لا يبدو فتح ملف الاستعمار الفرنسي للجزائر مهمة سهلة للاتفاق وغلقه خلال أشهر أو سنوات مع المبادرات المتعاونة بين البلدين، آخرها إعادة رفات جزائريين وتشكيل لجنة تاريخية مشتركة بين البلدين. هناك المزيد من الاختلاف ينتظر هذه اللجنة. الجزائر – دعا عبدالمجيد شيخي، الخبير الجزائري المسؤول عن العمل بالتوازي مع المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا حول الملف الساخن لذاكرة الاستعمار الفرنسي للجزائر، إلى “مواجهة ومناقشة” الأفكار من الجانبين. وشارك شيخي في حرب الاستقلال (1954-1962)، وهو يشغل حاليا منصب المدير العام للأرشيف الوطني. كما تم تعيينه في نهاية أبريل مستشارا لرئاسة الجمهورية مسؤولاً عن الأرشيف الوطني والذاكرة الوطنية. وجاءت فكرة تعيين خبيرين في التاريخ للعمل على ملف الذاكرة بمبادرة من الرئيسين الفرنسي والجزائري إيمانويل ماكرون وعبدالمجيد تبون، تجسيدا “لإرادة المصالحة بين الشعبين الفرنسي والجزائري” بحسب الإليزيه. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أطلق حملته الانتخابية من الجزائر، قد عبّر عن استعداده لـ”فتح صفحة جديدة في علاقات بلاده مع الجزائر بتسوية الملفات التاريخية العالقة”، ووصف الماضي الاستعماري بـ”الهمجي وغير الإنساني”، وهو الرئيس الفرنسي الوحيد الذي أطلق مفردة “الشهداء” على المقاومين والمحاربين الجزائريين. المؤرخ بنجامان ستورا يشارك عبدالمجيد شيخي فتح الملف الساخن لذاكرة الاستعمار الفرنسي للجزائر المؤرخ بنجامان ستورا يشارك عبدالمجيد شيخي فتح الملف الساخن لذاكرة الاستعمار الفرنسي للجزائر وصرح ماكرون في أكثر من مناسبة لوسائل الإعلام خلال السنوات الماضية، بأنه “فتح ملف الرفات مع نظرائه الجزائريين، وأن باريس ستعيد الجماجم إلى الجزائر في إطار خطة مشتركة بين البلدين”، ومع ذلك يبقى المسار طويلا في هذا المجال قياسا بالملفات العالقة الأخرى، كالأرشيف والتفجيرات النووية والجرائم الوحشية بين 1830 و1962، ومفقودي حرب التحرير (1954-1962). وعن تصوره بعد تعيينه من قبل الرئيس تبون للعمل على قضايا الذاكرة، مع زميله الفرنسي بنجامان ستورا، يقول شيخي “لنكن جادين وموضوعيين، من خلال اقتراح تعيين شخصية من كلا الجانبين، ربما، لبدء حوار حول مشاكل الذاكرة، فإن الأمر لا يتعلق بكتابة التاريخ. الذاكرة شيء أكبر بكثير”. واعتبر أن المسألة تتعلق بمعرفة كيفية جعل البلدين يديران ذاكرتيهما، قائلا “فإذا كان لدى زميلي أو شريكي أو نظيري بنجامان ستورا رؤية هي الرؤية الفرنسية في ما يتعلق بمشاكل الذاكرة، فلدينا نحن أيضا رؤيتنا. لذلك فإن الأمر يتعلق بالمواجهة والمناقشة”. وعمّا إذا كانت المناقشات حول الذاكرة قد تسمّم العلاقات الفرنسية الجزائرية بدلاً من تهدئتها، يقول شيخي “لدى الجزائر التزامات مرتبطة بموقعها الجيوسياسي، بأن تكون لها علاقات هادئة مع كامل محيطها الجغرافي، وأولها البحر الأبيض المتوسط. من ناحية أخرى، إذا تمكنا من التفكير في كيفية التنسيق بيننا بشأن مشاكل الذاكرة، حتى لا تعرقل تأسيس علاقات طبيعية بين دولتين مستقلتين، أعتقد أننا سنكون قد قدمنا خدمة كبيرة لبلدينا”. وأكد على أن “رؤية الجزائر تريد علاقات هادئة مع جيراننا حتى لو كان هناك بحر يفصلنا عن الضفة الأخرى، خاصة أن البلدين قد عاشا معا لفترة طويلة. نتشاحن أحيانا، ونتحارب أحيانا أخرى”. وعن الانتظارات الجزائرية من بلد احتلهم سابقا واتهم بمجازر ومظالم، يقول عبدالمجيد شيخي “تعرضنا لاستعمار جدّ فظيع ومدمّر لمدة 132 عاما (1830-1962). تم تفكيك المجتمع الجزائري، ونحن نحاول أن نعيد جبره، تظهر مشاكل الذاكرة”. ويتساءل “كيف نديرها؟ في ما يتعلق بنا، فنحن نفعل ذلك. يجب القيام بالعمل نفسه على الجانب الآخر ويمكننا مواجهة أفكارنا وربما الخروج برؤية ليست متناقضة للغاية ولا رؤية أحادية الجانب لأن مساري التطور في البلدين كانا مختلفين”. ويضيف “لذا نريد علاقات هادئة في إطار الاحترام المتبادل، وكذلك في استغلال مسائل الذاكرة حسب ظروف كل دولة”. عودة رفات رواد المقاومة الشعبية إلى أرض وطنهم بعد 170 عاما من الاحتجاز لدى الفرنسيين عودة رفات رواد المقاومة الشعبية إلى أرض وطنهم بعد 170 عاما من الاحتجاز لدى الفرنسيين وكانت عودة رفات رموز المقاومة الشعبية الجزائرية في منتصف القرن التاسع عشر، من متحف الإنسان بباريس إلى أرض الوطن، قد أثارت لغطا سياسيا متعدد الجوانب، على خلفية ممكنات الإنجاز في ترميم العلاقات الجزائرية الفرنسية المتذبذبة من جهة، واستغلال الأمر في تلميع صورة السلطة المهترئة داخليا من جهة أخرى. وأجمع الجزائريون بمختلف توجهاتهم السياسية والأيديولوجية، على أن استعادة رفات رواد المقاومة الشعبية، تُعد “إنجازا للذاكرة الوطنية وخطوة في طريق التسوية التاريخية بينهم وبين الفرنسيين في ما يتصل بالحقبة الاستعمارية (1830-1962)”، لكن أصواتا حذرت من الاستغلال السياسي للإنجاز، سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد العلاقات الثنائية بين الحكومتين في الجزائر وباريس. وفيما تركزت الأنظار كلها في البلاد على العبر والدروس التاريخية، لرمزية عودة رفات رواد المقاومة الشعبية إلى أرض وطنهم، بعد 170 عاما من الاحتجاز لدى الفرنسيين، فقد طفت بوادر الشكوك وعدم الاطمئنان للخطوة المنجزة لدى عدة دوائر، في ما يتصل بالمقابل الذي تحصلت عليه فرنسا، ومصير الرفات المتبقية وأسباب استثنائها من الاستعادة. وتعد مسألة الجماجم والرفات، واحدة من الملفات التاريخية العالقة بين البلدين، والتي لم تسمح ببروز علاقات قوية ومتكاملة رغم المصالح المشتركة الكثيرة بين البلدين، في انتظار استكمال المفاوضات المعقدة حول قضايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية، واستعمال الفرنسيين حينها لجزائريين كفئران تجارب، والأرشيف التاريخي المحتجز في باريس، والاعتراف والاعتذار عن الحقبة الاستعمارية (1830-1962)، وما رافقها من جرائم ضد الإنسانية وممارسات وحشية في حق الأهالي. وتذكر شهادات تاريخية أن “مؤسسات فرنسية لا زالت تحتفظ لحد الآن بأغراض عينية وأجزاء من أجساد جزائريين، كآذان بعض النسوة، فضلا عن محتجزات مادية وتاريخية كمدفع ‘بابا مرزوق’، الموروث عن العهد العثماني في الجزائر”. ومنذ انتخاب الرئيس تبون، رئيسا للجزائر في ديسمبر الماضي، عرفت العلاقات الثنائية فتورا ملحوظا، حيث تعامل الإليزيه في البداية مع انتخابه ببرودة، ووصفه وزير الخارجية جان-إيف لودريان، بـ”الأمر الواقع الذي يتوجب التعامل معه”، الأمر الذي قابلته السلطة الجزائرية الجديدة بتكثيف الانفتاح على قوى أخرى أشد منافسة للفرنسيين، كروسيا والصين.
مشاركة :