نظام «أكبر من أن ينهار» جديد على خطى أزمة القطاع البنكي في 2007

  • 7/18/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قبل حدوث الأزمة التي بدأت عام 2007، اعتقدنا أن النظام المالي هش وغير مستقر، على عكس كل التحليلات في ذلك الوقت. إلا أننا الآن نواجه ما هو أخطر بكثير، حيث نواجه مخاطر تستلزم بقاء النظام الإيكولوجي، لا النظام المالي. الحرب هذه المرة ضد الترويج الحالي للتطوير المعدل وراثيا للكائنات الحية، أو ما يُعرف اصطلاحا بـ«جي إم أو». ويري منتقدونا أن النظام المالي كان قد تحسن بفضل التطور الراسخ للعلم والتكنولوجيا الذي عاد بفائدة كبيرة على التمويل بفضل نظرة العلم الاقتصادية المتطورة. إلا أننا اعتقدنا أن «المخاطر الهامشية»، أو التأثيرات التي قد تنشأ عن الأحداث القليلة ذات الانعكاسات القوية، كانت في تزايد بسبب التعقيدات المتنامية والعولمة. وعلى اعتبار أن أحدا لم يلتفت إلى المخاطر، فقد شرعنا في حماية أنفسنا وزبائننا من السقوط النهائي للنظام المصرفي، وهو ما حدث بالفعل، وكان أكثر الناس استفادة من ذلك هم أكثرهم استعدادا لهذا اليوم. قيل لنا إنه لو أن أفكارا مثل أفكارنا قد سادت في الماضي، لكان الجميع تجنب المخاطر. إلا أن أول نصيحة يجب أن يراعيها الإنسان عند مواجهة المخاطر هي ألا يعبر الطريق مغمض العينين. كان التعرض للمخاطر الكبيرة يعتبر نوعا من «الأمان» طبقا لأساليب المخاطر البدائية، وكان الإغلاق مصير «فاني ماي»، المجموعة الفيدرالية الوطنية للرهن العقاري، بسبب ثقتها الزائدة في أساليبها العقيمة (والغريب أنها بعد تلقيها كفالة الإنقاذ المالية ما زالت تستخدم أسلوب المخاطرة ذاته). استمر النظام في الاعتماد على «التوقعات» من دون أن يلاحظ أنه بالإمكان اللجوء لسجل التوقعات الماضي الخاص بالبنوك المركزية والاقتصاديين للاستفادة منه كي تبدو التوقعات للمستقبل أدق، ويظهر القائمين عليها في صورة أفضل. بيد أن النظام الاقتصادي برمته اعتمد على تلك التوقعات الواهية في الوقت الذي كنا ندافع فيه عن نظام يشتمل على أقسام كاملة مخصصة لمعالجة أخطاء التوقعات. وقيل لنا مرارا وتكرارا إنه كان هناك أدلة على استقرار النظام وإننا كنا «في زمن الاعتدال العظيم»، وهى عادة شائعة تخلط بين عدم وجود الدليل والدليل على عدم وجوده. وحتى يكون النظام المالي قابلا للتطبيق، يكمن الحل في تطبيق نظرية عمل المطاعم، بأن نعتمد سياسة اللامركزية، ونجعل الأخطاء لا تتجاوز مكانها كي لا تتسبب في انهيار المنظومة بالكامل. كما أسلفنا، انهار النظام المالي تقريبا، لكن الأمر تعلق بالمال فقط، والآن نجد أنفسنا نواجه المظاهر الخمس الخادعة نفسها، في حذرنا وخوفنا من تنامي شعبية عملية التطوير المعدل وراثيا للكائنات الحية. أولا: كان هناك دوما ميل لاعتبار كل من يكره عملية التطوير المعدل وراثيا للكائنات الحية معارضا للعلم، ومن ثم اعتباره مضادا للمضادات الحيوية ومضادا للقاحات وتصنيفه على أنه من أنصار الحركة اللاضية. بالطبع ليس هناك أي سند علمي لمثل تلك المقارنة، ولا يعتبر «الإجماع» العلمي جدلا علميا صحيحا كذلك. لمزيد من التشويق، هناك أوجه شبه بين النقاشات المؤيدة للتطوير المعدل وراثيا للكائنات الحية وزيت الثعابين، حيث يعتمد الأخير على تعريف خاص بمستحضرات التجميل مستمد من العلم. وقد وجهت تهمة «الإرهاب ضد استخدام العلاج» لكل من عارض استخدام الدواء المشتق من زيت الثعابين في بداية القرن العشرين (في هذا الوقت كان يُنظر لأي شيء ذي مظهر معقد على أنه متقدم). ثانيا: قيل لنا إنه ليس هناك فارق بين الطماطم المعدلة وراثيا والأخرى الطبيعية، هذا خطأ، إذ إن الآلية الإحصائية التي بنيت عليها الطماطم الطبيعية تبدأ من القاعدة إلى القمة، مثل أن تخطو خطوات صغيرة (مثل حالة استثمار المطاعم مقارنة بالبنوك الأكثر ميلا لانتقال عدوى الأزمات)، ففي الطبيعة تبقي الأخطاء دوما منفصلة ومعزولة. ثالثا: جدل الإنقاذ التكنولوجي الذي واجهنا في مسألة التمويل موجود أيضا في عملية التطوير المعدل وراثيا للكائنات الحية الذي يهدف أيضا إلى «إنقاذ الأطفال بإطعامهم أرزًا غنيًا بالفيتامينات». وهنا يتضح سير الجدل بوضوح: في النظام المعقد، لا نعرف السلسلة السببية، ومن الأفضل أن نحل المشكلة بأبسط طريقة، وبأسلوب يجنبنا مشكلة أكبر. رابعا: باتجاهنا للزراعة الأحادية، وهو ما ينطبق على التمويل، تعتبر المخاطر نظاما، فخطر عملية التطوير المعدل وراثيا للكائنات الحية يفوق الفائدة المرجوة منها. فمثلا تعرض سكان آيرلندا للهلاك بسبب الزراعة الأحادية أثناء مجاعة البطاطس، تخيل لو أن هذا حدث لسكان الكرة الأرضية كلها. خامسا: أشد ما يقلق هو أن خطر عملية التطوير المعدل وراثيا للكائنات الحية يفوق مخاطر التمويل، حيث من الممكن أن تؤدي إلى سلسلة معقدة من التغيرات غير المتوقعة في النظام الإيكولوجي، بينما لا يعتبر نظام إدارة المخاطر في عملية التطوير المعدل وراثيا للكائنات الحية بدائيا، على عكس التمويل التي بُذل فيه بعض الجهد. تعتبر تجربة التطوير المعدل وراثيا للكائنات الحية، التي أجريت في الوقت الحقيقي وباستخدام كامل النظام الغذائي والإيكولوجي كمعمل للتجربة، أكبر حالات العجرفة الإنسانية على الإطلاق. فقد تسبب ذلك في مشكلة نظامية أخرى من مشكلات المشروعات التي يطلق عليها اسم «أكبر من أن تفشل»، وهى نوع من المشروعات التي لن تجدي معها الكفالة المالية نفعا إن فشلت. * خدمة «نيويورك تايمز»

مشاركة :