مستقبل الأبناء بعد البكالوريا يقلق الأسر المغربية | محمد ماموني العلوي | صحيفة العرب

  • 8/6/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ينتاب كثير من الآباء والأمهات في المغرب القلق حول مصير أبنائهم بعد اجتياز مرحلة البكالوريا، والخوف على مستقبلهم التعليمي خصوصا إذا كانت الميزة التي ينجح بها الأبناء متوسط أو مقبول، لأن كل المعاهد العليا والكليات ذات التخصصات المطلوبة في سوق العمل والتي يحلم الآباء بولوج الأبناء لها لا تقبل بمعدل مقبول حيث يبتدئ من 16 من 20، وفي خطوة نوهت بها كل العائلات اعتمدت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي هذه السنة مقاربة جديدة في تدبير ولوج كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، أهمها تخفيض عتبة انتقاء المترشحين لاجتياز المباراة المشتركة عبر توسيع قاعدة حاملي البكالوريا الذين تم قبولهم في الانتقاء التمهيدي. أكد بيان وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في المغرب على حرص الوزارة على ضمان تكافؤ الفرص بين جميع الطلبة المترشحين لولوج كليات الطب والصيدلة وكليتي طب الأسنان، حيث تم تحديد عتبة الانتقاء التمهيدي في معدل يساوي 12 من 20 وذلك باعتماد معدل الامتحان الوطني الموحد بنسبة 75 في المئة ومعدل الامتحان الجهوي للبكالوريا بنسبة 25 في المئة، وبالفعل رصدت “العرب” إقبال الطلبة على المباراة المشتركة الأربعاء 5 أغسطس الجارية في عدد من المؤسسات الجامعية. وبلغ عدد الناجحات والناجحين في الدورة العادية من اختبارات البكالوريا للموسم الدراسي 2020، أكثر من 169 ألفا، بنسبة نجاح بلغت 63.08 في المئة، منهم أكثر من 100 ألف حصلوا على الشهادة بتميز. وقال وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المغربي سعيد أمزازي، إن شهادة البكالوريا منعطف هام في المسار الدراسي والشخصي للتلميذات والتلاميذ وتفتح أمامهم آفاقا مستقبلية جديدة وتحفزهم على مزيد من التحصيل. وعادة ما يكون أمام أصحاب المعدلات المتوسطة سلك طريق المؤسسات الجامعية المفتوحة، حيث أن هناك من يختار كليات الحقوق والاقتصاد والآداب والشريعة، أو مؤسسات التكوين المهني التي تفتح شعبا وتخصصات متنوعة لعدد كبير من الطلاب. وترفض أسر مغربية كثيرة وبشدة ولوج أبنائها تلك الكليات تحت مبرر تراجع مستواها التعليمي والبيداغوجي ونظامها الداخلي المتساهل مع الطلبة، إلى جانب الآفاق المحدودة في سوق العمل بالنسبة للكثير من الطلاب، سوى فئة قليلة تكيفت مع ظروف سوق الشغل المغربي. وإلى جانب الأسباب التي يسردها الآباء لتبرير عدم اقبال الأبناء الحاصلين على البكالوريا على كليات الآداب والفنون والعلوم الإنسانية، يرى الأستاذ الباحث بكلية الاقتصاد والتدبير بجامعة ابن طفيل القنيطرة، زكرياء الزرزاري، في تصريح لـ”العرب”، أن الاقبال الضعيف للمغاربة على المطالعة تكون نتيجته أن أغلب التخصصات الأدبية لا تجد مستهلكيها إذ لا يمكن ممن ينتظره مستقبل زاهر في الهندسة أن يدرس الآداب أو التاريخ أو غيره من التخصصات. ويعتقد الزرزاري أن غالبية المتخرجين من كليات الآداب والعلوم الإنسانية والشريعة، هم من يطالبون بالإدماج في سوق الشغل، وكذلك الاكتظاظ ومحدودية آليات التدريس داخل هذه الكليات كلها عوامل تحد من إقبال المتفوقين على هاته الكليات، إلى جانب محدودية برامج البحث داخل تلك الميادين الغنية بطابعها الأدبي والثقافي والإنساني. ولفت إلى ان حصول التلميذ على شهادة البكالوريا في شعبة العلوم بمعدل أقل من 16/20 كاف بأن يبدد كل أحلامه في الالتحاق بكلية الطب التي كان يحلم باستكمال دراساته العليا بها مثلا، ما يشكل ضغطا نفسيا عليه، بالإضافة الى التكلفة الباهظة للمدارس العليا الخاصة التي تقدر بـ5200 دولار للسنة، كما أن تكاليف كليات الطب الخاصة باهظة لا يمكنهم دفعها، حيث تتجاوز 80 ألف درهم، حوالي 8 آلاف و400 دولار، والتي تفوق قدرة الكثير من الأسر التي تعيش ضائقة مالية. وتجنب أغلب أسر الطبقة المتوسطة أبناءها الحاصلين على البكالوريا الولوج إلى الجامعات المفتوحة غير محدودة المقاعد التي أصبحت مرتبطة عند هؤلاء بتدني المستوى الدراسي فيها، ومصير الطلبة الذين يتابعون دراستهم هناك يظل غامضا، كما أنهم معرضون للبطالة. حصول التلميذ على البكالوريا في شعبة العلوم بمعدل أقل من 20/16 كاف بأن يبدد كل أحلامه وأصبحت كليات الآداب مرادفا للبطالة وبالتالي فكل عائلة تمني النفس بدخول أبنائها إلى كليات الطب والصيدلة ومدارس المهندسين أو كليات العلوم والتقنيات، مع العلم أنه ليس كليات العلوم ذات الاستقطاب المفتوح، (كليات الحقوق والآداب،والعلوم)، وبالتالي فالعائلات تضغط على أبنائها لولوج التكوين المهني كآخر خيار لكونه يعطي على الأقل فرصة للولوج إلى سوق الشغل، بالإضافة إلى ذلك النظرة الدونية من طرف المجتمع لطلبة الكليات ذات الاستقطاب المفتوح كأشخاص غير منتجين وتخصصاتهم متجاوزة. والملاحظ حسب الأستاذ زكرياء الرزرازي، أن التلاميذ الذين يحصلون على معدلات محدودة في البكالوريا يلجون كليات الآداب والشريعة، فحين يحصل تلميذ تخصص أدب على البكالوريا ولا يتم قبوله من طرف معاهد الصحافة أو الترجمة أو الفنون الجميلة لا يجد أمامه إلا تلك الكليات خاصة ممن يعانون من نقص لغوي ولا يمكنهم من المسايرة داخل التكوين المهني أو العلوم الاقتصادية. وأشار الباحث المغربي إلى أنه عوض أن تكون هذه الكليات مرآة للتطور التكنولوجي والعلمي كما هو الحال في الدول المتقدمة، تصبح ملاذا لمن يريد فقط إكمال الدراسة بأي ثمن من أجل الإدماج المباشر داخل سوق الشغل العمومي خاصة وأن ما يشاع أنها كليات تعتمد على طريقة “الحفظ عن ظهر قلب” وأن الغش يسهل عملية النجاح. ولمواجهة واقع ضرورة مواكبة التعليم للمتغيرات المحلية والدولية انخرط المغرب في مسلسل إصلاح منظومة التربية والتكوين وعرف التعليم العالي بصفته أحد مكونات هذه المنظومة إصلاحات مهمة بدأت مع الميثاق الوطني والقانون المنظم للتعليم العالي، مرورا بالمخطط الاستعجالي وانتهاء بالرؤية الاستراتيجية 2015-2030. وكان الهدف من هذه المشاريع هو تحقيق الجودة في مؤسسات التعليم العالي وخاصة الجامعات ذات الاستقطاب المفتوح، وتجاوز الاختلالات والعوائق التي أدت إلى تدني مستوى الجامعات المغربية وفق التقارير الوطنية والدولية، وفي هذا الإطار اعتمد الإصلاح مجموعة من الآليات لتحسين جودة التعليم الجامعي تهم الجوانب البيداغوجية والمؤسساتية والتدبيرية والتنظيمية والاجتماعية وأيضا للتعاطي مع التحديات الجديدة المرتبطة بالتدريس عن بعد والوظائف المرتبطة بالتطور التكنولوجي. وأكد سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أن قطاع التعليم بجميع مستوياته هو أحد أعمدة النموذج التنموي الجديد، لأن التدريب الجيد ما بعد البكالوريا قادر على دعم مختلف الاستراتيجيات القطاعية التي اتخذها المغرب في ظل الإصلاحات التي عرفها التعليم العالي، خصوصا ما يتعلق بإنشاء جسر بين التعليم الثانوي والتعليم العالي وتسوية مشكلة اللغة المشتركة بين التعليم الثانوي والعالي في تدريس المواد العلمية. وأنعشت فترة الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا الوظيفة والدراسة عن بعد ما شكل فرصة للترويج للنظرية القائلة إن الوظائف التي يمكن أن يتم العمل فيها عن بعد هي المطلوبة الآن وعلى ضوء ذلك سيختار التلاميذ شعب العلوم التقنية والمعلوماتية. ويرى الزرزاري أن أزمة كورونا كانت فقط عاملا للتسريع بالاعتماد على الوسائل التكنولوجية. وأشار إلى أن جل المهن التكنولوجية ستصبح وظائف المستقبل أو ما يمكن الإطلاق عليها “مهن المادة الرمادية”، على سبيل المثال مهنة المحاسبة ستصبح متجاوزة لكون الروبوتات التي تعمل على الذكاء الاصطناعي تقوم بجميع العمليات من البيع إلى القوائم المحاسباتية، وبالتالي من يريد ضمان مستقبله عليه التسلح بالمعلوماتية لضمان استمراريته في الميدان. وتفرض جل الأسر المغربية على أبنائها اختيار شعبة علمية أو تقنية تتوافق مع ما يتطلبه سوق العمل أو ما تفترضه كنمط ثقافي وبريستيج اجتماعي يرتبط بالوظائف المستقبلية كالطب والهندسة مثلا، وهذا يضع التلميذ تحت ضغط الحصول على معدل عال يمكنه من الولوج إلى المدارس العليا. ولفت الزرزاري إلى أن أغلب المشغلين في العالم هم شركات صغيرة ومتوسطة يشكل العمل فيها عن بعد وسيلة للخفض من كلفة الإنتاج من أجل تنافسية أفضل، كذلك تشكل التكوينات التكنولوجية حافزا للحاصلين على البكالوريا نظرا للآفاق التي تشكلها والرواتب التي يمكنهم الحصول عليها بعد التخرج، وإمكانية العمل في قطاعات بنفس التخصص مع تكوينات مستمرة مثل مهندسي المعلوميات والطيران الذين يمكنهم العمل داخل القطاع الصناعي والصحي. وفي كلمته بمناسبة نتائج الثانوية العامة التمس وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي من الجميع مواصلة الجهود بنفس الحرص من أجل إنجاح العودة المدرسية 2020-2021 الذي يراد لها أن تكون متميزة على غرار السنة الماضية، وتتسم بالمزيد من التعبئة الجماعية حول مدرستنا من أجل الارتقاء بها والرفع من مردوديتها، مشيرا إلى أن هذه العودة سيكون شعارها “من أجل مدرسة متجددة منصفة ومواطنة ودامجة”. ولاحظ الأستاذ محمد العمراوي، عضو الجمعية المغربية لمفتشي التعليم الثانوي، أن التلميذ مرهون باختيارات والديه في الغالب إذ حتى لو كان يتمتع بذكاء لغوي مثلا فإن اختياره قد يصيب أهله بالخيبة، وإذا كان تعليمنا لا يعلمنا حرية الاختيار فإنه من الصعب أن نطالب من تعلم قول نعم دائما أن يقول لا في نهاية مساره التعليمي الثانوي. ويوضح العمراوي في تصريح لـ”العرب”، “هذا التوجيه يكشف عيبا كبيرا في منظومتنا التعليمية، لكونه يفكر في المنفعة الضيقة التي قد تقود إلى اختيارات خاطئة ستظهر نتائجها بعد تخرج طلاب يمارسون مهنا لا يعرفون إلا بعض تقنياتها باجترار وبلا حس إبداعي”، مضيفا “أنه حتى التوجيه الذي تقوم به المؤسسات يغلب عليه الجانب النظري، ويخضع للتقويم انطلاقا من نقاط حصل عليها التلميذ بطريقة أو بأخرى، بينما كان من المفروض توجيه التلميذ انطلاقا من نوع الذكاء الذي يغلب عليه”.

مشاركة :