كشف مركز عونك للتأهيل الاجتماعي، إحدى مبادرات هيئة تنمية المجتمع في دبي، عن مساعدة 9 متعافين من الإدمان على الاندماج في بيئات العمل بعد تأهيلهم اجتماعياً، حيث يشغلون حالياً وظائف في جهات حكومية وشركات خاصة وفي الأعمال الحرة. وأطلقت الهيئة مركز عونك للتأهيل الاجتماعي للمتعافين من الإدمان والمعرضين لخطر الإدمان في سبتمبر 2013، ويهدف إلى تقديم خدمات الرعاية اللاحقة للفئات المعرضة لخطر تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية. وأكد خالد الكمده، المدير العام لهيئة تنمية المجتمع، أن مركز عونك يعمل على توعية أفراد الأسرة بعلامات النكس وطريقة التعامل مع المتعافين واستثمار وجودهم بقربه فترة أطول، للإسهام في تعزيز إرادته على التعافي من الإدمان، كما تعتبر الأنشطة والفعاليات المجتمعية محوراً مهماً في خطط التعافي التي توضع لمنتسبي المركز، حيث إن كسر عزلتهم وإشعارهم بأهمية وجودهم مع الآخرين وقدرتهم على الاستمتاع والتواصل بشكل إيجابي أمر ضروري لتعزيز تعافيهم، لا سيما أن الفكرة النمطية السائدة عن المتعافين من الإدمان على أنهم أشخاص غير مسؤولين وسيعودون إلى ما كانوا عليه، تشكّل عائقاً دون اكتمال تعافيهم وتمنعهم من الاندماج في الحياة العامة بشكل طبيعي. خطوات مهمة وأضاف الكمده أن المركز حقق خطوات مهمة في مجال دمج المتعافين في المجتمع وعودتهم إلى ممارسة أدوارهم الطبيعية في الحياة، سواء تعلق ذلك بدورهم كأزواج وآباء أو كمنتجين فاعلين قادرين على العمل وعلى إدارة شؤون ذويهم. طوق النجاة وتجولت البيان في أروقة ومرافق المركز للتعرف إلى البرامج والورش التي يقدمها للمتعافين من الإدمان، حيث التقت شابين سردا قصتيهما في رحلة الإدمان حتى الشفاء. عبيد الذي بلغ من العمر 46 عاماً عندما أغلقت جميع الأبواب أمامه، ووجد نفسه وحيداً أمام طريق لا نهاية له، وهواجس تعاطي السم القاتل تلاحقه باستمرار، ما جعل منه شخصاً مسلوب الإرادة ومشلول التفكير، ليأتي بريق أمل متمثل بمركز عونك ليضيء دربه المظلم الذي لطالما كان حبيسه. خلال وجود عبيد داخل أسوار المؤسسات العقابية، كانت لديه دائماً الرغبة في تعاطي المخدرات، لأن قرار التعافي لم يكن بيده، خاصة في ظل عدم وجود دافع إلى التوقف عنها، وتابع: عندما جاءتني الفرصة للانتساب إلى البرامج والورش التأهيلية في المؤسسات العقابية، لم آخذها على محمل الجد، ولكن هذه الخطوة كانت بمنزلة طوق النجاة للتخلص من الإدمان، ووجدت نفسي محصوراً بين صراعين: الأول في اتخاذ قرار إيقاف التعاطي، والثاني عدم وجود الدعم النفسي والمعنوي والاجتماعي الذي يدفعني إلى التخلي عن عادة قد تودي بحياتي، ربما لن يستوعب حكايتي الكثيرون، وسوف يظنون أن التوقف عن الإدمان أمر سهل، ولكنه في حقيقة الأمر صعب للغاية. ويضيف عبيد: أدى مركز عونك منذ التحاقي به منذ عام تقريباً دوراً محورياً في حياتي، وجعل مني شخصاً جديداً قادراً على اتخاذ القرارات الصائبة، حيث أثمرت البرامج والمحاضرات التأهيلية التي انتسبت إليها داخل المؤسسات العقابية والإصلاحية، ثم داخل المركز، الوصول إلى حلمي وهدفي في التعافي. وتابع: حاولت خداع نفسي بعد خروجي من المؤسسات العقابية بأنني سأخوض تجربة دخولي لمركز عونك مدة أسبوع واحد، لأكتشف بعدها أنني اكتسبت مهارات جديدة، وزادت ثقتي بنفسي، بعد مكوثي مدة 4 أشهر، وهذا ما جعلني أتعلق بهذه الدورات أكثر، حيث ساعدتني الدورات على تقليل نسبة الرغبة لدي في التعاطي، والشفاء نهائياً والاستمرار في برامج المركز وورشه. معاناتي أنا لحظة وفاته لا يمكنني محوها من ذاكرتي، فقد كانت السبب الرئيس في اتخاذ قرار البعد عن الإدمان، هكذا بدأ عبد الله حديثه معنا قائلاً: أنا وصديق طفولتي ومراهقتي عشنا معاً أياماً لا تنسى، الإدمان كان السبب وراء وفاته، فقد سيطر علينا الإدمان فترة طويلة، أصبحنا ضعفاء أمامه حتى تمكن منا، يصمت قليلاً ثم يكمل حديثه: لحظة دخولي إلى القبر لدفن جثمان صديق العمر كانت مؤثرة، ما جعلني اتخذ قراراً بالتوقف عن الإدمان. ويضيف: قرار التوقف اتخذته أكثر من مرة، ولكن مع الأسف كنت أعاود الرجوع إليه، ودخلت متاهات أثناء انتقالي من عمل إلى آخر، فقد صادفت مستويات معيشية ومهنية ومادية لم أعهدها من قبل بحكم عملي، لتأتي لحظات ينهار فيها كل شيء من حولي، لتحاصرني المشكلات من كل حدب وصوب، كأنها فواتير يدفعها الشخص نتيجة أفعاله، لتكون خسائري مادية وعائلية ومهنية. وتابع: وفي فترة وجودي في المؤسسات العقابية عرض علي أحد الأصدقاء تجربة الانضمام إلى الدورات والمحاضرات التأهيلية، وبحكم أنني شخص يهوى التجربة بمختلف أنواعها، دخلتها وأنا أعلم أنني لن أخسر أكثر مما خسرته، فبعد مرات عدة من حضور هذه الورش والدورات أدركت كمّ الإفادة التي يمكن أن تمدّ بها الشخص خصوصاً في وقت التعافي، وطبعاً يكون المتعاطي غير مدرك أن ما يعانيه هو مرض، وأنه من خلال هذه الورش أصبح لدينا قدر من الثقافة يجعلنا نعلم تماماً أن التعافي يحتاج إلى علاج خاص يجب اتباعه بانتظام. وينصح عبد الله الشباب بالابتعاد عن الإدمان، لأنه كالحفرة الكبيرة، الوقوع فيها يؤلم، حيث إن تعاطي المواد المخدرة مرض، وهو ليس بتجربة ترفيهية يقوم بها مع الأصدقاء، مؤكداً أهمية دور الرقابة في التوعية بمخاطر الإدمان. نموذجان ناجحان ذكر خالد الكمده نموذجين ناجحين لما يمكن أن تحققه إرادة الفرد من تفوق على جميع المعوقات والقطع بشكل كامل مع ماضي الإدمان وبدء حياة جديدة وناجحة، حيث قال إن الشابين عبد الله وعبيد تجاوزا مراحل متطورة من التأهيل حتى وصلا إلى المستوى الثالث، وهو المستوى الأخير في برنامج العلاج، وتمكنا بفضل إيمانهم وصلابة إرادتهما واستعانتهما بالاختصاصيين في المركز وبجلسات العلاج الجماعية والورش التدريبية التي يوفرها من اكتساب مهارات اجتماعية مهمة، مثل إدارة الذات وحل المشكلات والإدارة المالية، وأصبحا مؤهلين بشكل كامل للعودة إلى حياتهم الطبيعة وتحمّل المسؤوليات المنوطة بهما.
مشاركة :