعي والفكر الوطني بين الناس، جنباً إلى جنب مع المسرح والأدب الذين لعبا دورًا مشابهًا ومماثلاً. وليس أوضح من تعاضد الأدب مع الموسيقى والغناء في تلك الفترة من أغنية الفقيد العزيز(يا بو الفعايل يا ولد) من كلمات الشاعر على عبد الله خليفة. ومن المؤلم حقًا أن يرحل البشر الأعزاء علينا عن دنيانا الفانية، خصوصاً منهم من كانوا يرسمون بصبر وجلد وتضحية مستقبلاً مضيئًا للأجيال القادمة. استقبلنا هذا النعي بألم وحزنٍ بالغين فللفقيد مكانة عندنا وعند الكثيرين. وعزاؤنا أن من يذهبون عنا جسدًا يظلون معنا روحًا ويعيشون معنا دهرًا، بعد أن سكنوا القلب ورحلوا، ولَم يغيبوا عن البال والقلب والخاطر. نعزي بألم أسرة الفقيد الذي رحل جسدًا وبقي روحًا.
مشاركة :