الجزائر- ألمح التحقيق الذي أمر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بفتحه في عدد من الملفات الشائكة إلى أن الرمال لا تزال تتحرك تحت قدميه، وهو في وضع غير مطمئن على مكانته في قصر المرادية، خاصة وأن بوادر الانفجار الاجتماعي لم تعد خافية، والعودة المنتظرة للاحتجاجات السياسية مع أي نهاية لإجراءات الحجر الصحي الذي فرضته الجائحة، بإمكانها إعادة الوضع السياسي في البلاد إلى مربع الصفر. وأمر الرئيس عبدالمجيد تبون بفتح فوري لتحقيقات حول بعض الأحداث التي شهدتها الجزائر خلال الأيام الأخيرة، وهددت بتفجير الوضع الاجتماعي في البلاد، بشكل يعمق هشاشة السلطة ويزيد من حدة الاحتقان السائد بالبلاد، في ظل استمرار الشد والجذب بين أركان النظام والشارع الجزائري. وذكر بيان للرئاسة الجزائرية صدر الأحد “أمر اليوم رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، رئيس الحكومة بفتح تحقيق فوري في أسباب الحوادث التي وقعت في الأيام الأخيرة، وكان لها الأثر السلبي على حياة المواطنين والاقتصاد الوطني”. وأضاف البيان “يشمل هذا التحقيق الفوري الكشف عن أسباب الحرائق التي التهمت مساحات شاسعة من الغابات، ونقص السيولة في بعض البنوك والمراكز البريدية، وتوقف محطة فوكا لتحلية مياه البحر، وانقطاع الماء والكهرباء عن أحياء في العاصمة ومدن كبرى أخرى يومي عيد الأضحى المبارك دون إشعار مسبق”. ويرى مراقبون أن تبون الذي انتخب رئيسا للبلاد في ديسمبر الماضي، لم تستقر له الأوضاع تماما لتنفيذ برامجه، وأن بؤرا مفتعلة صارت تشتعل هنا وهناك من أجل عرقلة مساره المستجد في قصر المرادية، حيث طرحت في الآونة الأخيرة استفهامات عديدة عن التدهور المفاجئ للعديد من الخدمات الأساسية في الحياة العادية للجزائريين. وفضلا عن الحرائق المستمرة في مختلف ربوع البلاد، التي كبدت الأشخاص خسائر فادحة في الممتلكات والتهمت مساحات واسعة من الغطاء الغابي والنباتي، والانقطاع المتكرر للتزويد بماء الشرب في ذروة فصل الصيف وعيد الأضحى، فإن مسألة ندرة السيولة المالية في البنوك التجارية ومراكز البريد، أثارت الكثير من اللغط حول الخلفيات الحقيقية، خاصة وأنها تسببت في زحمة كبيرة ساهمت في تفاقم انتشار عدوى كورونا بين الأشخاص، مما استدعى عقد لقاء حكومي طارئ لدراسة الوضع. ولم يشر بيان الرئاسة إلى تفاصيل أخرى حول القضايا التي أثيرت بشكل لافت واستدعت تدخل رئيس البلاد للتحقيق فيها، مما يطرح مسألة مدى تحكم الرجل في دواليب السلطة والمحيط الدائر به، ويؤكد الهشاشة المؤسساتية في البلاد رغم الخطاب القائل باستعادة الاستقرار في مفاصل الدولة. وإذا كانت “العصابة” (النوى الصلبة الموالية للرئيس بوتفليقة) تبقى هي الشماعة الكبرى التي علقت عليها مختلف الإخفاقات والألغام المزروعة في طريق الرئيس الجديد، رغم سجن أكبر رموزها، فإن استعانة تبون بصقور جهاز الاستخبارات السابق لم تؤمن له الاستقرار اللازم، وتبقي على فرضية جناح آخر داخل سرايا السلطة لا يريد الرجل رئيسا للبلاد. تبون أمر بفتح تحقيقات حول أحداث شهدتها الجزائر خلال الأيام الأخيرة، وهددت بتفجير الوضع الاجتماعي في البلاد ورغم استمرار عملية ترتيب الأوراق الداخلية، خاصة في المناصب والمؤسسات المهمة في جسد الدولة، خاصة منذ رحيل قائد أركان الجيش السابق الجنرال أحمد قايد صالح، الذي كان يقود قاطرة السلطة، خاصة في التعاطي مع الاحتجاجات السياسية للحراك الشعبي، إلا أن الارتباك بدا واضحا في محيط الرئيس مؤخرا، منذ تنحية مدير حملته الانتخابية محمد لعقاب من رئاسة الجمهورية، ثم تعيين النائب البرلماني سمير شعابنة، في منصب وزير في حكومة جراد الثانية، وإلغاء القرار في ظرف وجيز جدا. وجاء اللغط الذي أثير حول وزير العمل والضمان الاجتماعي محمد فؤاد عاشق، الذي أقر بتقديم استقالته لرئيس الجمهورية لأسباب عائلية، حسب الوثيقة التي اطلعت عليها “العرب”، إلا أن الرئاسة ذكرت في بيانها أنه تمت تنحية الوزير بسبب خلل في التصريح بممتلكاته الشخصية، وكذا الحديث المتداول عن استقالة وسيط الجمهورية الحالي ورئيس لجنة الوساطة والحوار في السابق كريم يونس، ليثير المزيد من التساؤل والغموض حول حقيقة الوضع في هرم السلطة. ويرى مراقبون في الجزائر أن الخلفية الحقيقية للرئيس تبون، وأزمة الشرعية التي تلف الانتخابات الرئاسية التي أفرزته رئيسا للبلاد، ستبقى نقطة ضعفه الرئيسية، وستحد من هامش حريته أو تنفيذ مخططه خارج إرادة الدوائر التي دعمته للوصول إلى قصر المرادية، وأن عدم تحقيقه للإجماع داخل أركان النظام يجعله معرضا لضغوط داخلية وحتى ضحية لفخاخ تنصب له من حين إلى آخر من أجل الإطاحة به. اقرأ أيضاً: الجيش الجزائري لا يقبل التنازل عن نفوذه للقوى المدنية
مشاركة :