لون، إحساس، تواصل بصري، مهارة، ذكاء تشكيلي، أساليب، فكر، رسالة، أدوات جميع هذه الكلمات هي من عالم الفنان الرقمي، هذا التشكيلي الذي لا يقل أهمية عن التشكيلي التقليدي في الرسالة والتجريب والمعاصرة وتاريخ الفن بل يعتبر ممارساً متجدداً مبتكراً يبحث في تجريب مستمر عن مخرجات تشكيلية بأساليب تقنية مختلفة ليبلور من خلال مخرجاته فكراً ورسالة وتواصلاً ترتقي إلى مستوى ذائقة المتلقي المعاصر. الفن التشكيلي الرقمي في المملكة العربية السعودية بدأ في فترة ليست ببعيدة، ولاقى ممارسين تشكيليين قد تمكنوا من برامج الحاسوب في مخرجات لونية برزت من خلالها المدارس الفنية بكامل خصائصها ومميزاتها في معارض تشكيلية فرضت أهميتها البصرية على ثقافة المجتمع. إن التشكيليين الرقميين الذين بادروا بعرض أعمالهم في محاولات سابقة في المملكة العربية السعودية، لو عاد بنا الزمن لوجدنا أنهم كانوا يغرسون فنهم في أرض فكرية شبه صلبة، أما اليوم وبحضور وانتشار ممارسي الفن الرقمي بالمملكة نستطيع أن نقول: إن الفن الرقمي أصبح فناً تشكيلياً يستهوي كلاً من المتلقي المتطلع والهاوي والممارس لبرامج الحاسوب التصميمية، والحامل كاميرته في كل مكان، والقارئ الجيد، حيث أصبح الفن الرقمي في المملكة العربية السعودية حاضراً بقوة. الدكتورة هناء الشبلي، تشكيلية سعودية ظهرت ضمن جماعة تشكيلية رقمية في المملكة العربية السعودية العام (2009م) واستمرت في تطوير أدواتها التشكيلية، متمكنة من التصميم الرقمي، حيث بدأت ببرامج تصميم تقليدية ثم واكبت التطور وبحثت عن التجديد ومارست التجريب الرقمي لتظهر الآن مخرجاتها التشكيلية بالصورة المعاصرة، نوعت هناء الشبلي في أساليب التصوير التشكيلي الرقمي، حيث استخدمت في مخرجاتها التشكيلية ألواناً نقية خدمتها في ذلك أدوات التصميم الحاسوبي لتصل لنجاح النقاء اللوني، وبذكاء تشكيلي كونت الشبلي تدرجات لونية جريئة صنعت بها خلفيات متناغمة تـتـناسب مع ما تختاره من عناصرها ومفرداتها التشكيلية. في معرض «ويبقى الأثر 2017م»، كانت التجربة الرقمية للتشكيلية هناء الشبلي حاضرة وبقوة، وعند التجول بين مخرجاتها التشكيلية نجد أن هناك تقنيات مشتركة ومتكررة بمعانٍ مختلفة بين كل اللوحات، فالمجموعات اللونية والغالب عليها الدفء تحتضن عناصر ومفردات تشكيلية تغلب عليها الطبيعة الأنثوية الناعمة الخجولة، والخطوط الانسيابية وملامح الأنثى الحاضرة في قلب اللوحات، وزهوراً تنبت بألوان تتنفس بفرح، فراشات، حيث نجد أن هناء الشبلي ترسم بفرح. في إحدى لوحات التشكيلية الدكتورة هناء نلاحظ أنه قد غلبت فيها المجموعة اللونية الدافئة، وبعض المساحات نجد أنها قد وزعت بها الألوان الباردة، كما نلاحظ عنصرين قد تكررا في نفس العمل وهما المرأة والفراشة، في مخرج رقمي مطبوع على لوحة كانفس تظهر المساحات بالعمل شبه هندسية من حيث تنظيم توزيع المساحات اللونية، عمدت التشكيلية إلى تقسيم المساحات اللونية بخطوط ترسم منحنى يمتد من طرف اللوحة وينتهي بالجهة المقابلة مكونةً بذلك مساحة مع باقي الخطوط لشكل شبه بيضاوي غير مكتمل، وزعت هناء الشبلي الشكل شبه البيضاوي بشكل منبثق من وسط اللوحة ومنتشر بتوسع إلى خارج اللوحة بديناميكية توحي بالاستمرارية، الشكل في وسط اللوحة مساحة شبه بيضاوية واسعة وتستمر الخطوط بتكوين مساحات متقاربة بمسارات متوازية، في وسط اللوحة تكمن معظم العناصر حيث تنبثق من مساحة الخلفية درجة لون أحمر دافئ مطفي وتتدرج منه إلى خارج العمل بدرجات لونية فاتحة تنتهي جنوب العمل بدخول اللون الأبيض الممزوج بالأزرق الفاتح جداً، مكونة ضبابية كتشكيلات الغيوم، أما في شمال العمل فضبابية اللون المتدرجة تكون من ذات الدرجة اللونية المنبثقة من منتصف العمل، تظهر عناصر شفافة لهيئة فراشات مكملة للخلفية في وسط العمل وتتدرج المجموعة اللونية لشرق العمل بدرجات تتجه للون الأخضر والمساحات الصفراء الباردة مع تداخل للبنفسجي وهو نتاج دمج المساحات اللونية. أما في المساحة غرب العمل تكتمل الخلفية بتكوين عناصر الفراشات، وهي مكملة للخلفية بذات الدرجة اللونية، سرب الفراشات يبدأ بحجم كبير في منتصف العمل وينتهي بطرف اللوحة بفراشات صغيرة موحية بحركة الفراشات من العمق إلى الانتشار، انتقت هناء الشبلي عنصرين في قلب اللوحة وهما عنصر الفتاة الراقصة وعنصر الفراشة. الفتاتان الراقصتان وسط اللوحة تتجهان مع اتجاه انتشار الفراشات، ففتاة تقف على فراشة بنفسجية وسط العمل، والأخرى تقف على فراشة زرقاء في اتجاه غرب العمل، تتعلق هذه الثانية بفراشة ذات لون أخضر ومتزينة الأطراف بلون أزرق، التوازن يتضح من خلال توزيع الفراشات بالعمل، نلاحظ في توزيع العناصر أنها ذات حجم كبير في منتصف العمل بينما يصغر حجمها كلما وصل انتشارها إلى أطراف العمل موحية بذلك إلى البعد والاستمرارية، وبعد أن وزعت الشبلي العناصر على الخلفية وضعت فوق كل هذه العناصر طبقة شفافة من التدرجات اللونية وهي المتشكلة والظاهرة للمتلقي في الخطوط شبه البيضاوي. قاعدة العمل عبارة عن غيوم متشكلة توحي بالسمو فوق مستوى السحاب، وفوق هذه السحابة تحوم فراشات تحمل لون الحياة الأزرق لون السماوات والبحر، والأخضر لون الأشجار أوكسجين الحياة، وترقص على أجنحة الفراشات فتاة ترتدي ثوباً بملمس تعبيري ناعم كالريش، وتتعلق إحدى الفتيات الراقصات بفراشة محلقة ومتجهة للأفق المفتوح اللامنتهي. هجرة الفراشات الجماعية، وألوان الفرح المنبثقة من بؤرة العمل العميقة إلى أطراف عمل مفتوحة الأفق، عمقٌ داكن تنتشر منه مساحات فاتحة شفافة، خطوط تتسع وتنتشر من العمق إلى الأطراف، عناصر منتشرة من القريب إلى البعيد والبعيد جداً، كل هذه التعابير جمعتها الشبلي في تكوين منسجم نتنفس من خلالها الحياة والفرح، البراءة والطموح اللامحدود، قوة داخلية تنبثق من عمق وتنتشر برقصات الفرح إلى كل المساحات المحيطة كفراشات جميلة تهاجر لا تنظر للخلف، تتجه فرادى وأسراباً إلى حدود اللامحدود. أجادت التشكيلية هناء الشبلي التعامل مع أدوات الفن الرقمي، حيث حققت من خلال الفن الرقمي الوصول إلى ذائقة المتلقي المعاصر المتذوق، من خلال تقديم مخرج تشكيلي يحمل فكراً ورسالة، وهي بذلك تضع عملها بالأهمية جنباً إلى جنب مع اللوحة التقليدية، وتثبت إمكانات الفنان التشكيلي السعودي المعاصر في تعامله الرقمي ومخرجه التشكيلي من خلال الفن الرقمي.
مشاركة :