هل أصبحت مهنة التمريض مهنة منفرة لجيل قادم بأكمله، أم ستجذب إليها الكثيرين بعد إدراك أهميتها؟ هذا هو السؤال الذي وضعته الجائحة على الساحة في ظل انتشار مخاوف الأمان والسلامة مجددًا في قطاع التمريض الذي يعاني بالفعل من ندرة العاملين.مما لا شك فيه أن العاملين بالتمريض كانوا هم خط الدفاع الأول الذي خاطر بحياته في واحدة من أضخم الأزمات الصحية في التاريخ المعاصر، وقد نالوا لقب أبطال 2020 عن جدارة واستحقاق.على الرغم من تحذيرات منظمة الصحة العالمية في مايو المنصرم من نقص العاملين بالقطاع الصحي في دول مجلس التعاون الخليجي وشرق المتوسط، فقد أعلنت المنظمة أن 2020 هو عام العاملين بالتمريض وذلك تقديرًا لإسهاماتهم المحورية في التصدي للوباء، وقد أعلنت الأمم المتحدة أن العالم يواجه نقصًا في العاملين بالتمريض ويحتاج إلى ستة ملايين عامل إضافي في مهنة التمريض. وإن لم تُتخذ إجراءات تُحدث هذا التغيير الجذري المطلوب فسوف نواجه عجزًا عالميًا مقداره تسعة ملايين عامل بهذا التخصص بحلول 2030.ووفقًا لمدير التمريض بالإنابة في مستشفى بارين الدولي بمدينة محمد بن زايد، في أبو ظبي «جو آن بانيساليس» فإن تشجيع مهنة التمريض والاعتراف بدورها المحوري في مجال الرعاية الصحية أضحى الآن أمرًا فائق الأهمية وتفوق أهميته أي وقت مضى.لقد كان التاريخ شاهدًا على صلابة مهنة التمريض في أوقات الأزمات وقدرتها على توفير الرعاية الصحية اللازمة التي أنقذت الكثير والكثير من الأرواح، كما هو الحال في ظل الوباء الحالي، فنحن - العاملون بالتمريض - العمود الفقري لنظام الرعاية الصحية، والجسر الذي يربط المريض وبقية فرق الرعاية الصحية. وكما جاء في تصريحات «بانيساليس» فإن «جائحة كورونا تذكرنا بأن دور التمريض غالبًا ما يكون حائلاً دون الموت. فقد يختار العاملون بالعديد من المهن الأخرى الهروب والاختباء في منازلهم أثناء تفشي الوباء، في الوقت الذي نتقدم فيه نحن العاملون بالتمريض على مستوى العالم لمكافحة الانتشار الخطير لكورونا، حتى ونحن ندرك احتمالية وخطورة إصابتنا بالمرض».نقف متحدين مع زملائنا ومع المجتمع - بالرغم من أي صعوبات - ونستجيب لواجبنا المهني في مساعدة المحتاجين طبيًا. ونرتقي كفريق واحد إلى مستوى التحدي، ونستمر في العمل ونستعد لليوم التالي».تسلط الدكتورة سوزان روبرتسون مالت - الأستاذة المساعدة ورئيسة برامج التمريض في جامعة ولونجونج في دبي - الضوء على الدور الاستثنائي الذي يقوم به أخصائيو الرعاية الصحية في التصدي لفيروس كورونا، وتقول «في ضوء السيناريو العالمي الحالي، فليس هناك وقت أفضل من الآن للاعتراف بدور العاملين بالتمريض الذين يشكلون خط الدفاع الأول. فمن أصل 43.5 مليونًا يعملون في مجال الرعاية الصحية على مستوى العالم اليوم، هناك 20.7 مليونًا من العاملين بالتمريض».التمريض أكثر من مجرد مهنةوفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية للإحصاءات العالمية لعام 2019 فقد حظيت الإمارات بمعدل 55.9 عاملاً في التمريض لكل 100 ألف نسمة. أما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي فقد حظيت الكويت بمعدل 69.7 لكل 100 ألف نسمة، والمملكة العربية السعودية بمعدل 57, والأردن بمعدل 33.9, والبحرين بمعدل 24.9 لكل 100 ألف نسمة. هذا بالمقارنة بمعدل 82.9 في المملكة المتحدة، و132 في ألمانيا، و172.8 في سويسرا وذلك لكل 100 ألف نسمة.هذا وتضيف روبرتسون أن مجلس الإمارات للتمريض والقبالة، ومجلس الممرضات والقابلات الأردني، وجمعية التمريض الكويتية من بين المنظمات التي تعمل على النهوض بمهنة التمريض وجعلها خيارًا مهنيًا جذابًا.فنجد أن أربع جامعات إماراتية قد فتحت أبوابها حاليًا للمتقدمين لبرامج الدراسة في مجال التمريض، والدور الآن على الطلاب من الشباب المتحمسين لإعادة ترتيب أولوياتهم لتتماشى ومتطلبات سوق العمل العالمية عند اختيارهم للمهن التي يمكنها أن تُحدث فارقًا حقيقيًا لأنفسهم ولذويهم.تخبرنا الممرضة المصرية - المسؤولة عن قسم العيادات الخارجية بأحد مستشفيات الإمارات العربية المتحدة - ميرفت محمد أن: «التمريض أكثر من مجرد مهنة بالنسبة إلي: فأنا مدعوة لإحداث فارق في حياة من أعتني بهم صحيًا. وبعد أن رأيت أطقم التمريض الأخرى وتفاني الزملاء والتزامهم بمساعدة المرضى خلال هذا الوقت العصيب، أعتقد أن مزيدًا من العاملين بالتمريض سيدخلون إلى المهنة، على مستوى العالم».كذلك تعمل «شين جالانج» التي تحمل الجنسية الفلبينية كممرضة مسجلة في الإمارات، وتقول: «في هذه الأزمة، أدرك بشكل أفضل أهمية دوري في حياة الناس والتأثير الذي يمكنني إحداثه على حياة كل شخص اعتني به يوميًا. ففي مهنتنا هذه قد ينسى الناس اسماءنا، لكنهم لن ينسوا أبدًا كيف أثرنا على مشاعرهم، وهذا ما يجعل نظرتهم للحياة والعالم تختلف بالكلية».
مشاركة :