الأنموذج الجديد في العلاقات الدولية

  • 8/1/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الحسين الزاوي يتجه العالم في المرحلة الراهنة نحو تأسيس أنموذج، أو «براديجم» جديد في العلاقات الدولية يتجاوز الأنموذج الذي جرى تأسيسه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ تشهد الفترة الحالية تراجعاً غير مسبوق في قدرة النظام الدولي القديم على فرض احترام القانون، وتسيير واحتواء النزاعات الدولية، والحروب الأهلية الناجمة عن تزايد أعداد الدول الفاشلة، بسبب الإفلاس الاقتصادي، والتفكك المجتمعي الذي تغذيه صراعات الهويات الجزئية. وتنبع أهمية كل ما يحدث من تحولات من كون أن الأنموذج الجديد ينطلق من الولايات المتحدة التي ما زالت تملك قدرات هائلة على التأثير في مسار الأحداث في مختلف بقاع العالم، بخاصة مع وصول الرئيس ترامب إلى الحكم، حاملاً معه رؤية جديدة في التعامل مع المشاكل الداخلية، وفي التعاطي مع الملفات الدولية في سياق ما بات يعرف بالنزعة الترامبية في السياسة الخارجية. ويشير الباحث مارتان كوينسيز، إلى أن ترامب قدّم نفسه خلال انتخابات 2016 بوصفه مرشح القطيعة، وحاول منذ الأسابيع الأولى لتوليه منصب الرئاسة تفكيك كل الإرث السياسي لأسلافه عبر محاولة إحياء النزعة الانعزالية لبلاده. ومن الواضح أن رؤية ترامب التي تشكل نواة أنموذجه، تنبع من قناعته أن الولايات المتحدة أضحت مخدوعة من طرف حلفائها، وأن المؤسسات الدولية المتعددة الأطراف تسيء إلى المصالح الأمريكية، وبالتالي، فإن ترامب يسعى إلى إعادة النظر في النظام العالمي الذي يرى أنه يعيق تقدم أمريكا، ويضع العديد من العراقيل في وجه بسط كل عناصر قوتها، بخاصة القوتين الاقتصادية، والتكنولوجية، التي تشير كل المؤشرات إلى أنهما ستكونان بمثابة معيار التفوق الحاسم خلال القرن الواحد والعشرين، بخاصة مع اشتداد المواجهة مع العملاق الصيني. وتكمن أهم خاصية من خصائص هذا الأنموذج الجديد، في التراجع النسبي لمخاطر الصدام العسكري، في مقابل تزايد إمكانية نشوب حرب اقتصادية وتجارية أكثر ضراوة بين القوى الكبرى، لاسيما وأن الولايات المتحدة أضحت تلجأ بشكل مكثف لسلاح العقوبات التجارية، والدبلوماسية، ضد خصومها، سواء تعلق الأمر بإيران، أو بروسيا، اللتين اتخذت ضدهما حزمة مؤلمة من العقوبات، كما دشنت واشنطن جولة جديدة من التصعيد ضد بكين أعلنت من خلالها مؤخراً فرض عقوبات على مسؤولين صينيين كبار للضغط على بكين بشأن قضية مسلمي الإيجور، في سياق مناخ من التصعيد الشامل بين البلدين على خلفية جائحة «كورونا». ولم يعد هناك، في سياق هذا النظام الجديد الذي تسعى الولايات المتحدة إلى فرضه، أي دور للمفاوضات ما بين الدول من أجل تنظيم العلاقات الدولية، وإحلال السلم والاستقرار، لأن هذا النظام الأمريكي الجديد يعتمد على الابتزاز، وعلى حساب معدّل القوة الذي يخدم المصالح المادية بالدرجة الأولى، وذلك يعني أن واشنطن لم تعد هي الضامن للنظام الليبرالي متعدد الأطراف الذي ظل سائداً لعقود من الزمن، ومن ثمة فقد نتج - أيضاً- عن هذه التحولات تراجعاً كبيراً في مستوى الحريات في العالم، وتغيّراً ملموساً في قواعد الحروب التي باتت تغلب عليها المواجهة المعلوماتية. ويؤكد الكاتبان شارل فيليب ديفيد، وأوليفيي شميت، في مؤلفهما الموسوم «الحرب والسلام»، أن أنموذج النظام الذي يوجد في طور التشكل يتميّز بتراجع المسؤولية الجماعية التي أسماها الفيلسوف الألماني هانس جوناس، بالمسؤولية الكونية في توفير الحماية، وهي بمثابة مسؤولية تحمل طابعاً أخلاقياً، بخاصة أن المجتمع الدولي لم يعد قادراً على المحافظة على السلم، ويعمل بصعوبة بالغة على فرضه في مناطق النزاع، وأصبحت محكمة العدل الدولية محاصرة، ومتابعة من طرف الولايات المتحدة، وتجد صعوبة بالغة في إنجاز مهامها. كما أدت - في السياق نفسه - التدخلات العسكرية الدولية إلى تهديد السلم العالمي نتيجة لعدم قدرة القوى الكبرى على فرض السلام بعد قيامها بإشعال الحروب في دول كانت تنعم بالاستقرار، فضلاً عن التأثيرات التي تمارسها التحولات الاجتماعية والاقتصادية في استقرار المجتمعات، والدول. ويمكن القول إن رهانات الأنموذج الجديد تبدو مبهمة، وغامضة، وتعمل واشنطن على بلورتها في سياق عالم يغلب عليه طابع الشك، وانعدام الثقة بأسس ومرجعيات القوانين الدولية، نتيجة لتخلي دول عظمى عن التزاماتها، وتعهداتها، في سياق دولي نجد فيه رئيس أقوى دولة في العالم يغيّر مواقفه السياسية كما يغير بذلته، وربطة عنقه، ويدعم الاستيطان والاحتلال، ويشجِّع على خرق التشريعات الدولية؛ الأمر الذي يؤكد أن العالم بات في حاجة إلى إجراء تعديلات عميقة في مضامين ومسار هذا الأنموذج، من خلال تشجيع قيام دبلوماسية وقائية، قادرة على تحقيق الاستقرار عبر ربوع العالم، اعتماداً على ثورة علمية وتكنولوجية يُفترض أن تكون في خدمة الإنسان، وليس أداة لإخضاعه. hzaoui63@yahoo.fr

مشاركة :