جاءت الكارثة الأخيرة وتفجير مرفأ بيروت لتفضح الكثير من المسكوت عنه لبنانياً وعربياً، بمثل ما تكشف عورة النخب السياسية المتواطئة التي ارتضت أن تصطف في خندق هذا الحزب؛ إما خوفاً على حياتهم، أو بحثاً عن مصالحهم الشخصية.. ألقى التفجير الأخير الذي وقع بمرفأ بيروت حجراً كبيراً ليس في مياه الوضع اللبناني المتشرذم فقط، ولكن ربما رصاصة الرحمة على الميليشيات الطائفية والتكفير والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط. كلنا نعلم أن دولة الفسيفساء اللبنانية تعاني من هشاشة غير مسبوقة، لا أبالغ إن قلت إنها ترجمت الفشل العام في أبسط عناوينه، نتيجة الاختطاف المتعمد لكل المؤسسات من قبل حزب عنصري وطائفي لم يكن ولاؤه يوماً لمفهوم الدولة اللبنانية كقيمة تاريخية ينبغي الحفاظ عليها وضمان وحدة شعبها، وبات هذا الحزب الإرهابي "حزب الله" خنجراً مسموماً في خاصرة الأمة العربية جمعاء قبل أن يكون في صميم القلب اللبناني أرضاً وشعباً وسيادة. حزب الله، الذي يتشدق زعيمه بـ "المقاومة" وصل إلى مرحلة إعلان الحرب على لبنان بكل ممارساته التسلطية حكومياً وتنكره لكل مبادئ الوطنية المفترضة، وكذا باعترافه -الذي لم ينكره- أن مرجعيته الأساسية في طهران، وبات ذراعاً خبيثة لنشر الفوضى المسلحة في المنطقة، في سورية حيث يتدخل ميليشياوياً هناك، وأيضاً في اليمن عبر جماعة الحوثي الإرهابية، عدا العراق، وكأنه حزب فوق الدولة الأم، وفوق المجتمعين العربي والدولي، مشاركاً في جرائم القتل والتهجير، ومدافعاً صلباً عن ولاية الفقيه في قم.. وهو أمر وضع الدولة اللبنانية في مأزق كبير، فقدت فيه أشقاءها التاريخيين وتخلى عنها أصدقاؤها المفترضون، ولأن الفساد كان عنوان حكومة حزب الله، لم يكن غريباً أن نرى هذه الانتفاضة الشعبية التي لم تستثن أحداً وطالبت بإسقاط حكومة النخبة السياسية، بل شاهدنا لأول مرة مشانق رمزية في الشارع اللبناني الغاضب تحمل صور رؤوس من أفسدوا وتسلطوا وكانوا وراء انهيار الدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. وكانت النتيجة المؤسفة أنه خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التضامنية لبيروت، وقَّع آلاف اللبنانيين عريضة تطالب بإعادة الانتداب الفرنسي يأساً من هكذا حكومة وهكذا نخبة، وذلك لأول مرة في التاريخ العربي الحديث وربما القديم أيضاً! من هنا يكون السؤال المفجع: ما الذي يستدعي مواطناً أو شعباً عربياً لأن يستنجد بالمحتل القديم ليعاود انتدابه عليه مرة أخرى بعد استقلاله؟ ولأن الإجابة أكثر فجيعة، علينا أن نقرأ الواقع اللبناني الراهن تحت سلطة حزب الله الإيراني بعد تحكمه في مفاصل الدولة اللبنانية وكون حقيقته أنه دولة بذاتها داخل الدولة نفسها، تغامر داخلياً وعلى حساب غالبية المواطنين، بمثل ما تغامر خارجياً وتجر البلد كله إلى أتون صراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل، وعدا ذلك فإنه ممثل جمهورية ولاية الفقيه وعميلها وذراعها الفوضوي في المنطقة. للأسف.. أصبح كل اللبنانيين يدفعون ثمن هذه الحماقات المتكررة من دمائهم وأرزاقهم وحياتهم ومستقبلهم، وجاءت الكارثة الأخيرة وتفجير مرفأ بيروت لتفضح الكثير من المسكوت عنه لبنانياً وعربياً، بمثل ما تكشف عورة النخب السياسية المتواطئة التي ارتضت أن تصطف في خندق هذا الحزب.. إما خوفاً على حياتهم.. أو بحثاً عن مصالحهم الشخصية! ولهذا.. نرى العالم اليوم، وإن كان يتضامن مع لبنان/ الشعب/ المواطن، يؤكد إسقاط هذه النخب البالية، والتي نرى بعض مسؤوليها يقفزون من سفينة حكومة حزب الله الإرهابي.. وهذه رسالة نتمنى أن يفهمها اللبنانيون أولاً، بأن خلاصهم في وحدتهم بعيداً عن هكذا حزب أو جماعة هي بالأساس عميلة لدولة العمائم الصفوية التي تعمل على زعزعة استقرار كل ما عربي وتدميره خدمة لوهمها العنصري والإمبراطوري. المملكة التي بذلت جهداً خارقاً قبل 4 عقود لجمع شمل اللبنانيين وأنهت الحرب الأهلية باتفاق الطائف التاريخي، كانت سباقة لمد يد العون الإنساني للشعب اللبناني في محنته الراهنة، بعيداً عن هذا العبث السياسي هناك، لا تزال تؤكد على أن الدولة اللبنانية هي التي يجب أن تبقى وطنية خالصة بعيداً عن المزايدات، وأن هذا الشعب المبتلى في نخبته وسياسييه ومنتفعيه وتجار حروبه وسلمه، يستحق ما هو أفضل، لأن هذا الشعب وحده بمواطنيه البسطاء أولاً هم الذين يدفعون ثمن الحماقات والمغامرات، فما بالنا بخيانات وعمالة مثل هذا الحزب الشيطاني المقيت!
مشاركة :