الشاعر الذي أحبّ الحياة!

  • 8/8/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يعتبر الشاعر أبو القاسم الشابي من الشعراء الذين كان لشعرهم صداه الذي يتردد على السنة المواطن العربي، لوقعه المؤثر في النفوس، وأن كانت تجربته الإبداعية لم تمتد لفترة طويلة، حيث وأفاه الأجل مبكرًا إلا إنه استطاع أن يثبت جدارته في الساحة الشعرية العربية، وبقيت شعلة ما أبدعه في حياته القصيرة متوهجة لا تنطفئ! وأن يكون نتاجه الشعري محل دراسة من قبل النقاد، والمهتمين بالشعر، لثراء تجربته، وجمال ما نظم من شعر!ولد الشاعر في قرية الشابة بتونس في عام 1909م. ودرس أصول الدين، واللغة العربية في ما قبل المرحلة الثانوية. وفي عام 1920 غادر مسقط رأسه، وتوجه إلى العاصمة تونس، والتحق بثانوية الزيتونه حتى نال الشهاة الثانوية وذلك في عام 1927م. عرف عنه شغفه بالقراءة، وامتلاكه لذاكرة قوية حيث حفظ القرآن الكريم وهوفي التاسعة من عمره. وبالرغم من إنه قد عاش حياة قصيرة، حيث اختطفه الموت وهو في الخامسة والعشرين من عمره (1909-1934) إلا أن أعماله الشعرية القليلة لها أهميتها، وتأثيرها في ميدان الشعر، بل تتجاوز تجربته الكثير من الشعراء في العصر الحديث. لسبب وهو حرصه على التجديد في شعره وما يتميز به من صفاء في اللغته، وعمق في المعنى وموسيقية في الوقع، وجزالة في اللفظ!ولم يكن الشابي بعيدًا عن نقد بعض النقاد، وغيرة بعض الشعراء! لما حقق من مكانة في الداخل والخارج، وبات اسمه يتردد في المحافل! فحينما قدم محاضرة تحت عنوان (الخيال الشعري عند العرب) لم يسلم من النقد الحاد، واعتبرالبعض ما جاء في محاضرته إساءة للأدب العربي!ففي مقال للدكتورمحمد عبد المطلب كان قد نشره يفند من خلاله ما جاء في المحاضرة المذكورة ويصف ما قاله الشابي بأن الأدب العربي لا سمو فيه ولا إلهام ولا تشوف إلى المستقبل بالقسوة، وهو رأي كما نرى لا يتفق ووجهة نظر الشابي بتاتًا بل ويصل الأمر بالناقد إلى أن يفسر سبب موقف الشابي السلبي من الأدب العربي بأنه يأتي نتيجة لعدم النضج الثقافي والخبرة، لكون الشابي في سن العشرين من عمره حينما القى محاضرته وطبيعة الشاب في هذا السن الاندفاع في الرأي والمغالة في الأحكام، كما ان قراءاته في الثقافة الغربية جعلته يرفض ما هو مغايرًا لها، ويتضمن مقال الدكتور إشارات، وردود عديد لا مجال لذكرها ولكن من المهم القول هنا بأن الدكتور نفسه يعترف في مقاله بعبقرية الشابي!بالإضافة إلى إنه لو سلمنا ببعض ما جاء في الرأي الذي أوردناه من صحة، فقد يكون تأثره بالأدب الغربي وحرصه على التجديد يعتبر دافعًا، فمثله مثل الكثيرين من الشعراء الذين طالبوا بهذا التوجه ومنهم أدباء المهجر، حيث كان معجباً بشعرهم وكأنه وجد ضالته في ما يسعى إلى تكريسه! وقد استطاع الشابي وخلال سنواته القصيرة أن يكون قاعدة قرائية واسعة على مستوى الوطن العربي، وراح ينظم الشعر في مختلف الموضوعات، وان معاناته جعلته أكثرالتصاقاً بالحياة وإبداعاً وهو شاعر أحب الحياة وتغني بها إلا أن القدر لم يمهله أن يعيش أطول:ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها وأندثر !هو الكون حي يحب الحياةويحتقر الميت مهما كبر !وهو شاعر لم يعرف اليأس يومًا بالرغم مما كان يكابده من ألم بل كان متفائلاً ومعانقًا الإرادة والطموح:خذ الحياة كما جاءتك مبتسمًافي كفها الغار أو في كفها العدم ومن لم يرم صعود الجبال يعيش أبد الدهر بين الحفرأبارك في الناس أهل الطموحومن يستلذ ركوب الخطر لذلك يمكن القول بأنه يعتبر من الشعراء الموهوبين، الذين استطاعوا تطويع اللغة واستغلال جمالها في التعبير عن رؤيته، وعما يدور بخلده عبر أسلوب السهل الممتنع! ونختم قولنا بما كتبه الكاتب المنصف المزغني عن الشاعر «لم يدخر الشابي ولم يستطع أن يدخر حيزًا من روحه الكبيرة لجسمه العليل ذلك لأن روحه كبيرة ولأنه كما قال المتنبي: (إذا كانت النفوس كبارًا *** تعبت في مرادها الأجسام) فقد رحل تاركًا درسه الذي يبقى بعد أن تذوب التفاصيل الصغيرة».

مشاركة :