عبر أيقونة هندسية متفردة، تشرع منطقة الحصن ذراعيها لتستقبل الجمهور المتعطش للغوص في الماضي من خلال «بيت الحرفيين»، الذي يعرض مخزوناً غير مادي يشكل لوحة بصرية تعكس تفاصيل الحياة الإماراتية وفنونها، ويشهد على مراحل تطور الإبداع البشري والموهبة الإنسانية المحلية التي أقلمت الطبيعة وطوعتها لتبتكر مواد تساعدها على الحياة. يشكل «بيت الحرفيين»، الذي يفتح أبوابه يومياً للجمهور عبر برنامج تعليمي طيلة السنة بمنطقة الحصن، الوجهة التاريخية والثقافية الفريدة من نوعها، نقطة جذب للزوار للاضطلاع على الإرث الحضاري وتعلم المهارات على يد خبراء في الصناعات اليدوية الإماراتية التي تكتسب أهمية مميزة في المجتمع وتجسد الصورة والمعنى في عمق القصر، حيث تعانق آلاف الزوار العطشى للتعرف على تراثي إنساني تتجلى إبداعاته في كل جزء وتفصيل ليحرك الحدث ذكريات الكبار، ويثقف الصغار ويطلعهم على تراثهم الأصيل في إطار تفاعلي، ويروي حكايات الأجداد في ترويض الطبيعة واستغلال موادها وتحويلها إلى أدوات وصلت إلى العالمية، كما سيعمل زواره على نقل مفرداته إلى بلدانهم، بحيث يسمح لهم هذا الفضاء بتعلم الحرف والاطلاع على أسرارها من خلال ورش تعليمية وتفاعلية، لاسيما أن «بيت الحرفيين» سيشكل وسيلة تفاعلية وعملية تهدف إلى الحفاظ على الحرف التقليدية وواجهة للصناعات اليدوية في الدولة بتسليط الضوء عليها وحفظها من خلال التعليم والتدريب، بالإضافة إلى نقل المعارف والمهارات المتعلقة بها إلى الأجيال التالية من مختلف الفئات، لضمان استمرارها مستقبلاً، عبر برامج متخصصة تنظم على مدار العام، كما سيشتمل على تقديم ورش عمل وجلسات تدريبية إلى الجمهور بغية تعزيز تواجد هذه الحرف ضمن المكونات الأساسية للأنشطة الثقافية المعاصرة، إلى جانب تنظيم معارض مشتركة لمختلف الجاليات لتحقيق مبدأ التمازج ونقل المعارف للآخر، ولأن الأطفال والشباب هم مستقبل الغد فإن «بيت الحرفيين» سيشكل منصة دائمة لاستقطاب هذه الفئة وتدريبها لإبداع عناصر مختلفة مستمدة من روح التراث بوسائل عصرية عبر وسائل التكنولوجيا، كما سيعمل الفضاء على جذب المصممين المعاصرين لإبداع تحف مستوحاة من التراث في إطار تحديث الأصيل. تطويع الموارد الطبيعية تقول لطيفة إبراهيم الشامسي، مسؤولة عن البرامج ببيت الحرفيين، إن هذا الفضاء يحتفي بالحرف المعروضة وبالعلاقة الإبداعية والفنية التي طورها الأجداد مع الموارد الطبيعية المحيطة، لاسيما أن الحرفيين تمكنوا من تطوير مهاراتهم لتلبية احتياجاتهم الوظيفية والاقتصادية مستفيدين من البيئة الطبيعية التي تتميز بثرائها وتنوعها، مشيرة أن «بيت الحرفيين» سيشكل منصة دائمة تعرض الصناعات التراثية المحلية في قالب إبداعي ومشوق للزوار عبر عدة أنواع من الأنظمة البيئية بما في ذلك النظام الصحراوي، والجبلي، والبحري، موضحة أن الحِرف اليدوية تعكس بفضل هذه المهارات إحساساً فنياً عالياً، ولا يقتصر دور هذا التراث غير المادي الذي تتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل، على الحفاظ على المهارات العملية فقط، بل يسهم أيضاً في تعزيز القيم الاجتماعية المشتركة المرتبطة بالهوية الإماراتية. وأضافت الشامسي أن هذا المبنى الدائم سيكون فضاء متكاملاً يضم معرضاً يشتمل على عناصر من الأدوات التراثية المحلية التي استعملها الإنسان منذ آلاف السنين، وبيت القهوة وقسم لتقديم عرض فيلم وثائقي عن بعض الصناعات التراثية المحلية، وفضاء الحرف المحلية والذي يمثل القلب النابض لهذا الفضاء، إلى جانب قسم لتقديم الورش الفنية والتعليمية، بالإضافة إلى قسم لبيع التذكارات المستوحاة من قصر الحصن ومختلف المفردات التراثية المحلية ممثلة في بعض المجسمات والدفاتر والأكياس والميداليات وغيرها كثير، بالإضافة إلى مواد بيت القهوة. صون التراث ويضطلع «بيت الحرفيين» انطلاقاً من موقعه المجاور لقصر الحصن والمجمّع الثقافي في منطقة الحصن، بدور ريادي في حماية وصون التراث الإماراتي المعنوي العريق، والترويج له، وتحقيقاً لهذا الهدف، يقدم «بيت الحرفيين» برنامجاً شاملاً تتخلله مجموعة من المعارض وورش العمل والبرامج التدريبية التي تركز جميعها على الحرف الإماراتية اليدوية مثل السدو (النسيج البدوي) والخوص (تجديل سعف النخل) والتلي (تطريز)، بما يضمن نقل المعارف والمهارات المتعلقة بها للأجيال القادمة، في هذا الصدد أكدت الشامسي أن «بيت الحرفين» سيقدم عروضاً تفاعلية للجمهور يومياً وعلى مدار السنة، من خلال العديد من الحرفيات والحرفيين الذين سيقدمون مجموعة من الحرف بشكل حي أمام الجمهور، وفي مطلع السنة القادمة 2019 سيبدأ تنفيذ مجموعة من الورش التعليمية، وذلك للحفاظ على الحرف التراثية وضمان نقلها للأجيال القادمة على يد مختصين في المجال، بحيث سيتعلم الأطفال الحرف التقليدية عبر مواد بسيطة مثل استعمال مواد بسيطة مشابهة للمواد الأصلية في تعليم بعض الحرف باستعمال خيوط قطنية لسف الخوص أو في النسيج. وأضافت الشامسي: في إطار تشجيع هذا الجيل على تعلم الحرف التقليدية سنوفر التدريب للشباب لتعلم الحرف واتخاذها تجارة من خلال الورش التدريبية، بحيث سيتعلمون كيفية الإبداع والتسويق ليشكل هؤلاء الواجهة المشرقة للصناعات التراثية مع ضمان الحفاظ عليها ونقلها للأجيال القادمة وكذلك تسويقها في مختلف أنحاء العالم، بحيث فكرنا في استفادة جميع فئات المجتمع، وركزنا بالأخص على فئة الأطفال والشباب. تسخير التكنولوجيا في إطار مساعيه لصون التراث ونقله للأجيال القادمة في قالب تشويقي سيقوم «بيت الحرفيين» باستخدام وسائل التكنولوجيا لإبداع عناصر مبتكرة، حيث أكدت الشامسي أن شباب هذا الجيل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتكنولوجيا، ولهذا سنسخر وسائل التكنولوجيا وندمجها مع المفردات التراثية في إطار تكامل القديم والجديد، وذلك من خلال ورشات عمل متخصصة، مثل استخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لتعلم تقنيات الحياكة والأدوات التراثية. ولأهمية الإبداع والابتكار في حياة الشعوب، فإن «بيت الحرفيين» لم يهمل مختلف الثقافات التي تحتضنها الإمارات والتي تتميز بثراء مخزونها الحرفي، بحيث سيتيح لها فرصة عرض منتجاتها في إطار التبادل الثقافي والفكري والإبداعي عبر معرض لمختلف الحرف التراثية العلمية، وأكدت الشامسي أن فضاء «بيت الحرفيين» وفي إطار برنامجه السنوي، سيشكل منصة مفتوحة لكل الصناعات التقليدية الإماراتية مع انفتاح على جميع الصناعات التراثية العالمية، كما سيوفر برامج لتعلم الحرف اليدوية التقليدية العالمية في إطار تبادل الثقافات والانفتاح على الآخر كبلد يستوعب الآخر ويحترمه، كما سينظم معرضاً سنوياً لعرض هذه منتجات الحرف التراثية العالمية. تحديث الأصيل لم يترك بيت الحرفيين مجالاً لم يطرقه لتعزيز الحرف التقليدية لدى الشباب المبدع والمبتكر، مما سيضفي بعداً جديداً يتسم بالتطور والحداثة، ليعبر عن عوالم الشباب الإبداعية، مما سيثري خيال هذا الجيل ويملأ مخزونه المعرفي والثقافي، بحيث سيعمل هذا الفضاء على عناصر إبداعية تربط الأصالة بالمعاصرة وذلك بجذب الشباب للعمل مع الحرفيين لإنتاج عناصر جديدة، حيث قالت الشامسي: سيتيح بيت الحرفيين الفرصة للمبدعين الشباب لدمج التحف والديكورات والأثاث الحديث وتطعيمه بعناصر تقليدية، عبر تطوير الموروث التراثي وتطويعه ليشكل أيقونة عصرية، تجول جميع أنحاء العالم، وسنقوم بتحفيز الشباب ودعمهم كونهم قاطرة إيصال هذا الموروث إلى الخارج وصونه مدى الحياة. الموطن الأصلي بهندسته الإبداعية وكسائه الخارجي الذي يتخذ من القصب غطاء والحبال مستنداً، تزيده أشجار الرمان والغاف الخضراء اليانعة المحيطة به بهاء، وعبر بوابته تستقبلك رائحة القهوة العربية لتسحبك إلى الداخل، لتجد نفسك في باحة تنسدل على جوانبها ستائر من معدن بلونها النحاسي وتفرشها كراسٍ تمزج بين الحاضر والماضي تتزين بجدائل الخوص، وعبر ممر يفضي إلى مسرح صغير يضم 35 كرسياً يمتزج فيه الأصيل بالحديث، يعرض الحرف التراثية بالصوت والصورة عبر شاشة يتعاقب فيها الحرفيون في سرد حكاية البداية مع الحرفة وكيفية تعلمها عبر شاشة ضخمة، تأخذك خطواتك لتتنقل بين الحرفيات اللواتي يعكسن أناقة المرأة الخليجية بأثوابهن الزاهية وأياديهن المخضبة بالحناء، يتفنن في إبداع أجمل الأدوات التي كانت تستعمل قديماً ولا زلت على قيد الحياة بفضل جهود الدولة في صون هذا الموروث الحضاري، بحيث تتوزع فيه عناصر الصناعات والحرف المحلية بشكل إبداعي يروق للزائر ويشد انتباهه، ناهيك عن بعض العناصر التعليمية المبتكرة التي تحفز الأطفال على تعلم الحرف التراثية من خلال أدوات مشابهة للمواد المستعملة في الصناعات اليدوية الأصلية، مثل جدار النسيج الذي يسمح للأطفال بتجريب وتعلم النسيج، وقسم لتعلم سف النخيل عبر رسومات توضيحية، ناهيك عن العرض الحي الذي تقدمه الحرفيات، اللواتي عبرن عن سعادتهن بالعودة للمكان الذي يشكل لهن موطنهن الأصلي، فمن هناك انطلقن، بحيث كن جميعهن يعملن بالمجمع الثقافي سنة 2006 واليوم يعدن ويمارسن الحرف التراثية بكل حب وتفانٍ، من هؤلاء عفراء المنصوري ومريم عبيد وموزة سعيد المحيربي وحليمة عبيد إسماعيل، اللواتي تقدمن العديد من الحرف التراثية كالسدو وغزل الصوف وصناعة الخوص وصناعة التلي وغيرها من الحرف التراثية الأخرى، وأبدت هؤلاء السيدات سعادة كبيرة بافتتاح هذا الفضاء وبإقبال الزوار الذين يرغبون في تعلم الحرفة. إبداع الحرفيات يتيح «بيت الحرفيين» لزواره فرصة الاطلاع على المخزون التراثي، وأيضاً يمنحهم فرصة اقتناء بعض التذكارات والمنتجات العصرية بروح تراثية، عبر قسم يشتمل على العديد من المنتجات التي يمتزج فيها العصري بالتقليدي، حيث تعمل الحرفيات في هذا الفضاء على إنتاج هذه القطع التراثية ليتم تصنيعها بطريقة عصرية وعرضها في الركن، إلى ذلك قالت شوق مظفر، قسم تطوير المنتجات، إنها تعمل مع الحرفيات على إنتاج مجموعة من العناصر المكونة من الخوص والسدو والتلي ونستعملها في منتجات عصرية تصلح للاستخدام اليومي، هذه المنتجات التي نرسخ من خلالها الحرف التقليدي، وفي هذا الصدد سنعمل أيضاً على تطوير منتجات الصناعة التقليدية خلال ورش تعلمية يقدمها خبراء من مشروع الغدير للأطفال والشباب لتعلم مختلف الحرف التراثية الإماراتية، وإنتاج قطع بذات الجودة التي تعمل عليها حالياً الجدات والأمهات، واستعمالها بطرق عصرية لتطعيم الديكورات، ويعرض قسم المنتجات والتذكرات للزوار مجموعة من الأدوات مثل الكتب المطعمة بخيوط التلي، ومجسمات لقصر الحصن وميداليات وأكياس برسومات لمعالم إماراتية، ومجموعة من الحلي المستوحاة من روح وعمارة قصر الحصن لمصممات إماراتيات، إلى جانب منتجات بيت القهوة.
مشاركة :