برلين – إثر استشعارها لتنامي خطر نفوذ اليمين المتطرف في ألمانيا وفضائحه التي هزت قوات النخبة على مدى السنوات الثلاث الماضية، تسعى السلطات إلى وضع خطط إصلاحية تحدّ من تزايد هذا النفوذ، الذي يشكل “تهديدا للأمن في ألمانيا”. وحذرت وزيرة الدفاع الألمانية، أنيغريت كرامب – كارينباور، مؤخرا، من نفاد صبر السلطات تجاه تنامي فضائح اليمين المتطرف داخل وحدات القوات الخاصة أو النخبة “الكوماندوس”، على خلفية اكتشاف مخبأ أسلحة داخل ممتلكات جندي بها، شمال ولاية سكسونيا. ودعت كرامب – كارينباور القوات الخاصة “كي أس كي” للمشاركة بشكل بنّاء في عملية الإصلاح اللازمة التي تسعى إليها الدولة، مشددة على مدى الحاجة إليها هذه الفترة، في ظل المخاوف المتزايدة بشأن تعميق الفكر اليميني المتطرف. وأكدت المسؤولة الألمانية أن إعادة التنظيم المخطط للقوات الخاصة، لا ينبغي أن يُفهم على أنه عقاب بل “اختبار”. وحذرت من تنامي “ثقافة القيادة السامة” داخل قوات مكافحة الإرهاب في “كي أس كي”، قائلة إن “حَلّ الوحدة العسكرية وتشكيل وحدة جديدة أمر مطروح، إذا ما فشلت جهود الإصلاح في تحقيق نتائج ملموسة بحلول الـ31 من أكتوبر 2020”. وكشفت أنه سيتم حل الفوج الثاني من الكوماندوس، حيث اعتبرت أنه نقطة انطلاق أنشطة اليمين المتطرف داخل تلك القوات، وبذلك ستصبح القوات الخاصة في الجيش الألماني مكونة من ثلاثة أفواج. وتأتي حملة وزيرة الدفاع، لإخماد جذوة نزعات اليمين المتطرف داخل الجيش الألماني، رداً على رسالة من ضابط كوماندوس حث فيها كرامب – كارينباور على التدخل العاجل لحسم هذا الأمر. واتهم الضابط مدربين وضباطا كبارا في الوحدة بزرع فكرة “ثقافة التقبل السامة”، التي يتم بها قمع الشكاوى من نفوذ اليمين المتطرف. وفي إطار خطة إعادة هيكلة الوحدة، بات من المرتقب تحويل عمليات الكوماندوس قدر المستطاع إلى الوحدات الأخرى، كما أن قوات النخبة لن تشارك في الوقت الحالي في التدريبات والمهام العسكرية الدولية. وتمّ الكشف عن الأزمة التي ضربت أروقة القوات الخاصة، في أعقاب قرار مجلس الوزراء الأخير بتعديل القانون العسكري للبلاد، والذي يسهّل الإجراءات التأديبية بحق الجنود، سواء بسبب سلوكهم المتطرف أو أيّ فعل مشين يقومون به. وجاء اتخاذ حزمة من التدابير داخل وحدات القوات الخاصة، كرد فعل على سلسلة طويلة من الحوادث اليمينية المتطرفة شملت أفرادا عسكريين. كما أنشأت كرامب – كارينباور فريق عمل لحلّ هذه الأزمة، من أجل التصدي للانتقادات الكثيرة التي طالتها بسبب تصاعد التطرف اليميني. وكان قائد الوحدات الخاصة بالجيش الألماني، ماركوس كرايتماير، استنكر تنامي التوجهات اليمينية المتطرفة بين عناصر الكوماندوس. وفي كلمة أمام القوات الخاصة، اعترف كرايتماير بالقول “لا أبالغ عندما أقول إن قواتنا تمر حاليًا بأصعب مرحلة في تاريخها”. وأرجع تواجد أفراد تنتمي إلى اليمين المتطرف داخل الكوماندوس إلى “افتقارهم للولاء الدستوري أو قربهم من حركة مواطني الرايخ أو دعمهم الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة، ما ألحق ضررًا بالغًا بسمعة القوات الخاصة والجيش الألماني”. واعتبر أن اكتشاف مخبأ أسلحة لدى جندي في القوات الخاصة، يمثل “ذروة صادمة، لا يمكن التسامح معها مطلقاً”. من جانبها، اتفقت إيفا هويغل، المفوضة البرلمانية الجديدة للقوات المسلحة، مع كرامب – كارينباور في مخاوفها بشأن هذه القضية. وقالت هويغل في تصريح صحافي “هناك هياكل وشبكات أيضًا داخل القوات المسلحة الألمانية، تابعة لليمين المتطرف، في الأماكن التي تحدث فيها هجمات عنصرية”. وأضافت “قبل أي شيء، يجب النظر في هذا الأمر بدقة، ومن ثم يجب القيام بإجراءات سريعة”. وفي الوقت نفسه، قال رئيس حزب المعارضة “مجموعة اليسار البرلمانية” ديتمار بارتش “إن الأفكار والأوهام اليمينية المتطرفة والإرهابية داخل القوات المسلحة الألمانية ليست لها علاقة بمسألة نهاية الخدمة العسكرية الإجبارية”. ولفت بارتش في تصريح صحافي إلى أن الأمر يتعلق “بثقافة هذه القوات التي سمحت بذلك لعقود”، في إشارة إلى التقارير التي قدمت أواخر التسعينات، بشأن الحوادث اليمينية المتطرفة داخل وحدة “كي أس كي”. وكانت مجموعة من ثلاثة ضباط صف قدموا “تحية هتلر” خلال حفل تخرج، لكن الحادثة وقعت قبل تأسيس وحدة الكوماندوس، دون أن يهتم بها أحد لسنوات عديدة. وفي أبريل 2017، في حفلة وداع لقائد كوماندوس بالقوات الخاصة، ذكرت تقارير أن جنودا عزفوا موسيقى الروك النازية، كما قاموا بإلقاء التحية النازية المحظورة في ألمانيا. وتأسست وحدة القوات الخاصة الكوماندوس الألمانية عام 1996، لكن صورة الوحدة تم تشويهها في 2003، عندما أُجبر قائدها آنذاك على التقاعد المبكر بعد اتهامه بوجود علاقات وثيقة بينه وبين المتطرفين اليمينيين، الأمر الذي أثّر على سمعة الوحدة حتى يومنا هذا. وتشتبه هيئة مكافحة التجسس العسكرية الألمانية “ماد”، في وجود ما لا يقل عن 500 يميني متطرف داخل القوات المسلحة للبلاد. وكثفت السلطات الألمانية جهودها للقضاء على التطرف في صفوفها، حيث عينت 90 موظفًا جديداً العام الماضي في الهيئة (ماد)، لتقديم التصاريح الأمنية والتحقيق في التطرف السياسي داخل القوات المسلحة.
مشاركة :