مارلين سلوم التجربة الأولى نجحت، الجمهور أقبل على مشاهدة «صاحب المقام»، أول فيلم يصور للسينما إنما يتم عرضه إلكترونياً، وليس في الصالات، في ظاهرة جديدة على عالمنا العربي. وكان في جعبة منصة «شاهد» فيلم آخر ينتظر ردود الأفعال على «صاحب المقام» ليخرج إلى النور في عرضه الأول، ويذهب إلى المشاهدين في بيوتهم قبل انتشاره في الصالات. وإذا كان الفيلم الأول يعبق بالروحانيات، والأدعية، والفكر الصوفي، فإن التجربة الثانية لمنصة «شاهد» تذهب بالاتجاه المعاكس في محاكاة الروح، من خلال فيلم الرعب «الحارث»، الذي يعتبر «مخففاً»، أي بلا عنف، ودماء، ومشاهد مقززة. «التحالف مع الشيطان»، هذه الكلمات تختصر ما تستنتجه من فيلم «الحارث»، تأليف محمد عبدالخالق وقد شاركه في كتابة السيناريو والحوار محمد إسماعيل أمين.. وأغلبية مؤلفي قصص الرعب يستعينون بالشيطان، أو «إبليس»، لفبركة حكايات تثير ذعر القراء، أو المشاهدين. وتتكفل الصناعة السينمائية بإضافة البهارات اللازمة من مؤثرات صوتية، والتلاعب بالإضاءة، والظلال، والماكياج، والملابس، والموسيقى؛ لتزيد الجرعة ويتحول العمل إلى فيلم رعب يرفع أدرينالين المشاهدين، ويخرج منه الصغار، والشباب مرعوبين. هذه التوليفة لا تنجح بالضرورة دائماً، خصوصاً في السينما العربية، التي لا تتجه كثيراً نحو الرعب، بل تفضل إنتاج الكوميديا، و«الأكشن»، كي تضمن إقبال الجمهور.المخرج محمد نادر جلال في أول فيلم سينمائي طويل له، حاول أن يجتهد ليقدم عملاً مميزاً، لكنه، للأسف، بدا تائهاً بين خطي الرومانسية، والرعب، كالراقص على السلالم مرة فوق، ومرة تحت، من دون أن يتمكن من الصعود عالياً، أو على الأقل، الثبات في مكان واحد. ورغم الدعاية الترويجية للفيلم التي تؤكد أنه «مأخوذ عن قصة حقيقية»، ما يضمن تفاعل الجمهور بشكل أكبر مع العمل، إنما لا الكتابة، ولا الإخراج منحانا هذا الإحساس، أو سمحا لنا بالتأثر لدرجة الاندماج المطلق مع الفيلم.طوال الوقت تشعر بأن الرعب مخنوق، والتشويق ناقص، يريد أن يخرج من أسره كي يخيفك فتقفز من مكانك، أو تصرخ، أو على أقل تقدير، تتفاجأ، لكن المؤلف، ومعه المخرج، يصلان إلى عتبة «الذعر»، ويتراجعان، كما أن الكتابة جاءت بسيطة، أو مبسطة، بحيث يمكنك أن تتوقع الآتي، أو أنه لا يفاجئك، ولا يدهشك. المشهد الافتتاحي قوي، أبطاله ثلاثة: عمرو عبدالجليل، وأسماء أبواليزيد، وعارفة عبدالرسول، نكتشف لاحقاً أنهم ضيوف شرف مرورهم يقتصر على هذا المشهد. وتقول الرواية إن إبليس يأتي في ليلة لا قمر فيها «يبحث عن معشوقته التي ولدت في يوم مولده نفسه، (مع اختلاف السنين)، فيخطفها، ويتزوجها لينجب منها أبناء ينشرون الفساد في الأرض». اختار المخرج أرض سيوة، حيث يجتمع الجمال مع الصحراء، والمياه، ليصور أحداث فيلمه، وقد أصاب في هذا الاختيار. المشهد الأول قوي لكنه خاطف، وسريع، نفهم منه أن الكل اختبأ في بيته خوفاً من إبليس، لكنه تمكن من اختراق بيت العروس التي اختارها، وحملت منه لتنجب ابناً.وبعد سنوات، وتحديداً في 2012، نرى عروسين يوسف (أحمد الفيشاوي)، وفريدة (ياسمين رئيس)، في رحلة شهر العسل في سيوة. يخبرهما أحد أهالي المنطقة (باسم سمرة) بقصة إبليس، وعروسه، وفي تلك الليلة، يحدث لفريدة ما يقلب حياتها رأساً على عقب. ثم نرى الثنائي عام 2019 يحاولان حل مشكلة ابنهما عمر، الذي يسمع، ولكنه لا ينطق بأية كلمة. يوسف صحفي، يلجأ دائماً لاستشارة صديقه الطبيب النفسي كمال (علي الطيب)، بينما تفضل فريدة استشارة صديقتها المقربة شيري (أسماء جلال)، والتي لا يرحب بوجودها يوسف بسبب تعاطيها المخدرات، والكحول.ديكور البيت، والأجواء، والإضاءة، كلها عوامل تدخلنا في حالة ترقب للرعب، لكن سرعان ما يسحبنا المخرج إلى الخارج لتبهت الإثارة، وتبرد معها الأعصاب. يسقط الطفل عمر من نافذة المنزل، تصير فريدة فريسة سهلة للتهيؤات ولتلاعب إبليس بها، وبزوجها. تنصحها شيري بالذهاب إلى «المعالج الروحاني» الحاج شعبان، لكنه يعجز عن مواجهة «إبليس». وفي هذا الوقت يلعب كمال دوراً في التقرب من فريدة، وإدخال يوسف إلى مصحة عقلية بحجة أنه يعاني «فصام في الشخصية».. وتتوالى المآسي، إلى أن نصل إلى لحظة المواجهة بين فريدة، و«إبليس»، ويوسف، وعليها الاختيار.أبيض وأسود، خير وشر، حقيقة وخيال، تماوجت الأحداث بين الوجهين، وبين صراعات النفس البشرية، لكنها لم تتوقف عند الإيمان أبداً. كذلك يقع الكاتب محمد عبدالخالق في تناقضات عدة، منها مثلاً قول باسم سمرة لياسمين رئيس، أي فريدة، إن الشيطان يختار عروسه، وعليها هي بدورها أن تختار إما أن تمشي معه، وإما أن تقضي عليه. وبما أنها اختارت أن تقضي عليه، لم يكن من المنطق أن يجعلها المؤلف تحمل طفلاً ثانياً منه لتنجب هذه المرة فتاة تعيد للأسرة المعاناة نفسها، حتى إن أراد أن يوحي لنا بأن إبليس لا ييأس من محاولات استمالة البشر، والسيطرة عليهم.من أخطاء الكاتب أيضاً أنه وضع عنواناً لعمله لا علاقة له بالمضمون، فمن هو الحارث؟ وما المقصود به؟ وربما لا تستحق القصة برمتها أن نتعمق فيها، ونطرح تساؤلات، حيث يغيب المنطق عنها، وتسقط من حسابات الإبداع في التأليف، والخيال. في التمثيل، تؤدي ياسمين رئيس دورها بشكل جيد، لكن المخرج لم يحثها على تقديم أفضل ما لديها، كأنه لم يتدخل في توجيهها. أما أحمد الفيشاوي، فقدم أسوأ أدواره على الإطلاق، أداء بارد، ثقل في النطق غير مبرر وغير مفهوم، كأنه يتحرك بإيقاع الحركة البطيئة، لا تأثّر بالأحداث، ولا أثّر في المشاهدين حتى لحظة وفاة ابنه. ممثل لم يبذل أي مجهود لإقناعنا، أو لتقديم الشخصية كما يجب، علماً بأن أحمد الفيشاوي يعتبر من بين أهم النجوم الشباب من حيث الموهبة والقدرة على التلون، وتقديم مختلف الألوان. باسم سمرة مجرد ضيف شرف، مثله مثل النجوم الذين ظهروا في البداية.مؤسف ألا تحقق السينما العربية تقدماً مهماً في مجال أفلام الرعب، رغم امتلاك شبابها للأفكار، والحماسة، والطاقة، والقدرة على تقديم أفلام جيدة، مثل فيلم «الفيل الأزرق» بجزأيه للمخرج مروان حامد، وتأليف أحمد مراد. ومؤسف ألا يستغل هؤلاء التطور التقني الكبير والمؤثرات التي تدعم هذه النوعية من الأعمال فتبدو أقرب إلى الحقيقة، وتملك تأثيراً مباشراً في الجمهور، لا سيما الشباب الذين يقبلون بشكل كبير على مشاهدة أفلام الرعب الأجنبية، إلى جانب أفلام «الأكشن». ومؤسف أن تنجح تجربة المشاهدة الرقمية في المنزل عبر المنصات الخاصة كبديل عن السينما، ويفشل «الحارث» في إمتاعنا. marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :