منذ اندلاع ثورة يناير 2011، تعدّدت المطالب الداعية إلى إصلاح المنظومة القضائية في تونس وتأسيس قضاء مستقل قادر على تحقيق التوازن بين السلطات، غير أن هذه الدعوات تصطدم بالممارسات الحزبية الضيّقة ومحاولات بعض الأطراف تسييسه ليقع إقحامه بذلك في قلب المعارك السياسية في البلاد. تونس – انتقدت أوساط سياسية في تونس وضعية المنظومة القضائية وظروف عمل القضاة في هذا القطاع الذي يتهمه البعض بالتسييس، حيث بات عرضة لتدخل الحسابات السياسية بمصالحها الضيقة، فضلا عن اتهامه بالانحياز إلى طرف دون سواه خصوصا ممن تشبثوا بدواليب السلطة في أعقاب ثورة يناير 2011. وتطرح وضعية القضاء الحديث عن مدى استقلاليته، وفي ما إذا كان يخضع فعلا لإملاءات السياسة وإكراهاتها، علاوة عن انزعاج البعض من حيثيات الحركة القضائية واللغط الذي يرافقها. وقال أنس الحمايدي رئيس جمعية القضاة الخميس، إن الجمعية استنكرت تثبيت الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بولاية (محافظة) نابل (شمال) بمكانه في الحركة القضائية الأخيرة. وأكد الحمايدي أن الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بنابل تدخل مباشرة في قضية التحرش للنائب زهير مخلوف وتدخل في قضية رجل الأعمال الذي هرب من الحجر الصحي الإجباري، كما تدخل في قضية حادث مرور ولم يقع إيقاف رجل الأعمال المورط في قتل 6 أشخاص في الحادث مستغلا نفوذه. أحمد صواب: لا بد من إعادة تكوين بعض القضاة ومراجعة الجهاز القضائي أحمد صواب: لا بد من إعادة تكوين بعض القضاة ومراجعة الجهاز القضائي وأكد الحمايدي أن جمعية القضاة تقدمت بشكاوى للمجلس الأعلى للقضاء وبوزارة العدل رغم وجود قضايا تتعلق به توجب الإيقاف الفوري للقاضي المذكور. وينص الفصل 102 من الدستور التونسي على أن “القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل، وعلوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات، وأن القاضي مستقل لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون”. وعلى الرغم من إقرار الدستور بضرورة الحفاظ على استقلاليته، إلا أن القضاء يصطدم بضغوط الفاعلين في المشهد السياسي التونسي. ووصف القاضي السابق بالمحكمة الإدارية أحمد صواب وضعية القضاء التونسي بـ”الشائكة”. وأكد صواب في تصريح لـ”العرب” على أهمية القضاء في عملية الانتقال الديمقراطي قائلا “لا يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي إلا بقضاء مستقل”. وأضاف “فشلنا في الانتقال القضائي رغم جودة النصوص القانونية.. وجزئيا هناك تسييس لبعض القضاة.. ومن تربى في منظومة قضائية مدجّنة لأكثر من 20 سنة لا يمكن أن يصبح مستقلا بين عشية وضحاها”. وحمّل القاضي السابق جمعية القضاة التونسيين مسؤولية الفشل في تحقيق انتقال قضائي، داعيا إلى “ضرورة إعادة تكوين بعض القضاة ومراجعة الكثير من الأشياء التي تتعلق بالجهاز القضائي”. وكثيرا ما تجد المنظومة القضائية نفسها عرضة للأطماع والمصالح السياسية، وتتسابق أحزاب السلطة من أجل السيطرة عليها وتطويعها بما يتلاءم مع أهدافها. وأكدت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين روضة القرافي على أهمية موقع القضاء، قائلة “هو حارس النظام الديمقراطي حتى لا تتغوّل السلطة على المجتمع”. وأضافت القرافي لـ”العرب” “حققنا مكاسب دستورية وأصبح القضاء سلطة مستقلة، فضلا عن المجلس الأعلى للقضاء الذي نزع سلطته من السلطة التنفيذية لبناء الديمقراطية وتحصين القاضي وحمايته”. وأشارت إلى “ضرورة أن يكون القضاء حاسما في ما يتعلق بالقضايا السياسية وأن يلعب دور الحكم بين الفرقاء السياسيين”، مشيرة إلى أنه “لا بد من الفصل في هذه القضايا في وقت معقول وفي آجال مضبوطة لأن التأخير سيصنع مجالا سياسيا ملوّثا”. ولم تخف القرافي ارتباط السياسة بالقضاء، وقالت “هناك قضايا تتحرك بمواعيد سياسية مهمة كالاستحقاقات الانتخابية في الدقائق الأخيرة وهذا توظيف سياسي يهدد بانحراف القضاء.. وعليه أن يطرد شبهة السياسة بالخروج للعلن”. وتساءلت “أين النتائج في قضايا الفساد.. تكاد تكون معدومة.. لا بد للقضاء أن يتصدى لقضايا فساد تتعلق بجانب كبير من الفاعلين السياسيين”، داعية إلى “اتباع مبدأ الشفافية والمصداقية في ما يتعلق بتعيينات القضاة وتسمياتهم تبعا للأداء والكفاءة وبعيدا عن المحاباة والولاءات”. ووجهت أوساط السياسية في تونس أصابع الاتهام إلى حركة النهضة الإسلامية التي كانت في السلطة على امتداد 10 سنوات، بمحاولة تطويع القضاء وإحكام قبضتها على المنظومة. النهضة تتلاعب في سلك القضاء النهضة تتلاعب في سلك القضاء وتتهم النهضة بالتلاعب بالترقيات والمناصب والانتدابات في القضاء خاصة إبان الفترة التي تولت فيها قيادة وزارة العدل (2013-2014)، حيث قاد القيادي بالحركة الإسلامية نورالدين البحيري (وزير العدل في عهد الترويكا) آنذاك الوزارة ما مكنها من الاستيلاء على الجهاز القضائي. وفي وقت سابق أكدت القاضية ورئيسة جمعية القضاة التونسيين السابقة كلثوم كنو أن “البحيري أجرى حركة قضائية بمفرده وعلى مقاسه تحت مسمّى المجلس الأعلى للقضاء، واعتمدت حركة النهضة سياسة المماطلة حتى لا نؤسس هيئة وقتية للقضاء العدلي”. وأبرزت أن “البحيري وضع أشخاصا موالين له وللنهضة في مواقع سياسية، وآخرين تتعلق بهم شبهات وملفات فساد في مواقع القرار وأهمها محاكم العاصمة تونس التي تنظر في قضايا البعد السياسي والحقوقي”. وعرف القضاء التونسي تململا في تناوله للقضايا الشائكة وأبرزها ملف الاغتيالات السياسية لليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. واتهمت عضو هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، إيمان قزارة النهضة بالتستر على ملف الجهاز السري، وهو جهاز أمني مواز للأمن التونسي تتهم الحركة بإنشائه، والتلاعب بإجراءات قضية الشهيدين بلعيد والبراهمي. وسبق أن أكّد الرئيس التونسي قيس سعيد أن التأخر البت في قضايا الاغتيالات أصبح يثير القلق.ووعد قبل توليه منصب الرئاسة بـ”أنّه لن يتدخّل في القضاء لكنه سيعمل على تغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء حتى لا تتسلل السياسة إلى أرائك القضاة”. ويخضع الملف القضائي في تونس إلى سلطة المجلس الأعلى للقضاء الذي تم إرساؤه مؤخرا، حيث لم يعد من صلاحيات وزارة العدل. ويتكون المجلس الأعلى للقضاء في تونس من 45 عضوا، ويضطلع بإدارة شؤون قطاع القضاء من تعيينات ونقل وترقيات وإعفاء وإحالة على التقاعد. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :