رواية (ظلال القَطَمون) للدكتور إبراهيم السّعافين: أعود أو أعود

  • 8/2/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

(ظلال القطمون) هي الرواية الجديدة التي صدرت لأستاذ الأجيال: الشاعر والروائي والناقد د. إبراهيم السّعافين. في هذه الدراسة التي يقدمها الشاعر والناقد يوسف عبد العزيز عن هذه الرواية المهمّة والمدهشة، ثمّة إطلالة على مدينة القدس وفلسطين إبان النكبة الكبرى التي وقعت في العام 1948، ولعلّها المرة الأولى في تاريخ الرواية الفلسطينية والعربية التي يتم فيها تناول هذه الفترة الخطيرة بهذه التفاصيل المذهلة. والدراسة منشورة في مجلة الشارقة الثقافية، في العدد الجديد 46″. تُعتَبَر الكتابة عن مدينة القدس، واحدةً من أكثر المهمّات الملقاة على عاتق الكتّاب الفلسطينيين والعرب، وذلك لما تمثّله هذه المدينة المحتلّة، من إرث حضاري كبير ومهدَّد بالمحو. ولعلّ رواية (ظلال القطمون) للدكتور (إبراهيم السّعافين)، التي صدرت هذا العام عن الدار الأهلية في عمّان، أن تكون هي العمل الأهم الذي يُكتَب عن هذه المدينة. وذلك لما تضمّنته من أمكنة وشخصيّات وأحداث، كان لها تأثير عميق في صيرورة التاريخ الفلسطيني المعاصر. أمّا (القطمون) الوارد ذِكْرُه في الرواية، فهو أحد أحياء مدينة القدس العريقة، ويقع في الجانب الغربي منها. وكان يضمّ مجموعة من القنصليّات العربية والأجنبية، وقد جرى احتلاله في العام 1948. يتناول د. السّعافين في هذا العمل الروائي، القدس وأخواتها في الفترة القاصمة التي ألمّت بالشعب الفلسطيني، وهي فترة النّكبة التي وقعت في العام 1948، إذ تتحرّك وقائع الرواية من القدس وإليها، منذ ما قبل النّكبة بقليل، وأثناء النّكبة، وفي العام الذي تلاها. قبل أسابيع من الحرب تنفتح الرواية على مشهد في حي الطالبية المجاور للقطمون، وتحديداً في بيت (الأستاذ منصور) خرّيج (الكينغ كوليج في كيمبرج)، والمدرّس في (الكليّة العربية) في القدس، حيث يستقبل (عصام) الذي هو أحد طلابه. في هذا اللقاء يشتعل الحديث بينهما حول الأجواء المتفجّرة التي تشهدها البلاد، بين الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن وجوده التاريخي من جهة، وبين البطش الذي يمثّله الحكم البريطاني، والعربدة التي تقوم بها العصابات الصهيونية. لا ينسى الأستاذ منصور هنا، أن يقوم بعزف مقطوعة موسيقية من ألبوم (الحوريّات) للموسيقار الألماني باخ. مثل هذا العناق بين فعل المقاومة والفنّ، سوف يكون بمثابة لازمة سحريّة تتكرّر في مقاطع الرواية، وتُعبّر عن تمسّك الإنسان الفلسطيني بوطنه. لا تلبث الأوضاع في فلسطين أن تتأزّم، فتشتعل التظاهرات في كلّ مكان. ثمّة تظاهرة كبرى تنطلق في القدس، وتظاهرات أخرى تنطلق في كلّ من يافا وحيفا وعكا والخليل والفالوجة في جنوب الوطن. ترتفع الحناجر بغناء النّشيد الحماسي (موطني)، كما تهتف الجماهير ببيت من الشعر الشّعبي الفلسطيني، من أجل إغلاق المحلات والالتحاق بالمظاهرات: “سكّر يا قليل الدّين ضاعت منّك فلسطين”. في هذه الأثناء يستمر تدفّق المهاجرين اليهود الذين يصلون تباعاً إلى الموانئ الفلسطينية، كما تظهر أرتال من العربات العسكرية الصهيونية وهي تستعرض قوّتها، ثمّ تنفجر الاشتباكات المسلّحة على أشدّها، بين العصابات الصهيونية التي يساندها الجيش البريطاني، وبين المقاومين الفلسطينيين من أفراد منظّمة (الجهاد المقدّس) التي يقودها المناضل (عبد القادر الحسيني). يتطرّق د. السّعافين من خلال هذه الرواية، للحديث عن عدد كبير من المواجهات العسكرية التي وقعت بين الجانبين، في مناطق مختلفة من فلسطين. وسنعرض هنا لثلاث محطّات رئيسة في هذه المواجهات: المحطّة الأولى: الهجوم الذي قاده المناضل أنطون داود التّلحمي، على مبنى الوكالة اليهودية في القدس، في 11/ 3/ 1948، وأدّى إلى تدميرها. أمّا أنطون فهو فلسطيني من مدينة (بيت لحم) ومولود في كولومبيا، عاد في ثلاثينيات القرن العشرين إلى فلسطين، والتحق بتنظيم (الجهاد المقدس). نلاحظ هنا أنّ الروائي صاغ لنا نموذجاً حيّاً للتلاحم الكفاحي الإسلامي المسيحي في فلسطين. بعد النّكبة ارتحل أنطون إلى كوبا، وشارك في قيادة الثورة الكوبية، جنباً إلى جنب مع كلٍّ من جيفارا وكاسترو. وبذلك فقد منح الروائي من خلال هذا النموذج أيضاً، بعداً عالميّاً للنّضال الفلسطيني. المحطّة الثانية: معركة القسطل التي وقعت يومي 7،8/ 4/ 1948، حيث قام القائد عبد القادر الحسيني، بشن هجوم كاسح على العصابات الصهيونية التي احتلّت قرية القسطل، الواقعة على الطريق التي تربط القدس بيافا. لقد غامر القائد بالهجوم رغم ما كان يعانيه جيشه من قلة السّلاح والذخيرة. حرّر عبد القادر القسطل ولكنه وقع شهيداً في نهاية المعركة. باستشهاد هذا القائد حدث ما لم يكن بالحسبان، إذ هاجمت العصابات الصهيونية في اليوم التالي قرية (دير ياسين)، التي تقع في مدخل القدس، وارتكبت واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ المعاصر. لقد وظّف الروائي شخصيّة عبد القادر الحسيني، كبطل تاريخي التفّ الشعب الفلسطيني من حوله، ولا يزال رمزاً يحرّض هذا الشعب على المقاومة. المحطّة الثالثة: حصار الفالوجة في جنوب فلسطين، والصمود الأسطوري للبطل المصري (السّيّد طه)، الملقّب (بالضّبع الأسود). لقد بقي هذا البطل صامداً بين جنوده والبالغ عددهم أربعة آلاف مقاتل. وعلى الرغم من الحصار الذي ضربه الصهاينة حولهم إلا أنه لم يرضخ، وحين تدخّلت الأمم المتحدة من أجل انسحاب الجيش المصري قدّم شرطه وأصرّ عليه، وهو ألا يسلّم جنوده السلاح، وكان له ما أراد. وهكذا فالشخصيّات الثلاث السابقة المتمثّلة بكلّ من (أنطون التلحمي، وعبد القادر الحسيني، والسيّد طه)، وهي شخصيّات معروفة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، تمّ إدخالها في الكتابة الروائية للمرّة الأولى. وهذه إضافة روائية مهمّة. في الجزء الأخير من الرواية، وعلى الرغم من الكارثة التي أرخت بكلكلها على صدر الشعب الفلسطيني بوقوع النكبة، إلا أنّ الروائي ظلّ يبث العزيمة في صدور أبطاله. ولعلّ ما جرى في هذا الجزء يمثّل ذروة الرواية. في الرواية ثمّة عاشقان محوريّان هما: علي الأمير الصّحفي في جريدة فلسطين التي تصدر من يافا، وربيحة النّادي المعلّمة في مدرسة (الزّهراء للبنات) في يافا أيضاً. علي وربيحة يقعان في الغرام ويتفقان على الزواج، إلا أنّ مشاغل علي النّضالية ومشاويره الكثيرة بحكم عمله الصحفي، قلّلت من لقاءاته مع ربيحة، وهذا ما أجّج الحب بينهما. مع وقوع النّكبة ترتحل ربيحة مع أسرتها من يافا لتقيم في مدينة عمّان. بالنسبة لعلي لم يعد أحد يعرف عنه شيئاً. في هذه الأثناء تستغل ربيحة برنامجاً إذاعياً لترسل برسالة صوتية إلى علي. تصل الرسالة علي والذي يتضح أنه ظل في يافا. في هذه الأثناء يتدخّل صديقه الأستاذ منصور من خلال زوجته الإنجليزية مارغريت، وصديقتها ساندي التي تعمل في الصليب الأحمر، حيث ترتّبان الأمور لزواج علي وربيحة، وذلك من خلال حفل العرس الذي سيقيمه الأصدقاء والأهل لهما في قرية (بيت صفافا) بجوار القدس. بالنسبة لبيت صفافا فقد قسّمتها النكبة إلى قسمين: قسم محتل في أرض ال 48، وقسم في أرض الضفة تحكمه الأردن، أما القسمان، فكان يفصل بينهما سياج مراقَب من الجيشين الأردني والإسرائيلي. وهكذا ففي الأفراح والأتراح، يجتمع أهل القرية من الجانبين ولكن دون أن يلتقيا!!! في الموعد المحدد لعرس علي وربيحة، تجمّع الأهل والأصدقاء، وانطلقت الحناجر بالغناء. الخطة كانت تقضي بقصّ فتحة في السّياج لتدخل العروس خلسةً باتجاه عريسها. وهذا ما حدث، فقد انتقلت ربيحة إلى راضي لتعيش معه في يافا. ولعلّ القارئ هنا يتنفّس الصّعداء. لقد انتصر الحب. كثيراً ما كان منصور الذي استقرّ به المقام أستاذاً في جامعة بغداد، وهو الذي كان شاعراً وفنّاناً تشكيليّاً وعاشقاً لمسرح شكسبير، يردّد عبارة هملت: أكون أو لا أكون. الآن وبعد اجتماع شمل الحبيبين، أصبح الأستاذ منصور يقول: أعود أو لا أعود، ثمّ: أعود أو أعود.

مشاركة :