هل ستنجح اليونان في ما فشلت فيه سابقا؟

  • 7/22/2015
  • 00:00
  • 28
  • 0
  • 0
news-picture

لم يسجل في تاريخ الدول على مر الدورات والتقلبات الاقتصادية التي مرت على العالم ان دولة خرجت من حالة ركود بانتهاج سياسة التقشف, بل على العكس من ذلك, كان التقشف عاملا اساسيا في تعميق الأزمات الاقتصادية للدول. وعند الحديث عن اليونان وأزمتها الاقتصادية, فسياسة التقشف (وحدها) لن تكون استثنائية لدولة اليونان, والتقشف وحده لن يجتث اليونان من ازمتها التي انعكست على العالم كله من خلال تأثيرها على العملة الأوربية الموحدة اليورو, ومن خلال تأثيرها على الوحدة الأوربية برمتها. من الخطأ النظر الى أزمة اليونان على انها أزمة دولة فقط, بل هي مأزق قارة اتخذت خيار الوحدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, قارة اقتنعت بأن لا مجال لها للبقاء في هذا العالم من غير ان تتوحد لتكون كتلة تستطيع المنافسة الاقتصادية والسياسية وتكون لاعبا اساسيا على الساحة الدولية. وتقديم حزمة قروض ثالثة لليونان بشروط تقشفية مغلظة أثار ردات فعل سلبية من كثير من المراقبين والاقتصاديين والأكاديميين في العالم, والحقيقة ان هذا لا يخفى على صناع القرار في القارة الأوربية, وبالأخص المانيا التي تتزعم القارة اقتصاديا وسياسيا. بل ان المانيا (ومعها الولايات المتحدة الأمريكية), ترى ان بتطبيق الشروط يمكن لليونان الوفاء بالتزاماتها تجاه المقرضين, بل وحتى تحقيق نمو على المدى المتوسط من دون أي اعفاء على ما سبق تقديمه, ويبقى السؤال الأهم هنا: هل ستلتزم اليونان بتنفيذ الشروط ام ان مماحكات ساسة اليونان ستفشله ليكون مصير اليونان الطرد من الاتحاد والدخول في نفق الفوضى العارمة. لعل اهم الشروط التي فرضت على حكومة اليونان لتقديم حزمة المساعدات الثالثة هي نقل اصول عينية ومحدده بقيمة 50 مليار يورو تعود للدولة الى صندوق خاص ليتم خصخصته بإشراف الجهات المالية المعنية في الاتحاد الأوربي. 25مليار يورو من عوائد الصندوق ستخصص لدعم رؤوس أموال المصارف اليونانية, 12,5مليار ستخصص لتخفيض نسبة الدين العام للناتج المحلي, والمتبقي سيخصص للاستثمار. خصخصة الأصول الحكومية اليونانية تعني زيادة كفاءة هذه الأصول للإنتاج, كما وستؤدي الى تدفق نقدي لليونان من قبل المستثمرين لتطوير وتحسين اصول ما سيتم تخصيصه, كما وستزيد من دخل الدولة اليونانية المتحصلة من الضرائب. من المتوقع ان يزداد نهم الدولة اليونانية للخصخصة اذا لمست الفوائد الإيجابية التي تحققت من شرط الاتحاد الأوربي هذا. الأصول المتوقع نقلها الى الصندوق ليتم خصخصتها تضم عددا لا بأس به من الجزر (اليونان تمتلك حوالي 1500 جزيرة), محطات كهرباء وطاقة والموانئ. كما ان شروط الحزمة الثالثة من المساعدات تضم رفع معدلات الضرائب وإصلاح نظام العمل وتشديد واصلاح نظام صندوق التقاعد واصلاحات مصرفية (دمج واعادة هيكله). وسيبقى التساؤل عن مدى قدرة الساسة اليونانيين على الالتزام بشروط خطة الإنقاذ من عدمه, فاليونان سبق وأن التزمت عام 2010 بخصخصة ما قيمته 50 مليارا من الأصول الحكومية ولم تحقق سوى خصخصة ما قيمته 3.2 مليار يورو. الا ان الجديد هنا ان الاتحاد الأوربي ممثلا في مؤسساته المالية سيشرف على عملية الخصخصة. اما الإصلاح الضريبي واصلاح صناديق التقاعد والمصارف فقد التزم قادة المعارضة بعدم عرقلتها في زيارات مسؤولي الاتحاد الأوربي لهم قبل تصويت البرلمان. الحقيقة ان سياسة التقشف المفروضة على اليونان ليست نتاج قناعة بنجاح التقشف في انتشال اليونان من أزمتها لتتمكن من الوفاء بالتزاماتها المالية, بل هي نتاج قناعة تامة لدى الاتحاد الأوربي بفشل الحكومة اليونانية في الإنفاق التنموي الرشيد الذي يحقق عوائد تنموية للاقتصاد. كما ان اشتراط خصخصة اصول حكومية بقيمة 50 مليار يورو سيثبت لا محالة (متى اكتمل) ان القطاع الخاص اكفأ في ادارة الأصول وتحقيق النتائج. وهذا ما تثبته الوقائع التاريخية للاقتصادات المتقدمة, وهذا ما دفع الاتحاد الأوربي لضخ حزمة ثالثة من المساعدات, وهذا ما سينتشل اليونان والاتحاد الأوربي والعالم من مأزق الجميع في غنى عنه.

مشاركة :