د.محمد لطفي عبد الفتاح مستشار قانوني – متخصص في حوكمة الشركات من المصطلحات التي يكثر تداولها وطرقها هذه الأيام مصطلح المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات، فما هو مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وما تاريخ نشأة هذا المصطلح ؟! وهل هو مصطلح حديث أم قديم؟! وهل هو قاصر على الشركات، أو يشمل الأفراد والمجتمع كافة ؟ وما عناصرها ؟! وما أبرز مظاهرها ؟! وما سبل تنميتها ؟ وعلاقتها بحوكمة الشركات ؟ يرجع مصطلح المسؤولية الاجتماعية إلى القرن الثامن عشر الميلادي؛ حيث أعلن الفيلسوف الاقتصادي الكبير آدم سميث” : أن احتياجات ورغبات المجتمع سوف تتحقق على أفضل وجه بفضل التعاون بين المنظمات والمؤسسات الاقتصادية والمجتمع “. والمسؤولية الاجتماعية كمفهوم ظهر قبل القرن الثامن عشر الميلادي فهو مفهوم قديم ظهر في الإسلام ؛ فالإسلام بشريعته العظيمة الكاملة هو دين كل خير وهو دين المسؤولية الاجتماعية، وقد أمر الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه في آيات عديدة على لسان نبيه بالمسؤوليات الاجتماعية ورتب عليها أجزل العطاء، وبتأمل هذه النصوص الشاملة للمسؤولية الاجتماعية، يقول سبحانه وتعالى : ” وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ” ، وقوله سبحانه ” وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” وقوله عليه الصلاة والسلام: ” كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ” ، حيث عمم المسؤولية لأفراد المجتمع ، ويقول عليه الصلاة والسلام: ” خير الناس أنفعهم للناس ” ، ومن أركان الإسلام الزكاة وهي مسؤولية اجتماعية واجبة ، إضافة إلى الصدقات وأعمال البر والأوقاف والوصايا التي تسد حاجات المجتمع، بل علق سبحانه البر بذلك فقال” لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ “.وقد اختلف الشراح في تعريف المسؤولية الاجتماعية، شأنها شأن كثير من المصطلحات الاجتماعية حيث يعرفها البعض بأنها التزام أصحاب المؤسسات بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال تحسين أوضاع الموظفين وعائلاتهم والمجتمع المحيط اجتماعياً وصحياً وعلمياً ، وهي الأنشطة التي تمارسها المؤسسات في سبيل خدمة المجتمع. وتعرف المسؤولية الاجتماعية بالنسبة للشركات بأنها ” مساهمة منشآت القطاع الخاص في تحقيق رفاهية حياة موظفيها، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للمجتمع الذي تعمل به، مع التصرف بمسؤولية بدوافع دينية وأخلاقية ، ولتعزيز مكانتها التنافسية في مجال نشاطها “. وقد عرف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة المسؤولية الاجتماعية على أنها ” الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل” كما عرف بعض الفقه المسؤلية الاجتماعية بأنها ” التزام المنشأة تجاه المجتمع الذى تعمل فيه “. كما عرف البنك الدولى المسئولية الاجتماعية لمنشآت القطاع الخاص بأنها ” التزام بالمساهمة فى التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيها والمجتمع المحلى والمجتمع ككل لتحسين مستوى معيشة الناس باسلوب يخدم التجارة والتنمية فى آن واحد “. وحتى وقتنا الراهن، لم يتم تعريف مفهوم المسؤولية الاجتماعية بشكل محدد وقاطع يكتسب بموجبه قوة إلزام قانونية وطنية أو دولية، ولا تزال هذه المسؤولية في جوهرها أدبية ومعنوية، أي إنها تستمد قوتها وقبولها وانتشارها من طبيعتها الطوعية الاختيارية. ومن هنا فقد تعددت صور المبادرات والفعاليات بحسب طبيعة البيئة المحيطة، ونطاق نشاط الشركة وأشكاله، وما تتمتع به كل شركة من قدرة مالية وبشرية. وهذه المسؤولية بطبيعتها ليست جامدة، بل لها الصفة الديناميكية والواقعية وتتصف بالتطور المستمر كي تتواءم بسرعة وفق مصالحها وبحسب المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.وهكذا يتضح أن الأعمال الاجتماعية بمعانيها المختلفة والحث والتأكيد عليها والدفع المستمر لها تكون في مجملها ومحصلتها النهائية مسؤولية فردية واجتماعية وجماعية، تهدف إلى استقرار وتنمية المجتمع وتكوين ثقافة خاصة بهذا النوع من العمل الاجتماعي المستمر والذي ينقل عبر التنشئة الاجتماعية للأجيال اللاحقة. وقد أدركت مؤسسات القطاع الخاص أنها غير معزولة عن المجتمع وعن حوكمة الشركات وعلاقتها بالمسئولية الاجتماعية، وتنبهت إلى ضرورة توسيع نشاطاتها لتشمل ما هو أكثر من النشاطات الإنتاجية، مثل هموم المجتمع والبيئة، وإلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الأضلاع الثلاثة التي عرّفها مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة وهي النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وحماية البيئة. وتمثل المسؤولية الاجتماعية للشركات بُعداً هاماً في عملية التنمية ، ولا سيما وأن مفهوم المسئولية الاجتماعية قد يتعدى قطاع الأعمال ليشمل كافة أفراد المجتمع ضمن مفهوم التكافل والإحسان والتواصل الإجتماعى. كما كان التحول في سياسات الإصلاح الاقتصادي الأثر الكبير في إعادة النظر في أدوار كل من الدولة والقطاع الخاص، وكذلك إعادة دور المجتمع المدني لإعادة التوازن لعناصر التنمية المستدامة في الدول النامية. وقد شهدت السنوات القليلة الماضية تطوراً سريعاً في تطوير حوكمة الشركات والمسئولية الاجتماعية لمنظمات الأعمال فى المنطقة ، كما انعكس ذلك فى ضرورة تطوير حوكمة الشركات والمسئولية الاجتماعية للشركات في المنطقة لتحقيق الاستدامة ، حيث كثيراً ما مورست حوكمة الشركات والمسئولية الاجتماعية للشركات بطريقة منفصلة ، إلا أنه تلاحظ أنه عند الدراسة والتطبيق للاثنين معاً تصبح ركناً هاماً في مساعدة المؤسسات في تحقيق النمو المستدام. أما عن أهمية المسئولية الاجتماعية للشركات وعلاقتها بالحوكمة فقد أشارت الدراسات التي قامت بها ” منظمة تسخير الأعمال التجارية لصالح المسؤولية الاجتماعية ” في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن الشركات التي توازن بين مصالحها ومصالح حاملي الأسهم حققت معدلات نمو ومعدلات توليد عمالة ماهرة تفوق الشركات الأخرى بنسبة أربعة أضعاف. كذلك فلم تعد الشركات فى الوقت الحاضر تعتمد فى بناء سمعتها على مراكزها المالية فقط ، بل ظهرت مفاهيم أخرى تساعد على خلق بيئة عمل قادرة على التعامل مع التطورات المتسارعة فى جميع الجوانب ، ومن هذه المفاهيم المسئولية الاجتماعية للشركات، حيث أدركت الشركات أنها غير معزولة عن المجتمع، وتنبهت إلى ضرورة توسيع نشاطاتها لتشمل ما هو أكثر من النشاطات الإنتاجية ، مثل هموم المجتمع والبيئة، وإلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الأضلاع الثلاثة التي عرّفها مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة وهي النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وحماية البيئة. وهناك فريق ينظر إلى الحوكمة من الناحية الاجتماعية والأخلاقية، مركزين بذلك على المسؤولية الاجتماعية للشركة في حماية حقوق الأقلية أو صغار المستثمرين، وتحقيق التنمية الاقتصادية العادلة، وحماية البيئة. كما تشترك حوكمة الشركات مع المسئولية الاجتماعية عند النظر إلى نطاق المسئولية الاجتماعية المتمثل فى الجانب الثقافى والجانب الاجتماعى والجانب البيئى والجانب الاقتصادى والقانونى والذى يتمثل فى الالتزام بالقوانين المحلية والوطنية أثناء ممارسة النشاط الاقتصادى ، ومراعاة القوانين العالمية والدولية ، بالاضافة إلى الشفافية فى نشر الأنظمة والقوانين العالمية والدولية للإطلاع عليها من قبل جميع الموظفين والجهات القانونية الأخرى. وقد لوحظ انخفاض مستوى الوعى بالمسئولية الاجتماعية ، وأن 92% من الشركات ليس لديها إدارات خاصة للمسئولية الاجتماعية ، كما أن العاملين فى الشركات لا ينخرطون فى اى نشاط اجتماعى تقوم به الشركة. إن نجاح قيام الشركات بدورها في المسؤولية الاجتماعية وحوكمة الشركات يعتمد أساساً على التزامها بثلاثة معايير هي الاحترام والمسؤولية، بمعنى احترام الشركة للبيئة الداخلية والبيئة الخارجية، ودعم المجتمع ومساندته، وأخيراً حماية البيئة، سواءً من حيث الالتزام بتوافق المنتج الذي تقدمه الشركة للمجتمع مع البيئة، أو من حيث المبادرة بتقديم ما يخدم البيئة ويحسن من الظروف البيئية في المجتمع ومعالجة المشاكل البيئية المختلفة. وقد ورد الاهتمام بالمسئولية الاجتماعية للشركات المساهمة المدرجة في اللائحة الجديدة لحوكمة الشركات في المملكة العربية السعودية الصادرة بتاريخ 16/5/1438هـ الموافق 13/2/2017م والتي حلت محل لائحة حوكمة الشركات الصادرة بتاريخ 21/10/1427هـ الموافق 12/11/2006م.في المادة السابعة والثمانون من لائحة الحوكمة الجديدة حيثت نصت على أنه ” تضع الجمعية العامة العادية – بناءً على اقتراح من مجلس الإدارة – سياسة تكفل إقامة التوازن بين أهدافها والأهداف التي يصبو المجتمع إلى تحقيقها؛ بغرض تطوير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع “. وفيما يخص مبادرات العمل الاجتماعي فقد نصت المادة الثامنة والثمانونعلى أنه ” يضع مجلس الإدارة البرامج ويحدد الوسائل اللازمة لطرح مبادرات الشركة في مجال العمل الاجتماعي، ويشمل ذلك ما يلي :وضع مؤشرات قياس تربط أداء الشركة بما تقدمه من مبادرات في العمل الاجتماعي، ومقارنة ذلك بالشركات الأخرى ذات النشاط المشابه.الإفصاح عن أهداف المسؤولية الاجتماعية التي تتبناها الشركة للعاملين فيها وتوعيتهم وتثقيفهم بها.الإفصاح عن خطط تحقيق المسؤولية الاجتماعية في التقارير الدورية ذات الصلة بأنشطة الشركة.وضع برامج توعية للمجتمع للتعريف بالمسؤولية الاجتماعية للشركة. إلا أن المادتين سالفتي الذكر وردتا في اللائحة للأسف بشكل استرشادي، وكنا نأمل من المنظم السعودي أن يلزم الشركات بتطبيق هاتين المادتين، حتى لا يكون الاهتمام بالمسئولية الاجتماعية من الشركات المساهمة المدرجة من قبيل ذر الرماد في العيون. ومن خلال ما تقدم اتضح مدى العلاقة الهامة بين تطبيق حوكمة الشركات وأهمية المسئولية الاجتماعية ونقترح العمل على ما يلي : – حث الشركات على مزيد من دعم ورعاية العمل الاجتماعي وتيسير أموره نظامياً ومادياً وإدراج المسئولية الاجتماعية ضمن دليل حوكمة الشركات. – تكثيف الدورات والبرامج التدريبية بين الشركات لتنمية قدراتها في مجال حوكمة الشركات والمسؤولية الاجتماعية. – الاهتمام بالبرامج التي تجمع بين المسؤولية الاجتماعية الأخلاقية وبين البرامج المنتجة والداعمة للبناء الأسري في المجتمع. – تشجيع القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية على المساهمة بفعالية وجدية في دعم برامج المسؤولية الاجتماعية وحوكمة الشركات، وإعطاء الأولوية في الفرص والعقود للشركات ذات البرامج الاجتماعية. – إجراء مزيد من الأبحاث والدراسات حول المسئولية الاجتماعية، وتحرير المصطلح، وما يرتبط بالمسئولية الاجتماعية من نظريات وعلاقتها بضرورة تطبيق حوكمة الشركات. – التعاون والتنسيق بين كافة الجهات ذات العلاقة بدعم المسؤولية الاجتماعية داخل الدولة الواحدة وبين الدول بعضها مع بعض، وخصوصاً ذات التقارب الخاص في بيئاتها الاجتماعية. – الاهتمام بالجانب البيئي من المسؤولية الاجتماعية وتشجيع الشركات في ضرورة حماية البيئة ونظافة أوطانهم. – التشجيع على الدعم المادي لبرامج المسؤولية الاجتماعية فردياً وحكومياً ومن قبل القطاع الخاص. – إيجاد ورش عمل متخصصة لنقل التجارب التطبيقية للشركات ودورها الاجتماعي فى تطبيق حوكمة الشركات والمسئولية الاجتماعية ودورها فى تطوير أداء الشركاتمرتبط
مشاركة :