يشكل تغيير المكلف بالملف الإيراني في الإدارة الأميركية، البراغماتي براين هوك، بالصقر إليوت أبرامز منعطفا جديدا في استراتيجيات واشنطن حيال طهران، حيث يقود الأخير جهود إدارة ترامب للإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، فيما يتوقع مراقبون أن يستمر أبرامز في جهوده هذه في علاقة بالنظام الإيراني أيضا. واشنطن – يعكس تعيين الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإليوت أبرامز مكلفا بالملف الإيراني خلفا لبراين هوك المستقيل تحولا في سياسات واشنطن لمواجهة إيران، إذ يستبعد تعيين أبرامز، أحد مهندسي غزو العراق في 2003، خيار الدبلوماسية الذي انتهجه سلفه هوك. ويرى مراقبون أن خروج هوك قد يدفن أي فرصة متبقية لمبادرة مع إيران قبل نهاية فترة ولاية ترامب على الأقل. ويشير هؤلاء إلى أنه طوال السنوات الأربع التي أصبح خلالها هوك وجها لسياسة أقصى الضغوط التي تبنّتها الولايات المتحدة ضد طهران، أكد المبعوث السابق أيضا إمكانية استئناف المحادثات المباشرة مع إيران، كما فعلت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. وبالنسبة للبعض من منتقديه في أوروبا وداخل الولايات المتحدة، كان هوك مجرد مدافع عن سياسة تهدف إلى كسر إيران وإجبارها على الجلوس إلى المائدة لإعادة التفاوض على صفقة سبق أن توصلوا إليها وامتثلوا لها. وقالت صحيفة واشنطن بوست إن أسلوب هوك وتكيّفه السلس قد تسبّبا طول عمر خدمته في إدارة معروفة باضطرابات أساسية في السياسة الخارجية. وخدم هوك الجمهوري، خلال ولاية وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، في منصب مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية. وبصفته مدير التخطيط السياسي، حاول هوك تعزيز الاتفاق النووي، الذي ندد به ترامب خلال الحملة الرئاسية لعام 2016 باعتباره أسوأ صفقة تم التفاوض عليها وتعهد بالانسحاب منها. وكانت من الأمور المركزية في جهوده، محاولة إقناع المشاركين الأوروبيين في الاتفاق، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بفرض قيود أكثر صرامة على البرنامج الصاروخي الإيراني، لكن تلك الجهود باءت بالفشل. وتأتي استقالة هوك أيضا فيما تستعد الإدارة الأميركية للدفع بتوسيع نطاق حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على الجمهورية الإسلامية. ويصوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأسبوع المقبل على مسعى أميركي لتمديد حظر دولي على السلاح لإيران رغم تحذيرات بعض الدبلوماسيين من أن هذه الخطة تفتقر إلى التأييد في المجلس، فيما تهدد واشنطن بتفعيل آلية العقوبات الأممية على إيران إذا ما أخفقت في تمرير مسعاها الذي يلقى معارضة صينية روسية. وينتهي حظر السلاح المفروض حاليا على إيران في 18 أكتوبر القادم بموجب الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع القوى العالمية في عام 2015 والذي انسحبت منه إدارة الرئيس ترامب عام 2018. ويحتاج مشروع القرار الذي صاغته الولايات المتحدة تأييد تسعة أصوات على الأقل لإجبار روسيا والصين على استخدام حق النقض (الفيتو)، وهو ما أشارت كل من موسكو وبكين إلى أنها ستفعله، فيما يشكك بعض الدبلوماسيين في تأمين واشنطن الحصول على تأييد حتى تلك الأصوات التسعة. وإذا فشلت تلك الخطوة، تعهد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وهوك بتطبيق إجراء قانوني مثير للجدل يهدف إلى فرض عقوبات دولية على إيران. وسوف تقضي مثل هذه الخطوة على الاتفاق الذي يعتبر أداة لتجميد مساعي طهران المشتبه بها نحو تطوير أسلحة نووية، حيث تجادل واشنطن بأنها تستطيع إعادة فرض العقوبات لأن قرارا أصدره مجلس الأمن ما زال يعتبرها شريكا في الاتفاق. وحدد بومبيو بعد تعيينه في 2018 وزيرا للخارجية، 12 مطلبا من إيران تضمنت وقف أنشطتها في الشرق الأوسط وتم على الفور تكليف هوك بتلك الجهود. وبلغ مستوى التوتر أوجه في يناير هذا العام عندما أمر ترامب بشن ضربة بطائرة مسيرة استهدفت الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني قرب مطار بغداد وأودت به. ويقول المنتقدون إن تلك الجهود بقيادة هوك، أتت برد عكسي مع قيام إيران بتوسيع عملياتها الإقليمية واتخاذها خطوات للانسحاب من الاتفاق النووي الذي كانت ملتزمة به. وقال بين رودس، أحد أبرز مساعدي أوباما في السياسة الخارجية، “عدد قليل من الأشخاص بذلوا جهودا أكبر مما بذله براين هوك في الملف النووي الإيراني”، مضيفا “كان الملف متوقفا عندما تولى مهامه، والآن يمضي قدما”. وأكد هوك خلال تجمع الأربعاء للدفاع عن سجله أن إيران كانت تواجه أسوأ أزمة اقتصادية لها منذ الثورة الإسلامية عام 1979 وأن الاحتجاجات العارمة في العراق ولبنان تظهر معارضة لطهران. وصرّح أمام منتدى آسبن الأمني “إنهم يواجهون أزمة شرعية ومصداقية مع شعبهم. النظام اليوم يتشبث بالسلطة من خلال القوة الغاشمة”، مضيفا “لم تكن تلك الأمور التي كنا نتحدث عنها موجودة قبل ثلاث سنوات ونصف السنة عندما تولينا المهام”. ولعب هوك دورا رئيسيا في الإفراج عن أميركيين كانا مسجونين في إيران، هما الأكاديمي في جامعة برينستون شيوي وانغ والعسكري السابق مايكل وايت. وأثنى السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، والمستشار المنتظم لترامب للسياسة الخارجية، على هوك بينما اعترف بأن “نافذة استبدال الاتفاق النووي ربما تُغلق قبل الانتخابات”. وأضاف، مع ذلك “بعد الانتخابات.. إنه اقتراح مربح للجانبين”. وقال غراهام إن هوك قام “بعمل رائع في بناء تحالفات أميركية ضد إيران مع الدول العربية في الخليج… لقد كان ثابتا في المياه الهائجة وهذا عمل بطولي في إدارة ترامب”. وقبل أشهر من انتخابات يمكن أن تغير وجهة سياسة الولايات المتحدة وصفت أسوشيتد برس أبرامز بأنه محارب قديم في السياسة الخارجية ومحافظ متشدد ضد إيران، حيث قاد جهود إدارة ترامب لمحاولة إجبار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على التخلي عن السلطة ودعم منافسه الرئيسي خوان غوايدو، فيما يتوقع مراقبون أن يستمر أبرامز في جهوده هذه في علاقة بالنظام الإيراني أيضا. وسيواصل أبرامز الذي عرف في ثمانينات القرن الماضي بقيادته حملة الدفاع عن الحكومات اليمينية في أميركا اللاتينية، مهامه كممثل خاص لشؤون فنزويلا، إلى جانب دوره كمبعوث لإيران. واشتهر أبرامز بدوره في فضيحة “إيران كونترا” خلال إدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان حيث تم بيع الأسلحة لإيران لدعم المتمردين المناهضين للشيوعية في نيكاراغوا حين كان آنذاك مساعدا لمجلس الأمن القومي. وأُدين بحجب معلومات عن الكونغرس حول هذه المسألة، لكن عفا عنه الرئيس جورج بوش الأب.
مشاركة :