الأزمة في الخطاب الثوري الاشتراكي وليس الخطاب الديني

  • 7/21/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

عندما نتعمق بالنزاعات الأهلية الكبرى التي تجتاح العديد من الدول العربية نجد أن ما نشاهده الآن من ويلات ودمار ودماء ليس سوى صورة مبسّطة لفشل الدولة الاشتراكية العربية أو ما يعرف بالأنظمة الثورية العربية، وهي على وجه التحديد مصر الاتحاد الاشتراكي وسورية وعراق البعث العربي الاشتراكي وليبيا الجماهيرية الشعبية الاشتراكية العظمى والسودان الاشتراكي ودولة الثورة اليمنية الاشتراكية الشعبية أيضا والمنقسمة على نفسها. إن التأمل في حال هذه الدول والأدوار الاختبارية التي دخلت فيها جعلها دولا غير مستقرة وبدون منهجية تراكمية، ولو بطيئة. وكان علينا منذ بداية عملية الربيع العربي أن نسأل لماذا الثورة في دول الثورات؟ وكان واضحا أن كل تلك الدول كانت الأكثر عرضة للفوضى والانهيار التام، باستثناء مصر وذلك لأن عمر الدولة أكبر من عمر الثورة التي وقعت فيها، ولذلك تسمى في مصر الدولة العميقة، إذ إن التجربة الثورية والاشتراكية في مصر لم تستحوذ على وظيفة الدولة واكتفت بالسلطة أو ما يعرف بإدارة الشأن العام. المنطق الاشتراكي الذي ساد في النصف الثاني من القرن العشرين كان يحمل قضية العدالة الاجتماعية كهدف أول، ومسألة توزيع الثروة في المرتبة الثانية. والذي حدث هو أن شعوب الدول الاشتراكية هم الأقل عدالة اجتماعية، بالإضافة إلى تمركز الثروة لدى الطبقة الثورية الحاكمة، وهذا ما بدا واضحا في سورية والعراق وليبيا.. وكذلك هو الأمر أيضا في مصر التي خرجت من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق، لكن واقع الحال أن الحزب الوطني الحاكم كان صورة طبق الأصل عن الاتحاد الاشتراكي بأسماء جديدة تحكم بالقوانين الاشتراكية اقتصادا رأسماليا، يعني الواجهة اقتصاد حر والعمق والثقافة اشتراكية.. مما أدى إلى فشل تجربة الانفتاح والاقتصاد الحر، والدليل هو أن شعار الشارع المصري كان "عيش، حرية، عدالة اجتماعية". وهذا يعني فشل الدولة الهجين بين الاشتراكية والرأسمالية. لا داعي للتوسع في تجربة البعثيين لأن الحديث يطول عن انعدام العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى السيطرة التامة من قبل حزب البعث على الثروة الوطنية، مع فبركة شعارات مستحيلة التحقق، مما يعطي الحزب زمنا طويلا في الحكم ليحقق الشعارات. وكانت أبسط التعابير تأبيد الحزب، وعلى سبيل المثال "مع الأسد إلى الأبد".. وهذا يعني أن الشعارات التي رفعها حزب البعث في سورية والعراق غير قابلة للتحقيق في هذه الحياة، وربما تتحقق بعد الأبد. كانت مآثر البعثيين كارثية، خصوصا ما قام به البعث السوري في لبنان ومع الفلسطينيين، بالإضافة إلى ويلات البعث العراقي من الإبادة الجماعية في حلبجة إلى غزة الشقيقة الصغرى والكويت التي تعتبر الشعرة التي قسمت ظهر البعير في الاستقرار العربي، والتي أدت فيما بعد إلى احتلال العراق. وقد لفتني كتاب الدكتور مسلم بن مسلم عن صدام وغزو العراق، وأعتقد أن المشكلة كانت بالفكر الذي يحمله صدام وليس ببنيته الشخصية. حدّث ولا حرج عن عبقرية ملك ملوك أفريقيا وعميد حكام العالم وقائد ثورة الفاتح من سبتمبر وواضع الكتاب الأخضر حاكم الجماهيرية الشعبية الاشتراكية العظمى الأخ العقيد معمر القذافي.. كل ذلك كان اسم الحاكم الذي صنع كل تلك الألقاب ولم يصنع حتى شبه دولة، رغم الثروة الكبيرة جدا لدى ليبيا والمساحات العظيمة والمحاذية لست دول من شاطئ المتوسط إلى العمق الأفريقي على أقل نسبة سكان في العالم وهي تعيش أسوأ النزاعات ولأتفه الأسباب.. علينا أن نتحدث بوضوح عن هذه التجارب الفاشلة التي استهلكت حياة الشعوب وبددت ثرواتها الوطنية على النزاعات والشعارات الكاذبة والاستهتار بالتعليم والاقتصاد وتعطيل كل أسباب التقدم والنجاح لمواطنيها، وانعدام الأمن الضروري لحماية الاستثمارات، مما جعل المواطنين يخافون الاستثمار في البلاد الاشتراكية العربية، كما دفع الرساميل والخبرات إلى الهجرة بعيدا عن الاشتراكيين ومصائبهم التي تفوق في بعض الأحيان الخيال، والذين جعلوا من شعوبهم تفضّل الانتحار على العيش في ذلك الفساد. وهذا هو الدافع الأول لما نشاهده الآن. كان يجب أن نتوقع كل ذلك العنف تحت كل المسميات الدينية والوطنية، أو أي مسمى آخر، فهي نتيجة فشل الدولة وليس الخطاب الديني، لأن تلك الشعوب ظُلمت باسم الحرية، وجوّعت باسم الاشتراكية، وسُحلت باسم محاربة الرأسمالية والصهيونية، وبمنتهى الكذب والرياء، وفي وضح النهار وعلى رؤوس الأشهاد.. وأصبح البعث على سبيل المثال قائد الدولة والمجتمع بقيادة الرئيس المؤبد. لا يجوز التمادي في موجة الحديث عن الإصلاح الديني أو معالجة الخطاب الديني لأن مواضع الأزمة لم تكن في الدول ذات المرجعية الدينية، بل هي في الدول الثورية ذات المرجعية الاشتراكية. ولذلك جاءت المواجهة بشكل طبيعي مع إيمان الناس ويأسهم من أنظمة الفشل الاشتراكي. وعلينا أن نناقش الخطاب الثوري العربي في العقود الماضية وليس الخطاب الديني.. وبهذه العملية نعيد تصويب البحث في أسباب الانهيار والدمار الذي نشاهده في دول الثورات الاشتراكية.

مشاركة :