أقر وأعترف أنني لم أعتقد في يوم من الأيام بوجود شيء اسمه "نحس" .. إلا في حالة واحدة هي نشر سلسلة مقالات : "اللهم لا تجعلني" ، والتي اعتدت على كتابتها كل حين لأذكر نفسي بضرورة الرضا بما قسمه اللي لي ونعمة ألا أكون مثل غيري وهذا كنز لو تعلمون عظيم .أما عن قصة النحس في هذه المقالات فتعود حكاياتها إلا أنني منذ نحو 12 عاما كتبت : اللهم لا تجعلني طلعت مصطفى ، وبعدها بأيام دخل الرجل السجن في اتهامه بالتحريض على قتل الفنانة سوزان تميم التي وقعت بتاريخ 28 يوليو 2008 .ثاني مرة كتبت فيها : اللهم لا تجعلني احمد عز وكان هذا في مطلع العام 2011 ، بعدها بأيام معدودات قامت ثورة 25 يناير وجاء الرجل خلف قضبان السجن ، مش عارف ايه الحكاية بصراحة .الغريب ان قطار النحس لم يتوقف ، فمنذ عدة سنوات كتبت " اللهم لا تجعلني "ابوهشيمة" ، وبعدها فوجئت برحيله عن مؤسسة "اعلام المصريين" وطبعا ده كله ممكن يكون من قبيل الصدفة البحتة .لكن اللي مش ممكن اعتبره صدفة أبداً أنني وبعد أن كتبت مقالاً بعنوان : "اللهم لا تجعلني صحفي للإيجار" ، دفعت صاحبة الجلالة تماً وعن بكرة أبيها ثمن نحس هذا المقال ، ووقع ما كنت أحذر منه من "تقشير الصحفيين للبطاطس وتنقية الرز في البيت" .عموماً .. أثق في الروح المعنوية العالية لقرائي الأعزاء المعدودين على أصابع اليد والواحدة ووعيهم الراسخ بأنه مفيش حاجة اسمها نحس ولا يحزنون ، ودي كلها حوادث فردية .. ومن هنا قررت أعيد نشر الجزء الثابت في سلسلة هذه المقالات ، وربنا يجعل قدمه خفيفة عليكم أجمعين : "كعادتها تهبط الأفكار الغريبة على رأسي فتذهب النوم من عيني لدرجة أنني ظللت أحسب كم يلزمني من العمر لأصبح مثل هذا الرجل ، مع ملاحظة أنني ويعلم الله تعالى لست من هواة الحسد أو "القر والنق" على خلق الله فأنا أسعد الناس بما قسمه الله لي ، ووجدت أنني أحتاج ربما 16 ألف عام مما يقبضون ، هذا على اعتبار أنني سأمارس هواية عم "مأمون" في اكتناز الأموال وعدم بعثرة أموالي على ساندويتشات الفلافل السوري التي لا يشتريها إلا المبذرون ليكون معي مثل ما معه، وطبعا إذا حولنا هذه السنوات إلى شهور فلن أقول لكم العدد المطلوب .. أما إذا حولنا هذا الرقم إلى أيام فان الآلة الحاسبة ستصاب بلوثة ولن تعطي نتيجة مفهومة .وهنا وجدت أن من الأسهل أن أبتهل إلى الله بالدعاء التالي: "اللهم اجعلني أبو هشيمة"، وأوضح لقرائي المعدودين على أصابع اليد الواحدة أن هذا ليس طمعا في المال أو حبا في الثراء ولكن لأحقق عدة أحلام تراود خيالي المنهك دائماً من أمثلتها:محاولة إدخال البسمة على شفاه كل بائس وعلاج كل مريض في مستشفى تليق بآدميته .. ومساعدة كل شاب وفتاة في إيجاد شقة تجمع بينهما في الحلال وتوفير فرصة عمل لكل متعطل بدلاً من أن يتخطفه اليأس والإرهاب .. وبناء مدارس راقية لتعليم أبنائنا بدلاً من تجهيلهم وأن أتبرع لكل المؤسسات العلاجية التي تمزقت قلوبنا ونحن نشاهد مرضاها في شهر رمضان وأن أشتري الشاليه أبو 441 ألف جنيه بس ومعاه شقة في "ماونتين فيو" وليه ما تكونش فيلا ثلاثية الأبعاد زي بتاعة حسين فهمي .. وقبل كل هذا شراء موتور مياه "عفي" لعمارة "يعقوبيان" التي أسكنها بدلا من معاناة إقناع باقي السكان بضرورة الوقوف على قلب رجل واحد لحل أزمة عدم وصول المياه وقبل كل هذا وذاك مد يد العون لحكومتنا التي تعاني عجزا أبديا في الموازنة يضطرها دائما للتضحية بالشعب حتى تعيش الحكومة .وعند هذا البند الأخير بالتحديد أفقت من غفلتي وعدت إلى رشدي وتنازلت عن دعائي بأن أصبح "أبو هشيمة" ورجوت الله سبحانه وتعالى أن يجعلني مثلي أنا، وأن يلهمني القدرة على الصبر والاستمتاع بأنعم الله التي لا تقدر بمال وأن أحاول تحقيق كل ما أتمناه وأن أتصرف وأنا معي الجنيهات وكأنني صاحب مليارات، وأيقنت أننا في ذلك الحين ستكون الدنيا حقا بخير .فإزاء هذه الأحلام الأسطورية فضلت شراء راحة "دماغي" بل ودعيت الله لأبو هشيمة وأمثاله من إخواننا أصحاب المليارات الذين بكل تأكيد لا يعرفون الراحة يوماً ما ، فوجدت أنه من الأفضل دائما الابتهال إلى الله الخالق الرزاق القادر وحده على صنع المعجزات أن يديم علي نعمة الرضا بالمقسوم وعدم منح الأمان للدنيا "الفانية المتفاتة" وأن يذهب عن رأسي فكرة إني أكون مثل أحد وأن أكون مثل نفسي فقط وأن أعيش كأغنى الناس وأنا في جيبي بضع جنيهات معدودات .. وأن يديم عليا افتخاري و"فشخرتي" وأنا أضع "رجلاً على رجل" وأنا جالس على مقهى "العمدة" في جمهورية شبرا وأنا أحتسي قدح القهوة "المانو" التي أعشقها وأمسك بيدي "خرطوم الشيشة معسل السلوم" وأنا أعطي "النادل" جنيهاً زيادة فوق الحساب على سبيل "البقشيش" .وألا أتردد في مساعدة محتاج ولو بابتسامة حنونة ودعوة شفوية غير مشفوعة بعملات ورقية .. فهذا في تقديري المفهوم الحقيقي للسعادة .. أن ترضى بما قسمه الله لك وأن تسعى لرسم الابتسامة على وجه أوشك على اليأس وأن تمسح دمعة حزين .. نعم فنحن نحتاج إلى من يعطي وينسى ويأخذ ولا ينسى، إلى من ينحني ليرفع الآخرين، إلى من يحب الناس جميعا لا فئة دون أخرى، إلى من يسعد بفقره كسعادته بغناه، من يشكر الله في الضراء مثل السراء، عندئذ سأظل أغنى الناس .. على الأقل في مرآتي الخاصة .
مشاركة :