وصلني من أحد الأصدقاء تعقيب على مقالتي المنشورة قبل فترة بعنوان إبراهيم شريف هل ينجح في انجاز المراجعات؟، وبالنظر لأهمية ما ورد في هذا التعقيب، من ملاحظات هي مدار جدل دائم ونقاش غير منقطع سأورد المختصر المفيد منها، إثراء للحوار مع التعقيب عليها، ومن تلك الملاحظات التي أوردها الصديق ملاحظتان: 1- الأولى ان المعارضة قد أنجزت مراجعاتها ومستعدة للمضي قدما نحو حوار وطني جديد يهدف الى تعزيز الإصلاح وليس للانقلاب مثلما تقولون وتكررون وترددون على اسماعنا دائما، ولذلك كان يفترض ان تشير في مقالك الى الدور المطلوب من السلطة-وليس المعارضة فقط- للتحرك في اتجاه حل الازمة السياسية التي طالت أكثر من اللازم. 2- الثانية ان الإشارة في مقالك الى ضرورة الانطلاق من الثوابت الوطنية الجامعة التي صوت عليها شعب البحرين في ميثاق العمل الوطني بدلا من الحديث عن وثيقة المنامة، لا تبدو إشارة موفقة لأننا ومنذ 2002 والمعارضة ترفض تفسير السلطة للميثاق، وقد قاطعت انتخابات 2002 نتيجة لهذا الاختلاف، ولذلك نعتقد اننا في حاجة الى الانطلاق في أي حوار من وثيقة المنامة باعتبارها شاملة لكافة القضايا الوطنية. وفيما يلي أعقب على ملاحظتي الصديق مفصلا بحسب النقاط التي طرحها انفا: أولا: بالنسبة للمطلوب من السلطة سبق لنا في اكثر من مقال أن اشرنا الى أهم الخطوات المطلوب ان يخطوها الجميع، للوصول الى حل الوسط السياسي الذي يمكن ان يخرجنا من حالة الاستقطاب والتخندق السياسي والطائفي، بتقاطعاته الخارجية الذي ظل يمنع التحرك نحو الحل الوسط السياسي المعلوم والمنشود، ويبدو جلياً أن هذا التخندق يجد من يشجعه من الداخل والخارج ويدفع المعارضة لعدم التقدم نحو الامام، فتزداد قناعة بأن أي حل وسط سياسي سوف يكون بطعم الهزيمة، حيث وجدت المعارضة من الصعب التحرك نحو منطقة الوسط، لسبب بسيط وهي أن هذه المنطقة كانت دائماً موجودة ومطروحة ولم يكن هنالك أي داع لكل هذه التضحيات ولهذه الفوضى للوصول إليها. وبالتالي فإن القبول بها في تقديرها-بعد كل ذلك سيكون بمثابة هزيمة ولذلك كنا دائما نتحدث عن ضرورة إعادة تأهيل المعارضة لمساعدتها على تجاوز نفسها ومراجعة أخطائها. أما بشأن السلطة، فإنها-مع الإقرار بان أي سلطة في العالم في حاجة دائمة لمراجعة سياساتها من حيث المبدأ-فإنها في البحرين قد حرصت منذ البداية على تنفيذ العديد من المراجعات الهامة من خلال 5 مستويات متكاملة: - الدعوة إلى الحوار المفتوح دون شروط في مواجهة الأزمة، من أجل حل وسط سياسي مقبول يراعي مصالح جميع الأطراف، هذا الحوار الذي رفضته المعارضة. - تشكيل لجنة تقصي الحقائق التي برأت السلطة من أية اتهامات خطيرة تتعلق بادعاءات لم تكن واقعية، مع ما اقترحته من توصيات مهمة نفذ اغلبها بشكل او بآخر. - تنظيم حوار للتوافق الوطني غابت عنه المعارضة بعد أن شاركت في بداياته من أجل إفشاله وقد شكلت مخرجاته باقة من المقترحات للدفع بالإصلاح نحو أفق أرحب، التزمت الدولة بتنفيذه بالفعل، بما في ذلك إجراء إصلاحات وتعديلات دستورية مهمة وتعديل وإصلاح قوانين في اتجاه تعزيز حقوق الإنسان والحريات ودولة المؤسسات. - تنظيم جولة ثانية من الحوار شاركت فيه المعارضة واستمر أكثر من 8 أشهر، ومازال الجميع يتذكر بان أشهرا عديدة قد ضاعت هباء منثورا دون ان تسمح المعارضة بالتقدم نحو تحديد حتى جدول الاعمال، قبل ان تنسحب منه مجددا. - ان السلطة قد دعت قبل الانتخابات الأخيرة الى لقاءات مباشرة مع ممثلي الجمعيات السياسية لاستطلاع رؤاهم حول الحل السياسي، وكان واضحا مما تم طرحه وتداوله استمرار ذات اللغة وذات المنظور التأسيسي، بما عطل أي إمكانية للمصالحة والعودة الى دورة الحياة السياسية العادية التي كان يمكن ان تدفع بالبلد مجددا على طريق طي صفحة الاحداث وتقوية بنية الإصلاح والوحدة الوطنية. ثانيا: بالنسبة لموضوع المراجعات بالنسبة للملاحظة التي فحواها ان المعارضة قد انهت وانجزت مراجعاتها، فإنه لم يظهر من تلك المراجعات شيء للعلن، باستثناء ما صرحت به الدكتورة منيرة فخرو في لقاء منفرد لها مع صحيفة الوسط وقد واجهت لوما جراء ذلك - وباستثناء ما يتردد وبشكل فردي هنا وهناك - لم نر في الحقيقة أي مراجعة ولا أي تحرك نحو التجاوز، يشجع على العودة الى الحوار السياسي، وحتى الدعوة الأخيرة التي جرت حولها مناقشات فقد كانت مشروطة بالانطلاق من وثيقة المنامة، وهذا امر لا يشجع كثيرا على الحوار الذي يراد اشراك الجميع فيه. ولذلك فإننا عندما ندعو إلى التمسك بالثوابت التي جاء بها الميثاق فذلك راجع إلى انها محل اجماع، بغض النظر عن الخلاف الذي تلا ذلك حول البرلمان ومجلس الشورى ومقاطعة الانتخابات في 2002م، ، فهذا الخلاف لم يكن يمس جوهر الثوابت او يشكك فيها كمرجعية جامعة، ولذلك يمكن الانطلاق منها في أي حوار لأنها ثابتة لا تتغير، ولذلك فإن الالحاح على قلب صفحة الميثاق من قبل المعارضة يثير الارتياب، فكأنها هنالك إرادة لتجاوز تلك الثوابت التي تعد أحد مصادر شرعية السلطة وهوية البحرين، والاستعاضة عنها بوثيقة المنامة هو عبارة عن سعي للبحث عن شرعية تأسيسية. ولذلك فإن هذا الالحاح على الانطلاق من وثيقة المنامة بات أحد أهم أوجه الخلاف مع المعارضة، فالجميع مع الإصلاح - وفي مقدمتهم السلطة نفسها - ولكن التحالف المعارض مع نوع آخر من الإصلاح هو أقرب الى الانقلاب على الثوابت، لأنه عبارة عن بحث عن تأسيس جديد للدولة. فإطلاق الوثائق وإعلانها تباعاً ظاهرة تلفت الانتباه في عمل الجمعيات المعارضة وثيقة المنامة - وثيقة المبادئ والمصالح المشتركة - وثيقة مبادئ اللاعنف - وثيقة لا للكراهية، إذ جاء إطلاق هذه الوثائق وعددها أربع جاءت ضمن برنامج وتدور في جوهرها حول تغيير ميزان القوى القائم، واستبعاد المرجعيات الأساسية لمملكة البحرين: الميثاق - الدستور، واستبعاد ما يتعلق بشرعية الحكم وتقليص بعض ما يتعلق بهوية مملكة البحرين... وللحديث صلة
مشاركة :