التجاذبات السياسية تفاقم أزمة الفوسفات التونسي | خالد هدوي | صحيفة العرب

  • 8/18/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تفاقمت أزمة «شركة فوسفات قفصة» الواقعة جنوب تونس، وبات هذا الملف سياسيا بامتياز يخضع للعبة التجاذبات والمناكفات، حيث عجزت جل الحكومات المتعاقبة عن حل الأزمة التي غذتها الإضرابات المتتالية والتي ساهمت في توقف الإنتاج، ما جعل الدعوات المطالبة بضرورة التسريع في إيجاد حلول لا تجد صدى لها خاصة في ظل اعتماد المعالجات غير الناجعة التي اتبعتها حكومات ما بعد العام 2011. تونس – يثير ملف الفوسفات جدلا واسعا في تونس منذ سنة 2011، ولم تفلح الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول كفيلة بتجاوز الأزمة الشائكة التي لبست غطاء سياسيا. وشدّد نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، الاثنين، على ضرورة إيجاد حلول لإعادة وتيرة الإنتاج بشركة فوسفات قفصة إلى سابق عهدها عبر اتخاذ قرارات جريئة تقطع مع “الإجراءات الترقيعية الظرفية”. وحذّر الطبوبي خلال لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ، وفق بيان لرئاسة الحكومة، من خطورة الوضع بسبب تراجع مخزون الفوسفات مؤكدا على ضرورة التنسيق بين كل الأطراف لإنقاذ شركة فوسفات قفصة والمجمع الكيميائي التونسي للمحافظة على فرص العمل وعودة الإنتاج إلى نسقه العادي خاصة في هذا الظرف الاقتصادي والاجتماعي الصعب. وعملت أطراف السلطة، طيلة السنوات الماضية، على التخفيف من حدّة الاحتقان في مناجم الفوسفات بولاية قفصة جنوب غرب البلاد والسيطرة على غضب مواطنيها حتى على حساب التوازنات المالية للشركة بفتح باب التوظيف وغيرها. هيكل المكي: النهضة هي المسؤولة لأنها كانت مشاركة في كل الحكومات هيكل المكي: النهضة هي المسؤولة لأنها كانت مشاركة في كل الحكومات وأضحى ملف الفوسفات حاضرا بقوة في صلب التجاذبات السياسية، ما جعله أحد أبرز الملفات المطروحة على الحكومات المتعاقبة التي لم تقدر على حل هذه المشكلة ما سبب اضطرابا في وتيرة الإنتاج والتعطيل المتواصل. وأثار تواصل أزمة الفوسفات أسئلة كثيرة لدى التونسيين لاسيما في ما يتعلق بالأطراف التي تقف وراء هذا التعطيل المتواصل للإنتاج وطبيعة الجهات المستفيدة، فضلا عن وجود هذا الملف باستمرار على طاولة الحكومات المتعاقبة شأنه شأن ملف الكامور وغيرهما من الملفات الشائكة. وقال هيكل المكي، النائب بالبرلمان عن حركة الشعب، إن “هذا الملف معقد وشائك باعتبار الصبغة التاريخية لسكان تلك المناطق المنتجين للثروة مقابل تخلي الدولة عنهم وتنكرها في تقديم الخدمات الأساسية من بنية تحتية ومستشفيات وظروف عيش كريمة”. وأكد المكي، في تصريح لـ”العرب”، بأنه “يجب أن يعود الإنتاج.. والدولة أيضا يجب أن تعود إلى هناك بخطاب آخر ورؤية استشرافية إيجابية للمنوال التنموي”. وحمّل المكي حكومات ما بعد الثورة التونسية مسؤولية تردي الأوضاع في قفصة وتوقف إنتاج الفوسفات بالمناجم. وقال “تتحمل حركة النهضة المسؤولية لأنها شاركت في كل الحكومات المتعاقبة”. وتُعدّ ولاية قفصة أكبر منطقة منتجة للفسفاط في تونس. ويتركّز الإنتاج في الحوض المنجمي وتحديدا في أربعة مواقع وهي المظيلة والرديف وأم العرايس والمتلوي التي تنتج لوحدها 75 في المئة من الفوسفات التونسي. وعجزت الحكومات عن حلّ أكبر مشكلات الشركة التي أثرت على مردودية إنتاجها وهو مشكل نقل الفوسفات ما أدى إلى تراجع مساهمة قطاع المناجم إجمالا في الناتج المحلي الإجمالي من 0.8 في المئة سنة 2010 إلى 0.5 في المئة سنة 2019. وكان تعامل الحكومة مع الاحتجاجات مرتبطا بحجم الضغط المسلط عليها وخصوصا إذا ما تعلق الوضع بتعطيل الإنتاج، ما جعلها مضطرة لاتخاذ بعض القرارات لمجرد تهدئة الاحتجاجات بصفة ظرفية وعدم اعتماد حلول دائمة للمشكلات المتراكمة المرتبطة بملف الفوسفت في جنوب البلاد. وتم اتخاذ القرارات الحكومية استجابة لطلبات المحتجين الذين يضغطون من أجل توفير فرص عمل لهم من خلال توظيفهم في شركات بيئية من دون توفّر وثائق قانونية تفيد بانتدابهم فعليا. سمير الشفي: الملف تم تسييسه واستغلاله في الحملات الانتخابية سمير الشفي: الملف تم تسييسه واستغلاله في الحملات الانتخابية وتحوم حول ملف نقل الفوسفات شبهات فساد في ما يتعلق بدور الشركات الخاصة في تمديد أزمة القطاع بسبب الأعمال التخريبية للسكك الحديدية أو لقاطرات النقل على غرار حادثة حرق قاطرة في مايو الماضي. ولا تزال ولاية قفصة تعاني من أزمة بطالة خانقة حيث تبلغ نسبة البطالة فيها 31 في المئة، على الرغم من فتح اختبارات التوظيف وارتفاع عدد العمال في المنطقة من حوالي 9 آلاف عامل في العام 2010 إلى ما يقارب 30 ألف عامل حاليا. وتحمّل بعض القوى المدنية والنقابية الحكومات المتعاقبة، وعلى رأسها حزب حركة النهضة، مسؤولية تواصل أزمة وقف الإنتاج خلال السنوات الأخيرة. وأفاد سمير الشفّي، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، بأن “كل الحكومات المتعاقبة بعد 2011 تتحمل مسؤوليتها في الأزمة”. وشدد الشفّي، في تصريح لـ”العرب”، على أن “حركة النهضة تتحمل الجزء الأكبر باعتبارها مشاركة في السلطة لأكثر من 10 سنوات، وهي في طليعة الأحزاب التي كانت طرفا قارا في كل الحكومات”. وأضاف الشفي أن “الملف لم ينج من التسييس منذ بدايته حيث استغلته عدة أطراف كدعاية في حملاتها الانتخابية بتقديم الوعود الفضفاضة، ولم تملك الجرأة لمواجهة المحتجين المطالبين بالتنمية والوظائف”. وتكبدت شركة فوسفات قفصة خسائر مالية فادحة قدرت بـ480 مليون دينار في نهاية العام الماضي، وهي تعاني وضعية مالية صعبة تفاقمت إلى حّد عجزها عن الإيفاء بالتزاماتها الأساسية على غرار دفع مستحقات المساهمات الاجتماعية وعدم قدرتها على دفع الأداءات. وهبط معدّل الإنتاج إلى زهاء 3.6 مليون طن من الفوسفات، سنويا، مقابل إنتاج يتراوح بين 8.1 و8.3 مليون طن في 2010 حيث كانت الشركة مصنفة خامسة عالميا في إنتاج الفوسفات قبل أن تخسر معظم أسواقها التقليدية. وأصبح مشكل عودة إنتاج الفوسفات واستئناف نشاط الشركة أزمة موروثة تستغل سياسيا بين الحكومات المتعاقبة ومشكلة عويصة تعسّر مهمة الحكومات القادمة. ودعا المكي المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة هشام المشيشي إلى “أن يضع ملف الفوسفات ضمن أولويات حكومته، فضلا عن تناوله بجدية بالتعاون مع أهالي الجهة الذين يملكون تشخيصا واضحا للوضع وتصورات لحلول ناجعة”. وقال المكي “على المشيشي أن يعتبر مشكل شركة فوسفات قفصة ملفا شخصيا، وعليه أن يعجل بإيجاد الحلول الممكنة”.

مشاركة :