من يقول إن الأدب والفن التشكيلي خطان متوازيان لا يلتقيان لا يتمتع ببصيرة الأديب اللبناني العالمي جبران خليل جبران، مؤلف كتاب «النبي» الفلسفي الذي، في كل اصدار له باختلاف دور النشر العديدة، عادة ما يحتوي على بعض من رسومات المؤلف، الذي تتلمذ في اكادمية جوليان الباريسية العريقة التي خرجت عظماء في الفن التشكيلي أمثال الفنان الفرنسي هنري ماتيس، رائد المدرسة الوحشية.و قد لا يعرف الجمهور بأن جبران فنان تشكيلي متمكن بدأ حياته بالرسم واستمر بها لآخر أيام حياته، و قد ترك أكثر من ٧٠٠ عمل بمختلف الخامات الفنية ورجعت معظم الأعمال، بعد وفاته، الي لبنان حيثُ مسقط رأسه بلدة «بشرى» الجبلية، كما احتفظت ماري هاسكل الأمريكية الغنية، التي كانت ترعي موهبة جبران، بما يقارب الـ 84 لوحة، والتي أصبحت الآن من مقتنيات أكاديمية تِلفير للفنون والعلوم في سافانا بولاية جورجيا، ومتحف بوسطن للفنون الجميلة، ومتحف فوغ للفن في هارفرد، و متحف المتروبوليتان للفن، ومتحف نيوارك في نيو جيرسي.أبصر كتاب «النبي» النور عام 1926، وقد نشر في البدء باللغة الإنجليزية، التي أتقنها جبران بذات الإتقان للغتهِ الأصل العربية، ومنذُ صدوره، وبروز صيته، تُرجم الي عدة لغات بما فيها اللغة الصينية. وقد احتوي الكتاب على عصارة تجربة جبران في الحياة، ووآراءه الفلسفة، وخلاصة آرائه في العديد من القضايا الحياتية، والوجودية: كالحرية، والقانون، والرحمة، والدين، والأخلاق، والحب، والزواج، والشرائع، وغيرها... وقد جاء على لسان نبي يسمى «المصطفى». كما تم تحويل هذا الكتاب إلى فيلم كارتوني، من إنتاج وبطولة سلمى حايك، وذلك في العام 2014.كل فاصل من فصول هذا الكتاب جاء بريشة فريق عمل متخصص حيث أن لا فصل يشبه في رسوماته الفصل الآخر، تحت مظلة القصة الأساسية التي يبلغها المصطفى لأهالي الجزيرة عن آرائه بالحياة من حيث مبادئ العمل و الزواج و الأبناء و التعليم و حتى الثياب. فعلى سبيل المثال، الفصل الذي يتناول العمل يصور الفلاحين في الحقول كما صورها الفنان الفرنسي جان فرانسوا مييه، في الحقبة الواقعية والفنان الهولندي فينسنت فان جوخ، فيما بعد الانطباعية، فيما كان الجزء اللذي يتكلم عن الأبناء يمتاز برسومات أقرب لرسومات الأطفال من حيث الخامة الشبيه بأقلام الخشب الملونة.ومن المقولات الخالدة بالكتاب والتي أعجبتني بحق، مقولتهُ «أمَّا المعلم الذي يسير في ظل الهيكل مُحاطًا بأتباعه ومريديه، فهو لا يعطي شيئًا من حكمته، بل إنَّما يعطي من إيمانه وعطفه ومحبته؛ لأنَّه إذا كان بالحقيقة حكيمًا فإنه لا يأمركم أن تدخلوا بيت حكمته، بل يقودكم بالأحرى إلى عتبة فكركم وحكمتكم». وبهذه الحكمة، وجميل القول، أختمُ متذكرةً كل من علمني، وأسهم في إثراء موهبتي الفنية، فإلى هؤلاء أعود بذاكرتي كلما قرأتُ كلمات جبران.
مشاركة :