استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على انخفاض بسبب ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا خاصة في أوروبا والتوترات الأمريكية - الصينية. لكن حد من الخسائر التفاؤل بشأن الطلب العالمي خاصة مع بيانات عن زيادة في الواردات الصينية من النفط الخام الأمريكي خلال الشهرين الجاري والمقبل، ما قلل كثيرا من المخاوف الواسعة المحيطة بالزيادات المتسارعة بجائحة كورونا حول العالم التي أدت إلى ضغوط هبوطية حادة على الطلب العالمي. ويستعد المنتجون في "أوبك +" إلى لقاء شهري ثالث على التوالي عبر الإنترنت غدا لبحث تطورات وضع السوق ومناقشة أحدث بيانات العرض والطلب والمخزونات خاصة مع بدء تطبيق أول تخفيف لقيود خفض الإنتاج الشهر الجاري. وبدأت اللجنة الفنية اجتماعها التحضيري السابق لاجتماع اللجنة الوزارية وسط أنباء عن ارتفاع في مستوى امتثال المنتجين لتخفيضات الإنتاج التي قد تصل إلى 97 في المائة - بحسب تقديرات أولية. وقال لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون "إن انتعاش الطلب الصيني على النفط الأمريكي يعد مؤشرا إيجابيا على وضع الطلب العالمي بشكل عام، حيث يأتي في توقيت مهم في ظل غياب الاستقرار في السوق وعودة التوترات الأمريكية - الصينية، إضافة إلى التحول الصيني السريع في تنويع مزيج الطاقة وزيادة الاعتماد على موارد الطاقة الجديدة والمتجددة إلى جانب عودة المخاطر الجيوسياسية في السوق. وأكد روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، أن زيادة واردات الصين من النفط الأمريكي على مدار الشهرين الجاري والمقبل، خطوة عززت التفاؤل في السوق ودعمت الثقة في نمو الطلب واستعادة مستويات ما قبل الجائحة تدريجيا في مرحلة لاحقة، كما أنها تسهم في دحض المخاوف الواسعة التي سيطرت على السوق على مدار الشهور الماضية خاصة في ضوء توقعات اتساع نطاق الموجة الثانية من الوباء. وأضاف أن "تعافي الاقتصاد العالمي يعتمد اعتمادا رئيسا على كيفية تعامل العالم مع الفيروس ومواجهة تطورات الجائحة خاصة ما يتعلق بسرعة إيجاد لقاح فعال وموثوق من جميع دول العالم وضمان عودة استهلاك الوقود إلى مستويات جيدة تقترب من مستويات ما قبل اندلاع الوباء، على الرغم من أن الجائحة أدت إلى تكثيف الحكومات جهودها لخفض الانبعاثات، ما زاد من الضغوط على الطلب على الوقود وأسهم في إيجاد فائض في طاقة التكرير". من جانبه، قال لوكاس برتريهر المحلل في شركة "أو إم في" النمساوية للنفط والغاز، "إن تأثيرات الجائحة واسعة وممتدة في الصناعة خاصة مع عودة تنامي الإصابات الجديدة"، لافتا إلى أن مصافي التكرير من بين قطاعات صناعة النفط والغاز الأكثر تضررا في هذه الأزمة، حيث إنها عادة ما تجني أرباحها من فرق السعر بين النفط الخام ومشتقات النفط. وأشار إلى اعتماد مصافي التكرير عادة على الاعتماد على الطلب المستقر على المشتقات النفطية، مبينا أن جائحة الفيروس أدت بالفعل إلى خفض الطلب على المنتجات النفطية وبالتالي خفض هوامش أرباح المصافي. وأضاف أنه "على الرغم من الانتعاش القوي في الطلب على البنزين في أجزاء كثيرة من العالم، فإن الطلب على وقود الطائرات لم ينتعش بعد بسبب تعثر عودة قطاع الطيران إلى طبيعته"، موضحا أن هذا يعني أن الإيرادات المرتبطة بمبيعات وقود الطائرات لن تعود إلى طبيعتها - بحسب بعض التقارير الدولية - لمدة عام أو عامين آخرين أو ربما أكثر. من ناحيته، ذكر ألكسندر بوجل المستشار في شركة "جي بي سي إنرجي" الدولية، أن هناك حالة حذر وتوجس في السوق من تطورات الجائحة رغم صدور بيانات إيجابية من وقت إلى آخر بشأن وضع الطلب، مشيرا إلى أن التأثير غير المسبوق للوباء في صناعة النفط والغاز جعل الجميع في حالة تأهب ومراقبة مستمرة لتطورات السوق خاصة تكتل "أوبك +" الذي يعقد اجتماعات شهرية لمراقبة تطورات السوق وتقييم تأثير تخفيضات الإنتاج. وأوضح أن كثيرين يعتقدون أن الأسوأ قد انتهى بعدما بلغ الطلب ذروة الانخفاض في نيسان (أبريل) الماضي حينما انزلقت أسعار النفط الخام إلى المنطقة السلبية، لافتا إلى اتفاق الجهات المعنية بتوقعات العرض والطلب على النفط والغاز، حيث إن عدم اليقين لا يزال غير واضح، إذ إنه السمة المهيمنة على السوق. وأكد أن الجميع يتطلع إلى تطورات إيجابية في السوق واستعادة التوازن بفعل الجهود الواسعة والمؤثرة لتحالف "أوبك+" الذي يسعى إلى ضم منتجين جدد والتنسيق مع منتجين آخرين مؤثرين خاصة في الولايات المتحدة وكندا. بدورها، قالت نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية، "إن قطاع الطاقة الأمريكي الأكثر تضررا من تنامي إصابات الجائحة بوتيرة سريعة للغاية، ما يضعف آفاق تعافي الطلب"، مبينة أن مستكشفي النفط الصخري أوقفوا مزيدا من منصات الحفر في الولايات المتحدة هذا الأسبوع بسبب ضعف أسعار النفط ومخاوف ركود الصناعة، وسط تقارير دولية ترجح أن ينهي إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام العام الجاري منخفضا بنحو 20 في المائة مقارنة ببداية العام. وأوضحت أن بعض التقديرات تشير إلى أن الإنتاج الأمريكي يحتاج إلى مستوى فوق 50 دولارا للبرميل من أجل عودة انتعاش أنشطة الحفر المتعثرة حاليا وهو ما قد يتأخر – بحسب بعض التوقعات – إلى النصف الأول من العام المقبل 2021، مشيرة إلى أنه تم إيقاف إنتاج عديد من الآبار لحين تحسن مستوى الأسعار. وفيما يخص الأسعار، تراجع النفط أمس بسبب تزايد إصابات كورونا، لكن حد من الخسائر اعتزام الصين جلب كميات كبيرة من الخام الأمريكي في آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر)، ما أبطل أثر بواعث القلق حيال تباطؤ في تعافي الطلب بعد جائحة فيروس كورونا وزيادة في الإمدادات. وبحسب "رويترز"، هبط خام برنت 21 سنتا أو 0.5 في المائة إلى 44.59 دولار للبرميل بحلول 12:54 بتوقيت جرينتش، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 13 سنتا أو 0.3 في المائة إلى 41.88 دولار للبرميل. وبدأت شركات نفط مملوكة للحكومة الصينية حجز ناقلات لجلب ما لا يقل عن 20 مليون برميل من الخام الأمريكي في آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر)، لتزيد بكين مشتريات الطاقة والمنتجات الزراعية قبيل مراجعة لاتفاق التجارة المبرم مع واشنطن. تدعمت أسعار النفط بواردات خام غير مسبوقة لأكبر مشتر في العالم وتخفيف قيود مكافحة كوفيد - 19 عالميا، لكن موجة جديدة من إصابات فيروس كورونا في عدة دول من المتوقع أن تكبح الاستهلاك مجددا. وقال هوي لي، الاقتصادي في بنك أو.سي.بي.سي السنغافوري، "بيانات الطلب على النفط كانت إيجابية بدرجة كبيرة الأسبوع الماضي، إذ ارتفع الطلب الأمريكي المفترض على البنزين إلى مستوى يقل 3.5 في المائة فقط عن مستويات ما قبل فيروس كورونا". بينما يقول "إيه. إن. زد"، "إن الطلب زاد ثمانية ملايين برميل يوميا على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة إلى 88 مليون برميل يوميا - لكنه يظل دون مستواه قبل عام بواقع 13 مليون برميل يوميا". من جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 44.62 دولار للبرميل الجمعة الماضي مقابل 45.34 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول انخفاض عقب ارتفاع سابق، كما أن السلة خسرت بضعة سنتات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 44.87 دولار للبرميل".
مشاركة :