مبادرة واعدة تلك التي أطلقها الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة المكتبات، التي تتبنى تطوير المكتبات العامة، تعزيزا لمفهوم البيوت الثقافية. ومنذ لحظة الإعلان عن المبادرة قبل نحو أسبوعين، انبرت الأقلام لتبادل الآراء وتجويد فكرة المبادرة، بما يحقق دورها المعرفي، وضمان عملها كمنارة ممكنة للإثراء الفكري والتنمية الثقافية.. لكن هل يكفي تطوير المكتبات، دون استثمار حقيقي لبنيتها الرقمية وإتاحتها للجميع عن بعد؟ منصة بمفهوم اجتماعيجاءت مبادرة تطوير المكتبات العامة بعد دراسة ميدانية أجرتها هيئة المكتبات لواقع المكتبات العامة في المملكة، ووضعت استنادا إليها خطة تطوير تمتد حتى عام 2030، تستهدف خلالها إنشاء 153 مكتبة عامة في جميع المناطق، تعتمد جميعها على المفهوم الشامل ذاته الذي يوائم بين الأدوار المعرفية للمكتبات العامة والأدوار الثقافية لبيوت الثقافة، على أن يتم إكمال أول 13 مكتبة منها في عام 2022 حتى يكتمل العدد النهائي لها بحلول عام 2030. وفي بيان لوزارة الثقافة، تستهدف الهيئة تحويل المكتبات العامة إلى منصات ثقافية بمفهوم اجتماعي شامل وحديث، تلتقي فيه أنماط الإبداع الثقافي كافة، ويجد فيه الأفراد من مختلف شرائح المجتمع ما يمنحهم المعرفة والمشاركة والتفاعل في تجربة ثقافية متكاملة، ويتضمن هذا التطوير توظيف المكتبات العامة لتعزيز مفهوم البيوت الثقافية. وقد أحصت الوزارة 84 مكتبة عامة في المملكة، وثقت حالها في تقرير الحالة الثقافية في المملكة لعام 2019، الصادر أخيرا، وبينت أن هذه المكتبات تعاني نقصا شديدا في الفاعلية والتجهيزات، ما كان له انعكاس على انخفاض أعداد زوارها. واعترفت في التقرير بالحاجة إلى الربط الشبكي بين المكتبات، وما يتطلبه ذلك من سياسات للتحول الرقمي ومعايير قياسية للفهرسة. وكانت "الاقتصادية" قد رصدت في عام 2017 حال المكتبات العامة ومطالب تطويرها، وأكثرها إلحاحا هو أن يتوافق دوام المكتبات مع وقت فراغ الموظفين والطلاب، خصوصا في الإجازات الأسبوعية والرسمية، وأن تتاح زيارة المكتبات حتى أوقات متأخرة من الليل. ومن جملة الاقتراحات تخصيص أقسام لاستقبال عطايا المؤلفين وتبرعاتهم الثقافية، واستضافة بطولات ومسابقات فكرية وثقافية، ومواكبة الأفكار العالمية التي استطاعت تطوير أفكار جديدة مثل خدمة إيصال الكتب بالبريد إلى القراء بنظام إعارة محكم، وتقديم المشروبات والقهوة للزوار مجانا أثناء قراءتهم الكتب. يضاف إلى هذه المطالب، إتاحة مساحة مناسبة للمؤلفين لتوقيع كتبهم، وتصميمها وتأثيثها بشكل يشبع الذائقة البصرية، أسوة بالمكتبات العالمية، التي اختارت في تصميماتها الحديثة أن تحتضن حديقة، يجلس فيها القراء بكتبهم المستعارة، ليقضوا أمتع اللحظات. مسرح في مكتبةالمكتبات العامة السعودية لن تكون مجرد مكتبات تقليدية، بل مكتبات بمفهوم جديد، يتألف من عدة عناصر، أولها مكتبة عامة تخدم الباحثين عن الكتب والمعرفة، ومسرح متكامل تقدم من خلاله العروض المسرحية والموسيقية ويشمل شاشات للعروض المرئية والسينمائية، إلى جانب قاعات متعددة الاستخدام، وغرف للتدريب تستضيف ورش العمل المختلفة، ومناطق مفتوحة للقراءة. كما تضم المكتبة بشكلها الجديد - وفق تصور وزارة الثقافة وهيئة المكتبات - وجود مرافق عامة، تجعل من زيارة المكتبات العامة تجربة ثقافية متكاملة. وتهدف هيئة المكتبات من المبادرة إلى جعل المكتبات العامة منصات تفاعلية تحتوي جميع أنواع الفنون، وتحتضن جميع المبدعين بمختلف تخصصاتهم في إطار واحد، إلى جانب دورها المعرفي الرئيس، لتصبح بهذا المفهوم الشامل منارات إشعاع ثقافي في المناطق التي توجد فيها، وتحقيق تطور ملحوظ بعد إتمام انتقال قطاع المكتبات العامة من وزارة الإعلام إلى هيئة المكتبات التابعة لوزارة الثقافة. المكتبات الرقمية تعليقا على المبادرة، أعاد الدبلوماسي والأديب الدكتور سعود كاتب التذكير بمقاله الذي كتبه قبل نحو ستة أعوام، متسائلا في عنوانه المثير "هل تلغي المكتبات الرقمية الحاجة إلى المكتبات العامة"؟ وتحدث فيه عن التطور التكنولوجي الكبير على مر الأعوام، الذي لمسه وأثر في المكتبات، حيث كان يقضي وقتا طويلا فيها، منقبا لساعات عن معلومة، أو مستخدما أجهزة بطيئة مقارنة بأجهزة اليوم. ومن الأمثلة التي ساقها الدكتور كاتب في مقاله أنه توقف عن استخدام الموسوعات المطبوعة التي اشتراها بثمن مرتفع في التسعينيات، التي انقرضت تماما بشكلها المطبوع، وأصبحت تصدر في أقراص مدمجة منخفضة السعر، أو على الإنترنت باشتراك شهري بسيط، مع إضافات لا حصر لها كالتفاعل والتحديث والوسائط المتعددة. فيما كانت المعلومة المثيرة التي ذيّلها في مقاله دليلا على سطوة المكتبات الرقمية، إذ ذكر أنه لم يدخل مكتبة عامة منذ أعوام، مستغنيا عن ارتياد المكتبات العامة، وداعيا إلى تحويل جزء من الاستثمار في المكتبات نحو زيادة المحتوى الرقمي، وإنشاء مكتبات رقمية، وتطوير بنيتها التحتية وقوانينها وأنظمتها. الكتاب الإلكتروني الكتب الإلكترونية عاصفة عاتية تهدد عرش الكتاب الورقي، ولا سيما في ظل أزمة كورونا التي لا يزال العالم يعيش تحت وطأتها، في وقت أعلن فيه عملاق التجارة الإلكترونية "أمازون" تفوق مبيعات الكتاب الرقمي على نظيره الورقي، وازدهار توزيعه وانتشاره بشكل كبير. ويلقي هذا التفوق الضوء على مكانة الكتاب الإلكتروني في رفوف المكتبات العامة، فالمكانة الحالية له لا تزال دون التطلعات، فيما لم يذكر بيان وزارة الثقافة تفاصيل إضافية حول الكتاب الإلكتروني، وإذا ما كانت المكتبات الجديدة ستتضمن مكتبة رقمية متاحة للقراء في بيوتهم. ويبدو أن أمنية الدكتور سعود كاتب تحققت هذه الأيام، بعد أن اتفقت مكتبة الملك فهد الوطنية ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" على إتاحة المحتويات المعرفية الرقمية للمكتبة في بيت الإيسيسكو الرقمي، ضمن مبادرة الثقافة عن بعد. وكانت المنظمة قد أتاحت كتبا ومصادر معرفية على الإنترنت، تعود إلى عدد من المكتبات والبيوت الثقافية في العالم العربي، فبيت الإيسيسكو يضم كنوزا رقمية من مكتبة الإسكندرية ومخطوطاتها وغيرها بأكثر من 43 لغة، وأكثر من ستة ملايين كتاب ومصدر معرفي رقمي من مكتبة الشارقة، يمكن للجمهور الاطلاع عليها بأكثر من عشر لغات مختلفة، وكذلك جميع محتويات المنصة الرقمية للرابطة المحمدية للعلماء في المملكة المغربية. وبموجب هذا الاتفاق المثمر، سيتاح لزوار بيت الإيسيسكو الاطلاع على مئات الآلاف من المصادر المعرفية التي تضمها مكتبة الملك فهد، من كتب رقمية وقواعد بيانات إلكترونية عربية وأجنبية للدوريات والرسائل العلمية، كما يمكنهم تحميل مئات الكتب مجانا.
مشاركة :