حلول الدم في مصر | مقالات

  • 7/18/2015
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

كان أسبوعاً دموياً بامتياز. سيطر فيه منطق الحلول العسكرية والأمنية على العقل الحاكم في الدولة المصرية وفي المجتمع. في قلب القاهرة حيث الناس والزحام والاختلاط الرهيب، وعلى التخوم حيث الحدود المفتوحة على مساحات صحراوية شاسعة، ومناطق جبلية وعرة، وحيث السياسة مفتوحة على كل الاحتمالات، وحيث الاقتصاد يتهاوى تحت مطارق العقل الأمني. سيناء أوشكت أن تكون ساحة خلفية للإرهاب يمرح ويسرح فيها كما يشاء، وكلما عنّ لهم تفزيع الشعب المصري في جنوده قاموا بإجراء عملية خاطفة يسيلون بها دماء أبنائنا، ويقطعون نياط قلوب أهاليهم ممن يقضي أبناؤهم فترة التجنيد الإلزامي في تلك المناطق التي أصبحت ساحة حرب مفتوحة على كل الاحتمالات. وفي قلب القاهرة، وعلى مرأى ومسمع من الناس يسيطر العقل الأمني، فلا صوت يعلو على صوت المعركة، وكأننا نستعيد ملابسات حقبة بالغة السواد في تاريخنا المعاصر، عندما رفعت السلطات الحاكمة هذا الشعار وكمّمت الأفواه حتى استيقظ الشعب على هزيمة منكرة فقدت الدولة فيها ثلث مساحة أرضها في عام 1967. لا أؤمن بأن التاريخ يعيد نفسه، ولكن الأحمق من يسلك نفس الوسائل والخطوات ويتوقع نتائج مختلفة، فالحلول الأمنية لم تنفع بلداناً هي أقوى من مصرنا عشرات المرات، ولم تنفع بلداناً مستقرة، وتملك مقومات الدولة انتاجاً وصناعة ومقومات علمية جبارة. الحلول الأمنية حلول عوراء عرجاء مشوهة تبدأ كوارثها منذ تشخيصها للمشكلات، وانتهاء بما تقدمه من بدائل للتعامل معها. الحلول الأمنية حلول أحادية البعد، لا تدرك من أبعاد المشكلة إلا إجراءات الضبط والسيطرة والإحكام، ولا تدرك أبعاد المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. على مدار حكم مبارك كان العقل الأمني في البلد بمختلف أجهزته من أمن دولة، ومخابرات عامة، ومخابرات عسكرية، وأمن قومي، وأجهزة الرقابة المتعددة هي الحاكم، وكان صاحب الكلمة الأخيرة في توجيه دفة البلد ابتداءً من السياسات الاقتصادية حتى السياسة التعليمية، ناهيك عن السيطرة على جميع أجهزة الإعلام. وعندما حانت لحظة الانفجار لم تغنِ تلك الأجهزة عن أصحابها شيئاً، بل وجدنا جهاز الشرطة العتيد ينهار، ويخلع الضباط ملابسهم الرسمية في الشوارع خشية من سطوة الأهالي. وسواء أكانت حالة الفراغ الأمني متعمدة ومقصودة أو عفوية إنما وصف الحال أن هذا ما حدث، وشهدت الدولة المصرية حالة فراغ أمني لم تعرف له مثيلاً ولا حتى في أيام الحروب. وفي هذا الانفلات الأمني الرهيب لم تفلح سيطرة القوات المسلحة إلا برضا الأهالي الذين رفعوا شعار: «الشعب والجيش إيد واحدة»، حتى أخطاء المجلس العسكري السياسية في أثناء إدارته للبلاد في الفترة الانتقالية كانت بيانات الجيش تصرّح أن لهم عند الشعب من الرصيد ما يسمح بالتجاوز عن هذه الزلات. والآن بعد سنوات من سيطرة حالة الاحتقان والاستقطاب لم يعد الرصيد يسمح بالتجاوز، وحالة الاحتراب الأهلي تختزن انفجارات تحتاج فقط ظرفاً مواتياً حتى تعبر عن نفسها، والضغط يولد الانفجار. سيطرة العقل الأمني لن تثمر إلا حلول الدم. وإذا كان في محفوظاتنا الكلاسيكية في كتب العلوم السياسية أن الحروب أعظم أثرا من أن تُترك للعسكريين، فكذلك سياسات المجتمعات والدول أعظم أثراً وأشد خطراً من أن تُترك لأجهزة الأمن وعقلها المتحجر. الحلول الأمنية حلول الخاسرين والفاشلين سواء أكانوا دولاً أم حركات اجتماعية، فالحركة التي تظن أنها تستطيع أن تهزم دولة، ودولة مركزية مثل الدولة المصرية حركة واهمة يغامر قادتها بدماء أبنائها وهم غير أمناء عليها.

مشاركة :