يعزز تحويل منتدى غاز المتوسط إلى منظمة إقليمية لها شرعية دولية كاملة وقابلة لتضم في عضويتها دولا من خارج حوض المتوسط، من حجم التحديات التي ستواجه تركيا التي درجت على اتخاذ سياسات وتبني تصورات مزعجة لغالبية الدول المتوسطية، ما جعل من مهمة مواجهتها مشكلة معقدة. القاهرة - عجلت التطورات المتسارعة، التي أثارتها تركيا، من وتيرة إجراءات تحويل منتدى غاز شرق البحر المتوسط إلى منظمة دولية، تمتلك أدوات ردع متعددة، ولها سلطات على نطاق أوسع وتستطيع مجابهة التحديات، وقادرة على قمع الدول الساعية للنيل من مصالح الدول الأعضاء، وهي الفكرة التي اختمر الكثير من ملامحها تمهيدا للإعلان عن تدشينها قريبا. وتتجه الأنظار صوب القاهرة لترقب نتائج اجتماعات مجموعة العمل رفيعة المستوى التي شكلها منتدى غاز شرق المتوسط لاستكمال الإجراءات الخاصة بتحويله إلى منظمة دولية لقطاع الغاز، على غرار منظمة أوبك في قطاع النفط. ويتوقع أن تجتمع المجموعة في غضون أسبوعين بعد الانتهاء من الدراسات التي تفتح الطريق لهذه المهمة، وتم التباحث حول التفاصيل القانونية، كي تصبح الخطوة المنتظرة وعاء يستوعب تطلعات الدول الأعضاء. وتعطي سخونة الأوضاع الجيوسياسية في شرق المتوسط الاجتماعات أهمية بالغة، بعد أن شهدت الأيام الماضية تطورات مختلفة متعلقة بتحرشات تركيا بكل من مصر واليونان وقبرص، وهي الدول الثلاث المؤسسة للمنتدى، والتي تسعى لبلورة الرؤية الكاملة للمنظمة الوليدة. ورغم أن توصية تحويل المنتدى لمنظمة دولية جاءت خلال اجتماعات الدورة الثانية للمنتدى في يوليو من العام الماضي، إلا أن تلاحق التحولات يفرض سرعة تنفيذ التوصية، لأن التأخر بدأ يُفهم على أن هناك تباينات بين دول المنتدى، فرضت تعطيل عملية تطويره. وتضفي صبغة تحويل المنتدى إلى منظمة دولية قوة، وتمنح دوله أدوات ضغط قانونية على المستوى الدولي، بدلا من حصره في فكرة تجمّع يضم أصحاب المصالح فقط، وتنحصر أهميته في القيمة الرمزية، بينما تحمل المنظمة قوة مادية. وأخذت تركيبة المنتدى منذ ولادته صبغة دولية، فالدول المؤسسة والداعمة له تجاوزت حدود المتوسط، غير أن شرعية تحويله إلى منظمة فاعلة توسع نطاق سلطاته، وتكبح الدول التي تريد النيل من مصالح الأعضاء، وتجعلها عرضة للدخول في مواجهة على نطاق دولي، في حالة خرق القوانين التي تأسست عليها المنظمة، وتنسجم مع القوانين الدولية التي تحدد أطر هذه النوعية من المنظمات. وأكد الخبير في شؤون الطاقة رمضان أبوالعلا لـ”العرب”، أن المنتدى بشكله الحالي يعد في حكم المنظمة الدولية، بدليل حرص ممثل الاتحاد الأوروبي على حضور مؤتمراته وحضور وزير الطاقة الأميركي في آخر مؤتمر عقده المنتدى، والإعلان عن ضم قطاع الطاقة للحوار الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن، وكلها عوامل تضفي بريقا من نوع خاص، وتفتح المجال للمزيد من التحركات الجماعية ضمن الضوابط الدولية. وأشار إلى أن ميزة المنتدى أنه يلقى احتراما دوليا كنموذج للتعاون الإقليمي بشرق المتوسط، ما يمنحه مصداقية عالية عند تحويله إلى منظمة دولية، فالتربة باتت مهيأة أمامه، ودول كثيرة مستعدة للتعاطي مع الفكرة. وتستضيف القاهرة المقر الدائم للمنتدى، حيث شارك في الاجتماعات التأسيسية وزراء الطاقة في كل من قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن وفلسطين، وانضمت فرنسا لاحقا لعضويته والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي بصفة مراقب دائم، وأصبح أداة أو ركيزة قابلة للتطور، في ظل الانتهاكات التركية. وقال قدري إسماعيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية لـ”العرب” إن “مصر تسعى دائما لحشد تكتلات بمنطقة الشرق الأوسط، لمواجهة النظام التركي في المنطقة والذي يسعى إلى استعراض قوته ويحاول السيطرة على الثروات النفطية والغازية، وتمتد من شرق المتوسط إلى غربه”. وأوضح أن تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة يمنحه قوة نوعية، فالمنظمة في العلاقات والتفاعلات الدولية تتمتع بالبقاء والاستمرارية مدفوعة بقوة مؤسسيها، وقراراتها ملزمة للأعضاء. وتأتي فكرة تحويل المنتدى إلى منظمة مع صعوبة تحقيق الاستقرار في المنطقة دون وجود كيان فاعل قادر على ضبط الدفة ووضع حد للانفلات والتجاوزات التي تقوم بها أنقرة، حيث ترفض التوقيع على اتفاقية أعالي البحار التي أقرها ميثاق الأمم المتحدة لترسيم الحدود، ما يجعلها تتصور أنها غير ملزمة باحترام عمليات ترسيم الحدود بين الدول ومنحها الفرصة للمناورة، متجاهلة أن عدم التوقيع لا يمنح الحق في الاعتراض. ويهدف تحويل المنتدى الإقليمي إلى منظمة دولية إلى توسيع نطاق عضويته، حيث يشمل الدول المصدرة للغاز في العالم، ومن ثم توسيع صلاحياته من خلال السماح لكل الدول الأعضاء بمرور إنتاجها عبر البحر المتوسط. وتفتح هذه النقطة الباب أمام الدول المنتجة للغاز من خارج المتوسط، بالانضمام إلى المنظمة الجديدة، ما يكسبها ثقلا وزخما خارج حدود البحر المتوسط، وتصبح الدول التي تعترض أو تناور أو تتجاوز حدودها البحرية في مواجهة مع منظمة تضم دولا كبرى، وتنتفي هنا الصفة الثنائية المباشرة عند الاختلاف، بمعنى أن نزاع تركيا مع دولة مثل اليونان أو مصر، يتحول تلقائيا إلى نزاع مع الجميع. وتتطور المسألة إلى التوافق على وضع آلية تسعير للغاز في نطاق عمل المنظمة في المستقبل، ولا تشمل صلاحيات المنتدى حاليا، ولم يتم الإعلان عنها وقت تأسيسه، حيث اكتفى الأعضاء بالحفاظ على المصالح الاقتصادية للدول المنتجة للغاز في حوض البحر المتوسط، كضمانة للحفاظ على الاستقرار السياسي من خلال تأمين إمدادات الطاقة لأعضاء المنظمة الجديدة. وتريد القاهرة من وراء هذا الزخم تحقيق طموحاتها الرامية إلى أن تكون مركزا إقليميا لتجارة وتداول الغاز، بوصفها مقرا للمنتدى ثم المنظمة، لأنها أقرب نقطة لتصدير الغاز بشرق المتوسط عبر إسالته وإعادة تصديره لمقاصد استثمارية مختلفة، حيث تمتلك محطات إسالة جاهزة على البحر المتوسط مباشرة. كما تتمكن القاهرة عبر تلك الخطوات من سحب البساط من خط السيل الجنوبي الذي يوصل الغاز لأوروبا عبر تركيا، في ظل حشد يؤيد خطواتها، وهي تعد حاليا دراسات جدوى لتدشين خط أنابيب نقل الغاز إلى أوروبا عبر قبرص، بتكلفة تصل لنحو مليار دولار، بدلا من استخدام الخط التركي الجنوبي. وتطرقت مناقشات وزير البترول المصري طارق الملا نهاية الأسبوع الماضي مع ناتاسا بيليدس وزيرة الطاقة القبرصية، إلى موقف الإعداد لإقامة خط الأنابيب البحري المباشر بين البلدين لنقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي وإعادة تصديره من خلال مصر، لكن لم يتم الإعلان عن تفاصيل المناقشات، والمتوقع أن تسهم كثيرا في توسيع دوائر التفاهم بينهما. وتفرض الخطوة على أنقرة إعادة التفكير في ممارساتها وإجراءاتها قبل أن تحاول التحرش بأي دولة تسعى للنيل من ثرواتها، فالمنظمة سوف تتجاوز الصلاحيات التقليدية الكامنة في الشق الاقتصادي عند وقوع خطر يؤثر على مصالح الأعضاء، ومرجح أن تكون لها أذرع عسكرية لمواجهة المخاطر المحتملة.
مشاركة :