تتجه أنظار السوريين والعالم إلى العاصمة الكازاخستانية أستانا التي من المقرر أن تحتضن مفاوضات بين المعارضة السورية والنظام السوري بعد اتفاق الهدنة الروسي - التركي الذي وقَّع عليه الطرفان في الليلة الأخيرة من عام 2016، التي ستتذكرها الأجيال السورية القادمة كثيراً، كما ستتذكر كيف هجر السوريون من أرضهم وكيف سقط منهم آلاف ضحايا وملايين الجرحى في سبيل ثورتهم المووءدة وكيف تآمر العالم عليهم وأجبرهم على نظام ثاروا جميعاً من أجل إسقاطه وكانوا قريبين جداً من ذالك لولا الطائرات الروسية والسلاح الإيراني والمتطوعين من الطوائف الحشدية العراقية اللبنانية والسياسة الأميركية الملتوية التي يتقنها الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما. من حلب إلى أستانا وصلت الرسالة إلى السوريين الذين ملوا الحروب وتعبوا من التهجير وزهدوا في الحياة كلها.. عليك أن تجدي لهم حلاً يحفظ ما تبقى منهم ومن حلم ثورتهم.. لا تسمحي لهم أن يغادروا أرضك دون وضع حد لبراميل الموت التي لا تتوقف عن حصد أرواح السوريين. قصي عليهم يا أستانا ما حدث في الأيام الأخيرة في حلب وما يحدث اليوم في إدلب.. عن الأرض التي لم تعد تتسع للجنائز.. عن رائحة الموت التي وصلتك كما وصلت كل مدن العالم.. السوريون يريدون منك أن تكتبي النهاية بأخف الأضرار.. لا تكوني أنت والزمن والعالم عليهم.. أخرجيهم من أرضك يحملون ولو قليلاً من الأمل الذي أفقدتهم حربهم المفروضة عليهم. العاصمة الكازاخستانية الهادئة والمستقرة والمعروفة بنهرها ايشيم وبأجوائها الباردة مطلوب منها أن تجد حلاً لأكثر قضية ساخنة ومحزنة في القرن الحادي والعشرين.. الثورة السورية الموءودة. ولكن هل تنجح أستانا ومفاوضاتها في ما لم تنجح فيه جنيف 1 وجنيف 2؟ في ما لم تنجح فيه اجتماعات مجلس الأمن وأعضائه حول سوريا التي أصبحت عادة يومية منذ انطلاق شرارة الثورة السورية في مارس/آذار 2011؟ هل يوفق الساسة الروسيون والأتراك والكازاخستانيون في ما لم يوفق فيه ساسة أميركا وأوروبا وكل من زعم أنه حاول إطفاء النار السورية التي أشعلها نظام السوري وحلفاؤه؟ لقد أجمع القوم طوال سنين الحرب في سوريا على أن لا يتفقوا على مخرج يريح السوريين ويخرجهم مما هم فيه. لا يمكن أن تكون أستانا هي الحل طبعاً ما لم يكن هناك جدية من الأطرف الأقوى في المعادلة موسكو وطهران ونظام الأسد الذين يدعمون ويخوضون الحروب من أجله، والذين تسجل عليه الآن في لحظات الدعوة إلى المفاوضات والحل السياسي انتهاكات لاتفاق الهدنة الموقعة مع أطراف المعارضة، إنه يواصل قصفه وجنونه وقتله دون مبالاة أو خوف من المساءلة وتلك قرى إدلب وحلب وحمص شاهدة على الانتهاكات وخرق الهدنة.. لقد اعتاد الرجل على حصد أرواح السوريين وسماع صراخهم وتهجيرهم فلم يعد يستطيع أن يُمضي يوماً دون قتل أو قصف.. وحتى لا يقال إن الحرب الكونية على سوريا الأسد مجرد غطاء يختبئ الأسد وراءه حتى يواصل تصفية معارضيه وما أكثرهم في سوريا.. تواصل طائرات نظام الأسد قصف قرى المدنيين العزل في سوريا وتحت أنظار رعاة اتفاق الهدنة ودون أن يحركوا ساكناً. ولئن كانت جل فصائل المعارضة السورية أعلنت مشاركتها في مفاوضات أستانا المرتقبة، إلا أنها فيما يبدو مغلوبة على أمرها جرت الرياح العالمية بما لا تشهيه سفينتهم السورية التي اختارهم شعبهم ليرسوا بها وبهم فدفعوا دفعاً نحو وضع يدهم في يد نظام غير مجد في ما يقول وغير مبالٍ بما يفعل لا حسيب له ولا رقيب ما دام يجيد اللعب مع كبار العالم ويعيش برضاهم ويرضيهم بما يقدم لهم من تنازلات. ولن تستطيع مفاوضات أستانا ولا جنيف ولا برلين ولا نيويورك أن تحاسبه أو على الأقل تسائله عن الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه، لديه الفيتو الروسي والحصانة الإيرانية والرضا الأميركي قادم في عصر ترامب الحليف والصديق. الجميع يترقب مفاوضات أستانا ونتائجها وما سيحدث بعدها.. فهل ستصلح أستانا ما أفسد الدهر من سوريا وثورتها الموءودة؟ مَن يدري قد يكون لدى العاصمة الأوربية الشرقية أستانا ما ليس لدى العاصمة الأوربية الغربية جنيف لتقدمه للسوريين. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :