يسعى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لضمان موقع ما في الحكومة القادمة من خلال رمي فشل حركته في تسيير شؤون البلاد والتنصل من مسؤوليتها عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على الحكومات السابقة رغم أن النهضة الموجودة في الحكم منذ العام 2011 سواء بترؤس حكومات أو باعتبارها شريكا في الحكم هي المسؤول الأول عن التراكمات التي أوصلت البلاد إلى وضع مترد يصعب الخروج منه. تونس - تعكس التصريحات الأخيرة لراشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الذي يترأس أيضا البرلمان التونسي، مدى التأثر بالضغط السياسي المتصاعد عليه وعلى حركته مع تفاقم الأزمة البرلمانية وسير مشاورات تشكيل الحكومة المقبلة ورغبة النهضة في الحفاظ على وجودها في السلطة الذي بدأ منذ 2011. وحذّر الغنوشي من خطر انقطاع خدمات توفير الماء الصالح للشرب والتيار الكهربائي عن المواطنين وعجز الدولة عن دفع رواتب الموظفين في ظلّ الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمرّ بها تونس. وقال، في كلمة ألقاها بمناسبة حفل معايدة بمقر حركة النهضة بالعاصمة التونسية، “أعتقد أنّ المشكلة الكبيرة هي المشكلة الاقتصادية والاجتماعية”. وتابع “يوجد فقراء وهناك خطر عدم توفر الرواتب بالإضافة إلى خطر انقطاع الكهرباء والماء”، مرجعا ذلك إلى سببين رئيسيين، وهما “ثقافة الإقصاء التي تجعل التونسيين مشغولين بالصراع في ما بينهم، وتدهور ثقافة العمل”. وانتقد متابعون وسياسيون تصريحات الغنوشي، ووصفها حسونة الناصفي، رئيس كتلة الإصلاح الوطني بالبرلمان، لـ“العرب”، بأنها “خطاب غير مسؤول”. ويسعى الغنوشي للبحث عن منفذ جديد يمكنه، ومن ورائه حركته، من الخروج من واقع تخبط حزبه في الأزمات الداخلية والتي صدرها إلى البرلمان والائتلاف الحكومي بعد أن قادت النهضة خلافات ضد شركائها ووترت العلاقات بين مختلف الأطراف. وتحاول النهضة النأي بنفسها عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتأزم في تونس رغم أنها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، علاوة عن التمسك بوزارة الشؤون المحلية نظرا لأهميتها في تنفيذ أجندة الحركة محليا وإقليميا. ويرى مراقبون أن فشل حركة النهضة في إدارة الأزمات وعجز الدولة وقلة مواردها ليس أمرا جديدا، حيث تصطدم به الحكومات المتعاقبة ويعود إلى تراكمات سوء إدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية عندما كانت النهضة تترأس الحكومات منذ فوزها بانتخابات العام 2011، ثم شريكة في الحكم منذ 2014، ما يجعلها تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية الوضع الحرج الذي تشكو منه تونس. وتجنبت الحكومات المتعاقبة التي قادتها النهضة المواجهة في ما يتعلق بالقضايا الكبرى ولجأت إلى حلول ترقيعية أرضت البعض من التونسيين، بينما أجلت القرارات المهمة والحاسمة خاصة تلك المتعلقة بالتنمية والتشغيل ودفع الاستثمار، التي تدفع عجلة الاقتصاد وتساهم في ازدهار المجتمع.وتشهد تونس، منذ العام 2011، وضعا اقتصاديا واجتماعيا مترديا، فضلا عن تزايد تأثر الوضع المعيشي للمواطن بسبب الارتفاع المتواصل في أسعار السلع والبضائع والخدمات، إلى جانب تفاقم نسب البطالة والفقر. ويجمع الكثير من المراقبين على ضرورة أن تكون الحكومة الجديدة قادرة على إخراج تونس من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية. وترفض الأوساط السياسية مشاركة النهضة في تركيبة الحكومة القادمة بعد أن كانت السبب الرئيسي في الأزمات السياسية المتواترة التي تعيشها البلاد وآخرها قيادتها لخلافات حادّة ضد شركائها في الحكومة السابقة. وأكد الناصفي على ضرورة توفير حد أدنى من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وإرساء علاقة ثقة مع مختلف القوى والمنظمات الوطنية (الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية). وقال الناصفي إن “تونس في حاجة إلى حكومة قادرة على إنقاذ الاقتصاد وخلق استقرار سياسي ورسم أهداف ومخططات مستقبلية، فضلا عن الاستقرار الأمني لدفع نسق الاستثمار وإحداث فرص عمل للعاطلين”. ودعا إلى القيام بإصلاحات ضريبية وتشريعية وتطوير عمل الإدارة من خلال اعتماد التكنولوجيا الحديثة في الإجراءات الإدارية. وتسعى حركة النهضة التي تعوّل على تقاربها الكبير في البرلمان مع ائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس لفرض خياراتها في تشكيلة الحكومة القادمة. وتستبعد النهضة فرضية إقصائها من الحكومة المنتظرة. وقال الغنوشي “إنه لا يمكن السماح بإلغاء وزارة الشؤون المحلية وإلحاقها بوزارة الداخلية”، في رده على دعوات في هذا الإطار وعزم رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي تشكيل حكومة مصغرة. واعتبر الغنوشي أن إلغاء وزارة الشؤون المحلية، التي كان لطفي زيتون القيادي البارز في حركة النهضة على رأسها قبل أن يقيله رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ مؤخرا، “سيعيد البلاد إلى الوراء بعد أن عزز الباب السابع للدستور مكانة الحكم المحلي”. وتدرك الأوساط السياسية في تونس حجم المسؤولية التي تضطلع بها حركة النهضة في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تزداد حدة من عام إلى آخر. وأكد منجي الرحوي، النائب بالبرلمان عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، “أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية هي نتاج لأزمة حكم لأن نتائج الانتخابات الأخيرة لم تنبثق عنها أغلبية متناغمة ومنسجمة”. وأضاف الرحوي لـ”العرب”، أن “تصريحات الغنوشي ليست بالجديدة بل اعتمدها كأسلوب ترهيب لأنه يعيش وضعا متوترا وضغطا كبيرا بمعية حركة النهضة، ويريد أن يصور حالة كارثية من الارتباك والابتزاز لتنقلب الأمور ويصبح وجود الحركة في الحكومة ضروريا”. ودعا الرحوي “إلى ضرورة التفكير في انتخابات سابقة لأوانها يتم تنظيمها العام القادم”. وسبق أن اتهم أحمد نجيب الشابي، رئيس الحركة الديمقراطية، حركة النهضة بخلق أزمة سياسية مزمنة. وقال “الإسلام السياسي متمثلا بحركة النهضة مسؤول عن الأزمة السياسية المزمنة منذ عام 2011”. ودعا الشابي، في تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك، إلى “عقد مؤتمر وطني عاجل، يصوغ برنامجا وطنيا للإنقاذ، تلتزم بتنفيذه حكومة إنقاذ محدودة العدد قائمة على الكفاءة ومتحررة من قبضة الأحزاب ومسنودة من قبل الرأي العام”.
مشاركة :