كشف باحثون شرعيون، في قسم البحث الشرعي بوزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، عن وجود توجه لدى الوزارة لتحويل القسم إلى دائرة، واستحداث هيكل وظيفي يتسع لعدد أكبر وتخصصات أشمل يحقق أهداف الوزارة ورؤيتها في تطوير العمل القضائي والخدمي في مملكة البحرين. وبحسب حديثهما لـ «الوسط»، بين الباحثان الشرعيان الشيخ خالد مهيوب، ومكي الفردان، أن عمل القسم الذي يختص بإعداد التوثيقات الشرعية (الفرائض)، هو مفتاح لعمل جميع الجهات الرسمية والمواطنين، وهو مفتاح كذلك لأبواب الحقوق المالية للأفراد وأجهزة الدولة ودونه تبقى معطلة، مجهولة ملكية مستحقيها. كما نوها إلى أن أهمية (الفرائض) لا تنحصر في ذلك، إذ ترقى لأن تصبح المرجع الأول لدراسة الحقب التاريخية التي مر بها الوطن حكاما وشعبا وتطورا في جميع مراحل الحياة ولذلك لا تخلو دراسة عنيت بالتاريخ البحريني إلا كانت (الفرائض) هي القبلة الأولى في استقاء معلومات هذا الدراسة. وفيما يلي نص اللقاء: هل لكم أن تفيدانا من واقع خبرتكما بالعمل في مجال التوثيقات الشرعية، عن أهمية هذا العمل وميزاته عن غيره من الأعمال أو العلوم؟ - مهيوب: يعد العمل بالتوثيقات الشرعية من أرقى الأعمال وأشرفها التي حث عليها الشارع عزوجل وأوجبها كقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه.....» (البقرة: 282)، كما أن العمل بها له غاية سامية وثمار يانعة يجنيها المجتمع من منتج بستان العلوم الشرعية. فهي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها عصب الوطن الاقتصادي النابض، كونها تحفظ الحقوق المالية لأفرادها وتقسمها على مستحقيها تقسيما عادلا متناسبا من جنس الفرد وبعده أو قربه من مورثه أو من المتعاقد معه. إلى أي حد يمكن القول إن الوثيقة الشرعية ترقى لمستوى المراجع التاريخية؟ - مهيوب: التوثيقات الشرعية هي المرجع الأول لدراسة الحقب التاريخية التي مر بها الوطن حكاما وشعبا وتطورا في جميع مراحل الحياة ولذلك لا تخلو دراسة عنيت بالتاريخ البحريني إلا كانت التوثيقات الشرعية هي القبلة الأولى في استقاء معلومات هذا الدراسة. وما هي المراحل التاريخية التي مر بها تطور الوثائق الشرعية البحرينية؟ - مهيوب: يمكننا القول إن بداية التطور الذي شهدته عملية توثيق الوثائق الشرعية في البحرين، كان في عقد السبعينيات وهي فترة تأسيس الدوائر الحكومية والتي كانت بمثابة الوزارات الحكومية في تلك الفترة، ففي تلك الحقبة التاريخية كان القضاء الشرعي بشكل عام يتولى عملية توثيق العقود الشرعية وتصديقها، أعقبت ذلك مرحلة تصنيف المحاكم البحرينية إلى محاكم شرعية ومدنية وفي كل محكمة شرعية كان أمين سرها يقوم بعملية تدوين العقود الشرعية وتوثيقها وتقديمها للقاضي لتصديقها، واستمر هذا الوضع حتى بداية الثمانينيات حيث أنشئت الوزارات الحكومية والتي منها وزارة العدل والشئون الإسلامية فاستحدثت فيها عدة دوائر خدمية قضائية منها إدارة المحاكم التي انبثق تحت هيكلها الوظيفي عدة أقسام من بينها قسم خاص بالمحاكم الشرعية. هذا القسم كان يضم في أفراد موظفيه أشخاصا لهم دراية بعلم المواريث وصياغة العقود الشرعية، فكانوا يقومون بإعداد الفرائض الشرعية الخاصة بالتركات وصياغة العقود الشرعية لمن يطلبها منهم بصفته شخصية ودون أن يكون هذا العمل من اختصاصهم الوظيفي ثم تقدم بعد ذلك للمحكمة للمصادقة عليها. واستمر العمل بهذه الطريقة حتى أدرك أصحاب القرار في وزارة العدل ضرورة إنشاء قسم يضم خبرات متخصصة في إعداد وصياغة العقود الشرعية والفرائض الإرثية وخاصة أن الخبرات التي كانت تقوم بالعمل في تلك الفترة قليلة على مستوى البحرين، وكانت الخشية أن يفقد هؤلاء المتخصصون لأي سبب فيذهب علمهم وخبرتهم معهم، وخاصةً أن «الفرضي» أو المختص في العقود الشرعية له وزنه العلمي ومكانته العالية في المجتمع، والتي اكتسبها بسبب حمله لأول علم يرفع من الأرض وهو علم الفراض الشرعية ولمهارته وخبراته في علوم الفقه الشرعي وعلوم الرياضيات وعلوم اللغة العربية، فكان هو المرجع الأول والأخير في زمن خلا من الالآت الحسابية والتقنية الحديثة التي تسهل على المتخصص عمله فقد كان عملهم يتم بشكل يدوي، وبعض فرائض التركات كانت تصل إلى ما يربو على 1000 وريث تحسب أنصبتهم وتقدر سهامهم يدوياً، مما يؤكد على قيمة صاحب هذا العمل ودوره في خدمة الوطن والمواطنين ومن هؤلاء الأعلام يحضرني أسماء بعضهم كالشيخ عبدالله الجودر، و جاسم بوحاجيه والشيخ محمد عاشير والأستاذ إبراهيم الهتيمي والأستاذ عبدالرحمن النعار. وفي 2001، أسست وزارة العدل قسم البحث الشرعي وهو القسم الذي يعنى بصياغة جميع العقود والفرائض الشرعية على أيدي خبرات وطنية ذات مؤهلات جامعية وقدرات فنية تخصصية في المجال العملي المكلفين عبر نقل العمل من الأسلوب التقليدي القديم إلى الاسلوب المعاصر والأداء المتميز وذلك من خلال تقديم الخدمة وفق معايير الجودة ومواكبة جميع المتطلبات والتغيرات التي تحتاجها الجهات ذات العلاقة. هل يستدعي العمل بالتوثيقات الشرعية، مواصفات معينة يتطلب شغلها لهذا العمل؟ - مهيوب: من المهم أن يتمتع الموظف في مجال التوثيقات الشرعية بعدة خبرات أكاديمية وعلمية وقانونية وممارسة عملية ميدانية كي يتمكن من إعداد أو صياغة أي وثيقة شرعية، كما أن عليه أن يكون ذا دراسة ودراية بجميع أنظمة وقوانين الجهات ذات العلاقة كجهاز المساحة والتسجيل العقاري ووزارة الإسكان والبلديات والإدارات الحكومية كإدارة الأوقاف، وهذا الخبرات هي حصيلة ونتاج لتراكمات سنين طويلة من العمل تؤهل الموظف المتخصص في التوثيقات الشرعية لأن يقول كلمته في أي وثيقة تطلب منه لإبرامها. - الفردان: في السابق كانت (الفرائض) تنجز عن طريق قيام صاحب الطلب بالتقدم للشخص المعني بكتابة الفريضة، وتسليمه الأسماء ليتولى هو عملية كتابتها وتوزيع النسب بناء على المعلومات المقدمة من صاحب الطلب. وبشكل عام، يمكنني القول إن الصعوبة في إنجاز (الفريضة) لاتزال موجودة، فـ(الفرائض) كما يقال عنها هي «نصف العلم»، وهنالك مسائل تأتي بشكل نادر وهذا الأمر يتطلب من الباحث الرجوع للمراجع أو القضاة الضالعين المتمكنين والقادرين على تقديم الإجابة تحديدا فيما يتعلق بالنسب. والصعوبة كما أشرت في ندرة بعض الحالات، وفي كثرة الأحفاد التي قد تعقد من حسابات الوثيقة. هل لنا بمعرفة بدايات عملك مع إعداد (الفرائض)؟ - الفردان: بدأت في العام 1977، وكان عمري وقتها 25 عاما، وتعلمتها ممن سبقوني من الموظفين في وزارة العدل، من ضمنهم محمد مكي الهملي وعبدالعزيز عبدالله سلمان، وبعد ذلك تمكنت من إجادتها. وفيما يتعلق بالأسماء التي كانت تمارس هذه المهنة في السابق، هي كثيرة، من ضمنهم المرحومون ملا احمد البصري، احمد المدني، ميرزا العالي. وما الذي جذبك للعمل في هذه المهنة؟ وكيف ترى وعي المجتمع البحريني بأهمية هذه الوظيفة؟ -الفردان: حب الاستطلاع هو الذي جذبني للمهنة، أما الوعي فأراه موجودا، وسابقاً كانت هنالك حاجة للمزيد من الوعي ودفع الكثيرين لتعلم المهنة، ولكن بعد تأسيس الوزارة يمكن القول ان الباب اغلق بمعنى ان المشكلة انتهت وباتت الوزارة قادرة على خلق صف ثان. وفي السابق لم تكن المهنة خدمية، بمعنى أن من يتصدون لها كانوا يقومون بها تحت مسمى «الكتاتيب»، بحيث تعد من قبلهم وتصدق في المحكمة، أما في السابق فكانت تكتب في البيوت، وكانت أعداد ممتهنيها جيدة. وهل يمكن تسمية الجهات والأشخاص المعنيين بإلزامية استخراج الوثيقة الشرعية؟ - مهيوب: تكاد لا تستثنى جهة رسمية أو شخصية في المملكة إلا وتحتاج لوثيقة رسمية شرعية سواء لإثبات حصر الورثة وتقسيم التركة أو لإبرام عقد من العقود الشرعية الناقلة للملكية كالهبات الشرعية والوصايا والوقف، لذا فإن عملنا بمثابة المفاتيح التي تفتح بها أبواب الحقوق المالية للأفراد وأجهزة الدولة ودونها تبقى معطلة مجهولة ملكية مستحقيها. وكم يبلغ عدد المتخصصين في قسم البحث الشرعي؟ - مهيوب: المجموع يبلغ نحو 11 باحثا، والعدد بحاجة للمزيد وهنالك سعي من وزير العدل لاستحداث هيكل وظيفي يتسع لعدد أكبر وتخصصات أشمل يحقق أهداف الوزارة ورؤيتها في تطوير العمل القضائي والخدمي في المملكة بأقل وقت وأقل جهود وتكلفة، كما أن هنالك دراسة تعمل عليها الوزارة لتحويل قسم البحث الشرعي إلى دائرة مختصة بالتوثيقات الشرعية، أسوة بالتجارب الخليجية والعربية، بحيث أن صاحب الطلب يقدم طلبه وينجزه بشكل كامل إعدادا وتصديقا في نفس الدائرة، كما هو الحال المعمول به لدى إدارة التوثيقات المدنية. ونحن نرى أن ذلك من شأنه ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، إذ سيوفر ذلك الوقت والجهد على القضاء وعلى الموظفين المختصين وعلى المراجعين أيضاً، على اعتبار أن المراجع يضطر حالياً للتعامل مع جهتين لإنجاز وثيقته الشرعية هما جهة قضائية وأخرى إدارية. هل بات القسم على اعتاب الانتقال لهذه المرحلة؟ - مهيوب: لايزال الأمر قيد الدراسة. ما هي أسباب تأخير التنفيذ؟ هل هنالك اشكاليات تحول دون ذلك؟ - مهيوب: لا وجود لإشكاليات، لكن العمل جار على ان التوثيقات تمر بمرحلتين مرحلة اعداد وينجزها الباحث، ومرحلة تصديق وتتولى القيام بها المحكمة، والمقترحات المقدمة ان تكون هنالك دائرة تعنى بالتوثيقات الشرعية، ولا وجود لنص قانوني يعارض وجود هذه الدائرة، بل ان الأرضية ممهدة لذلك.
مشاركة :