الكثير من العزاب العرب قرروا ألا يجعلوا العثور على شركاء حياتهم رهنا للصدفة، إذ أصبحت تطبيقات المواعدة ملاذا لهم لربط علاقات عاطفية قد تتكلل بالزواج، لكن ثمة ما يشير إلى أن خيبات الأمل أكثر من نجاح هذه الزيجات. أصبحت تطبيقات المواعدة والمنصات الرقمية من الطرق الشائعة للعثور على شركاء حياة يتميزون بـ”مواصفات مثالية”، وهي جزء من تجارة عالمية متنامية عبر شبكة الإنترنت، التي يتابعها مئات الآلاف من الناس. وبدأ استخدام مواقع الإنترنت بهدف المواعدة وترتيب اللقاءات الغرامية منذ أكثر من عقد تقريبا في أوروبا والولايات المتحدة، وهذا النشاط أصبح أيضا منتشرا في المجتمعات المحافظة التي كانت فيها مهمة ترتيب الزيجات شأنا عائليا. وفي معظم المجتمعات العربية، لم يختف التعارف المباشر واللقاءات وجها لوجه في العالم الواقعي، فيما يلجأ البعض إلى سيدات مسنات ممن يعرفن العائلات، للعثور على شريك الحياة المناسب والزواج بالطرق التقليدية. غير أن الكثير من العزاب أصبحوا يميلون إلى التعارف عبر المنصات الإلكترونية، وظهرت في السنوات الأخيرة مجموعة جديدة من التطبيقات الإلكترونية الخاصة بالمسلمين، من بينها تطبيقا “موزماتش” الذي أطلقه رجل الأعمال البريطاني المسلم شاهزاد يونس، و”هارمونيكا” للمواعدة على الهاتف وهو من أشهر تطبيقات المواعدة في مصر، وقد أطلقه الشاب سامح صالح مع رواد أعمال آخرين، وتحاول مثل هذه التطبيقات أن تغير الطريقة التي يبني بها الجنسان علاقاتهما العاطفية والأسرية. ورغم أنه لا سبيل للمقارنة حتى الآن بين مدى انتشار تطبيقات المواعدة في الدول الغربية وبين حجم انتشارها في العالم العربي، إلا أن بعض الدول العربية لديها المقومات التي شجعت أصحاب هذه التطبيقات على التوسع، منها أن عدد الشباب يمثل نحو نصف سكان العالم العربي، ولديه خبرات ومهارات لم تتح للأجيال السابقة خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، ما يجعله يبحث عن كل ما يريده في العالم الافتراضي بما في ذلك شريك الحياة المستقبلي. ويتزامن انتشار تطبيقات المواعدة مع تراجع الزيارات العائلية والمناسبات الاجتماعية التي كان الناس يلتقون فيها للتعارف وربط علاقات عاطفية قد تكلل بالزواج في أغلب الأحيان. وتقول ليلى (اسم مستعار) التي بدأت في سن 30 عاما علاقة عبر الإنترنت مع شاب في فرنسا “علاقة الحب عبر الإنترنت لا تنجح دائما، لكن في بعض الأحيان تكلل بالزواج السعيد”. وأضافت ليلى التي تحفظت على ذكر هويتها نظرا لحساسية الموقع بالنسبة لأسرتها في حديثها لـ”العرب”، “كانت لنا نفس الاهتمامات وحصل تقارب كبير بيننا وانتهى الأمر إلى التقائنا مباشرة في تونس عندما جاء الشاب الذي تعرفت عليه عبر فيسبوك لقضاء إجازة قصيرة في بلدي”. لقد دأبت ليلى على التحدث مع الشاب الفرنسي عبر تطبيق مسنجر على فيسبوك، حتى شعرا في معظم الأحيان أنهما معا. وبعد فترة وجيزة عرفته على أصدقائها، وأجروا محادثات بشكل جماعي، وفي النهاية زارها في بلادها، وأصبحت علاقتهما قوية للغاية، لكنهما انفصلا في ما بعد. وتقول ليلى إنهما انفصلا بسبب اختلاف طباعهما، ولكن أيضا لأن عنصر الإنترنت هو ما أصبح يجمعهما دائما، وتضيف “شعرت أنني لا أستطيع أن ابني علاقة عاطفية عن بعد وأواصل بقية حياتي افتراضيا”. الآن، لا تتحدث ليلى مع شبان عبر الإنترنت كما كانت تفعل. ولا تريد الانجراف إلى علاقات عاطفية تنشأ وتبقى في العالم الافتراضي، وتحاول أن تعيش أكثر في الواقع. لكنها على يقين من شيء واحد وهو أن “الحب الحقيقي لا تخونه المسافة”. ويقول شاب جزائري يدعى محمد عبدالغني ومقيم في لندن إنه التقى بزوجته من خلال تطبيق للمواعدة عبر الإنترنت قبل خمس سنوات. وهما حاليا يعيشان في سعادة ورزقا بطفلين، لكن رحلة بحثه من أجل الزواج لم تكن سهلة أبدا. وأضاف عبدالغني “المواعدة الإلكترونية قد تبدو أمرا مألوفا ومقبولا في الثقافات الغربية، لكنها أمر مرفوض نسبيا في الثقافة الإسلامية. لذا يخير البعض الطرق التقليدية للزواج ولكن الأمر مختلف بالنسبة لي”. وتابع “بسبب عجزي عن الوصول إلى شريكة حياتي في الواقع حاولت كسر العادات التقليدية وتجربة الطرق الأكثر حداثة فلجأت إلى العديد من المواقع قبل أن أجرب موقعا للوساطة بين المسلمين عبر الإنترنت، وبعد عدة عروض عثرت على شريكة حياتي الحالية، والحمدلله اختيارنا لبعضنا كان موفقا ولهذا فأنا أنعم بالسعادة مع زوجتي البريطانية الجنسية”. لكن الكثير من الشباب الذين تحدثت إليهم “العرب” يخشون الزواج عبر مواقع المواعدة الإلكترونية ويعتبرونها سخيفة ومستهجنة، وأكثر ما يخشونه أن يتم رفضهم لأسباب تافهة، خصوصا أن معظم الأشخاص يحكمون على من ينوون الارتباط بهم عبر مواقع المواعدة من صورهم، قبل التحدث إليهم أو مقابلتهم في الواقع، فيما اشتكى البعض منهم من عدم وجود شركاء حياة مناسبين على هذه المواقع الإلكترونية أو من المعلومات المضلِلة على صفحات المستخدمين، أو من المحتوى غير اللائق. غير أن القائمين على منصات وتطبيقات المواعد، يزعمون أنهم يعتمدون على الأسلوب العلمي في تحقيق التوافق بين الطرفين وعلى البيانات التي يدلي بها المستخدمون في استطلاعات الرأي واختبارات الشخصية للعثور على شريك الحياة المناسب لهم، دون تكليفهم عناء تسجيل الإعجاب بكل صورة. انتشار تطبيقات المواعدة يتزامن مع تراجع الزيارات العائلية والمناسبات الاجتماعية التي كان الناس يلتقون فيها للتعارف وبما أن الناس يعيشون في عصر تُجمع فيه البيانات، ويُختار منها ما يُعرض من بين مجموعة كبيرة من الاحتمالات، فإن المهمة توكل للخوارزميات التي تتنبأ بشريك الحياة المناسب بناء على سلوكيات المستخدمين ومعلوماتهم. لكن في الحقيقة، يصعب التأكد من صحة تنبؤات الخوارزميات التي تستخدمها تطبيقات المواعدة للتوفيق بين الشريكين المحتملين لأنها تخضع لحقوق الملكية الفكرية، ولا تكشف الشركات عن أسرارها لأحد. إذ يعتمد هذا المجال برمته على سرية المعلومات لذلك لا يعني أن التقييم الذي تقوم به دقيق، ويمكن أن تكون له تَبعات لا يُستهان بها. ومن المعروف أيضا أن الجانب المرتبط بمسألة أخذ الانطباعات الأولى عن شريك الحياة المحتمل يتسم بالتعقيد، فهو يتأثر بعوامل تقع أحيانا خارج نطاق سيطرة الأشخاص أنفسهم، وبصور نمطية، وعمليات اختيار تدور في ثنايا الجهاز العصبي، كما تسهم عوامل مثل البيئة التي يعيشون فيها وطبيعة شخصياتهم وشخصيات من حولهم، في تحديد مدى احتمالية أن يقيموا علاقة عاطفية على نحو فوري مع من لم يرونهم في الواقع. وتنطوي الانطباعات التي يُكوّنها كلٌ طرف في هذا الصدد على توقعات بشأن الصفات والسمات المهمة الخاصة بمن يرغب الارتباط به، وليس جاذبيته الشكل فحسب، مع ذلك تدعي الكثير من تطبيقات ومواقع المواعدة أنها تعتمد طرقا دقيقة صممها خبراء علم نفس. وكانت السلطات البريطانية قد حظرت في عام 2018 موقع المواعدة الغرامية “إي – هارموني”، الذي يدعي أنه يستخدم “نظام توفيق مثبت علميا” للجمع بين الأشخاص، بعد اتهامه بتضليل المستخدمين. ونشر موقع “إي – هارموني” إعلانا في مترو أنفاق لندن يقول “حان الوقت ليتولى العلم أمر الحب”. وقالت هيئة معايير الإعلانات في بريطانيا إن هذا الادعاء “مضلل”. وأبدى موقع المواعدة الإلكتروني اعتراضه على القرار، وقال “بكل احترام نعترض على القرار”، ولكنه سيعمل على جعل إعلاناته “واضحة قدر المستطاع”. ولم يستطع الموقع تقديم أي أدلة للهيئة البريطانية تفيد بأن لدى مستخدميه فرصا أفضل للعثور على الحب، على الرغم من الادعاء بأن “نظام التوفيق المثبت علميا يفك شفرة غموض التوافق والكيمياء”. وسلطت الكثير من الدراسات الضوء على عيوب المواعدة الرقمية، إذ خلصت دراسة هولندية نشرت في دورية العلاقات الاجتماعية والشخصية إلى أن الإفراط في استخدام هذه التطبيقات يزيد مشاعر الوحدة. وأثار بعض الخبراء جدلا واسعا منذ بداية 2019 عن مساوئ تطبيقات المواعدة التي تُستخدم لانتقاء شريك لعلاقة عاطفية، ومدى جدواها. وتقول سامانثا جويل، أستاذة مساعدة بجامعة ويسترن بكندا “إن العلاقات طويلة الأجل التي تزعم مواقع المواعدة عبر الإنترنت أنها تحاول بناءها، تتطلب تتبع الناس لسنوات طويلة لجمع معلومات عنهم. والمشكلة أيضا أننا نعجز عن تحديد المواصفات التي نريدها في شريك الحياة، أو التي تجذبنا إليه أو تجعلنا نقع في حبه”. وترى جويل أن الانجذاب العاطفي ليس محصلة للصفات الشخصية والمواصفات المفضلة التي يذكرها الشخص، فقد يذكر الشخص على سبيل المثال أنه يفضل شريك حياة خفيف الظل وقد يذكر أحد المستخدمين أنه خفيف الظل، لكن تقدير خفة الظل يختلف من شخص لآخر. وتستخدم مواقع المواعدة التي تركز على الانطباعات الأولى صورا مركبة، وهي صورٌ يتم تكوينها بالاستعانة بالكمبيوتر، ويُمزج فيها بين العديد من العناصر المأخوذة من وجوه حقيقية، وتُقدم عادة على الشاكلة التي تتخذها الصور المُستخدمة في جوازات السفر. ومن شأن ذلك جعل هذه الصور مختلفة بشدة عن تلك التي قد يراها الناس وهم يتصفحون حسابات المشتركين في تطبيقات المواعدة. وتتأثر صور الأشخاص الحقيقيين بشدة بطبيعة تكوينها. فمثلا، من المرجح أن يُحكم على أصحاب صور الوجوه المأخوذة من زاوية منخفضة، على أنهم قادرون على السطوة والهيمنة، وهو أمرٌ إيجابيٌ بالنسبة للرجال وسلبيٌ للنساء. ويؤدي التقاط الصورة من زاوية مرتفعة إلى نتيجة معاكسة بالطبع. وترى غيل سالتز، أستاذة الطب النفسي بكلية وايل كورنيل للطب في نيويورك، أن “مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وغيرها تسهل العثور على شريك الحياة”. ولهذا ليس من المستغرب أن تكون السلوكيات السلبية أثناء الانفصال أكثر انتشارا بين أبناء جيل الألفية والجيل الذي يليه “الجيل زد”.
مشاركة :