المصري ياسر شعبان: الشعر.. بذرة البدايات الأولى للكتابة

  • 8/19/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

منذ صدور عمله الإبداعي الأول “بالقرب من جسدي” (ديوان شعر) في منتصف التسعينات، اختار ياسر شعبان أن يعمل بهدوء وصمت وعمق، منحازًا إلى القيمة الجمالية المجردة، وبغير تهافت على النشر الذي باتت تحكمه أمور كثيرة غير عادلة، خصوصًا داخل أروقة المؤسسات الرسمية. ورغم زهده ونأيه عن الصراعات والضجيج، تمكّن من إصدار مجموعة روايات، منها: “أبناء الخطأ الرومانسي”، “المصائر”، كما قدّم للمكتبة العربية عددًا من الترجمات اللافتة لأسماء عالمية مرموقة، منها: “المؤلف ومفسروه” (أمبرتو إيكو، مقالات)، “الجبل الخامس” (باولو كويلو، رواية)، “العين” (فلاديمير نابوكوف، رواية)، “ستون ورفقة الفرسان” (ف. س. نيبول، رواية)، وغيرها. جاءت انطلاقته الأولى من شرارة الشعر، ثم استلبته الرواية والترجمة، وحتى في ترجماته راح يركز على السرد الذي وجد فيه فضاء أرحب لاستشراف الحقيقة الإنسانية وتشابكات العالم المتغير وتعقيداته، ولا يخفي عشقه للقصيدة، سيدة العصور التي لا يمكنها أبدًا أن تخون المواعيد. تكامل الأنواع يقرّ ياسر شعبان، بعد سنوات من القراءة والكتابة، بأن بذرة البدايات لمعظم الكتاب النابهين حول العالم تكون شعرًا، فهو طاقة روحية، مثله في ذلك مثل الموسيقى، يحتاج في شكله البدائي الأولي إلى حواس متفتحة وبعض الإنصات. ويضيف أنه يستطيع أن يذكر عشرات الأمثلة من مشاهير الرواية العالمية كتبوا الشعر في بداياتهم، منهم: جون أبدايك، مارجريت أتوود، همنغواي، كونديرا، جيمس جويس، إسماعيل كداريه، بيورنسون بيورنستيرن. هناك طاقة شعرية كامنة في كل شيء والكتابة ممارسة حيوية ولا توجد فواصل حقيقية بين الأنواع الأدبية ومع الوقت تدركه حرفة الأدب لخلق مسارات لهذه الطاقة، وإذا كان شعبان ممن يؤمنون بتكامل الأنواع، أو ما اصطلح النقاد على توصيفه وتصنيفه كأنواع أدبية، فإنه سيستمر في الحفاظ على مسارات الطاقة الإبداعية متجددة ومتداخلة، فهناك فعل اسمه الكتابة، تمامًا مثلما هناك فعل اسمه القراءة دون وصاية. ولا تكاد توجد فواصل حقيقية بين الألوان الأدبية، حيث يقول “الكتابة بالنسبة إلي، ببساطة، ممارسة من ضمن ممارساتي اليومية، وهكذا قد أكتب ما يمكن أن يطلق عليه القراء شعرًا أو سردًا أو رواية أو نصًّا”. ويستعيد فورة الكتابة في نهاية القرن الماضي، حيث كان ضمن مجموعة الكتاب الذين أطلق عليهم لاحقًا “جيل التسعينات”، وراحوا يبحثون عن مساراتهم بعد سقوط الحكايات والأيديولوجيات الكبرى، وقتل الأب/ الناقد، والترويج لمقولات عن حرية التعبير والتعددية وما بعد الحداثة، بما استدعته من مقولات العادي واليومي والمألوف والمعيش، وصولًا إلى “هنا والآن” و”الكيتش”. خلال هذه الفترة، كتب ياسر شعبان عن شعرية الأشياء تصورًا نضج معه عبر السنوات حول وجود شعرية كامنة في كل شيء، فقط تحتاج إلى من يكتشفها ويطلقها عندما يكون مؤهلًا لذلك روحيًّا وعقليًّا، ويكتسب الأدوات اللازمة لاكتشاف وإطلاق هذه الشعرية “الموقف الجمالي والمعرفي تجاه ما سبق إنتاجه، والبحث عن رؤية جمالية ومعرفية لما يسعى لإنتاجه”. عشوائية النشر في ظل عدم الرواج التجاري للشعر العربي، فإن أربع مجموعات شعرية لشعبان لا تزال حبيسة الدرج منذ سنوات طويلة، هي: “بعض ما قال الذي يعبر الشارع عجوزًا”، “عمر يتسرب”، “طعم المرارة”، “لحظات سحرية – برغبتي”. ويوضح السبب في تأخر نشرها بقوله “بالنسبة إلي بشكل شخصي ومباشر، اتخذت منذ البداية قرارًا بأنني لن أدفع مقابل النشر مهما تأخرت كتبي، ويكفي أنني لا أحصل على مقابل لنشر أعمالي، بالإضافة إلى عدم حصولي على مقابل مناسب لما أقوم بترجمته من كتب، ولا توجد آلية تضمن لي أن أحترف الكتابة والترجمة لتصبح مصدر دخلي كما هو الحال في الغرب. أما نشر الشعر في الهيئات الرسمية، فأمره صعب، وقد يتوقف طبع ديوان أكثر من مرة، كما حدث معي، بحجج رقابية فضفاضة من قبيل: خدش الحياء العام، وما نحو ذلك”. ويصف النشر في مصر وفي الكثير من الدول العربية بأنه مرتبك وعشوائي للغاية، بالرغم من العدد الكبير لدور النشر وما تصدره من كتب، لكن للأسف معظم هؤلاء الناشرين جاءوا للنشر من مهن تجارية لا تعرف قيمة صناعة النشر. من هنا، فإن هؤلاء الناشرين يتعاملون مع الكتاب مثلما يتعاملون مع أية سلعة أخرى يقتلون صناعتها لأجل تحقيق مكسب أسرع وأسهل باستيرادها من الصين مثلًا، وهكذا بدأوا بكتب التراث، ثم الكتب المترجمة التي بلا حقوق للمؤلف الأصلي، وبينهما تزوير عشرات الكتب، ومع الوقت “أصبحت حالة صناعة النشر في العالم العربي أقرب إلى الفقاعة، التي عند انفجارها الوشيك سيتلاشى كل شيء”. أزمة الترجمة جاءت انتقاءاته في مجال الترجمة متميزة، حيث توقف عند قامات كبيرة: إيكو، كويلو، نابوكوف، نيبول، وغيرهم، على الرغم من أن عملية الترجمة في مصر والعالم العربي لا تُدار وفق خطط مؤسساتية واحتياجات مجتمعية ودراسات تسويقية، بحيث يكون المترجم طرفًا في منظومة احترافية متكاملة، تراعي الملكية الفكرية للمؤلف وحقوق المترجم ومتطلبات القارئ العربي، وما نحو ذلك. يؤكد ياسر شعبان، في حواره مع “العرب”، أن الترجمة في العالم العربي، باستثناءات قليلة، تعتمد فقط على وعي المترجم وذائقته وتوجهاته، أما الناشرون فيقتصر دورهم على نشر العمل إذا كان مناسبًا لهم وفقًا لحسابات التكلفة والعائد والسوق، ولذلك توجهتْ دور النشر الخاصة إلى نشر الأعمال التي أصبحت بلا حقوق وفقًا لقوانين الملكية الفكرية (+70 سنة بعد وفاة المؤلف الأصلي للنص)، لكنهم يغفلون جهلًا أو عمدًا حقوق الملكية الفكرية للمترجم لو كان حيًّا، أو ورثته إذا كان قد رحل عن الدنيا. ويرى أنه وفق هذه الآلية البائسة، يتحمل المترجمون ليس فقط عبء الترجمة؛ بل مخاطرتها أيضًا، في حالة التعاقد مع ناشر مقابل حقوق مادية، فعلى المترجم أن يعمل لشهور لينجز الترجمة ثم يسلمها للناشر، قبل أن يحصل على المقابل المادي لترجمته التي ربما تتأخر لشهور أخرى لأسباب روتينية، فالمترجم مطالب بشراء الكتاب الأصلي وترجمته دون دعم يذكر من أية جهة ليتمكن من تلبية مطالبه الحياتية. ويشير إلى أنه اقترح وضع المركز القومي للترجمة في مصر، على سبيل المثال، قائمة بالكتب التي يريد ترجمتها، بناء على ترشيح لجان متخصصة في شتى المعارف الإنسانية، وعند التعاقد مع مترجم، فإما أن يحصل على منحة تفرّغ لإنجاز هذه الترجمة، أو أن يحصل على نسبة من قيمة الترجمة عند التعاقد ليتمكن من التفرغ لعمله، لكن لم يتم الأخذ بالمقترح، ولا تزال الأمور تدار دون منهجية واضحة. وبرأيه أن مؤسسات الترجمة في العالم العربي ضعيفة في مجملها على كل المستويات، من حيث الرؤية والإدارة والتخطيط والتسويق، إلى جانب عدم اكتراثها بأهلية المترجم، وأن يكون بالضرورة جامعًا بين الموهبة الفطرية والدراسة التخصصية، وإغفالها الضوابط القانونية اللازمة لصون الحقوق. أما المقابل المادي للترجمة فيصفه شعبان بأنه حديث ذو شجون، فللأسف هو الأقل في العالم العربي حتى بعد الزيادات الأخيرة، وبين الحين والآخر تشهد حركة الترجمة بعض الرواج مع مبادرات الدعم، وحتى في هذه الحالات فإن معظم الناشرين لا يدفعون حقوق المترجم مثلما تنص اتفاقاتهم مع الجهات المانحة، والحجج كثيرة ولا تنتهي، وأبرزها أن مهنة النشر غير مربحة، لكنه منطق استغلالي للأسف دون رقابة أو حماية من اتحادات الكتاب والناشرين، ما يؤدي إلى إهدار حقوق المترجمين. ويستثني القليل من دور النشر العربية العريقة الجادة وصاحبة الرؤية، التي تعامل معها، ولا تزال تعرف جيدًا معنى صناعة النشر وأهمية الترجمة، وقيمة حقوق المؤلفين والمترجمين واحترام الاتفاقات والمواعيد. ويختتم حواره مع “العرب” قائلًا “هناك أيضًا بعض دور النشر الأحدث عمرًا، والأقل في الإمكانات المادية، لكنها تتسم بقدر كبير من الجدية والوعي، بما يفتح باب الأمل، ويعوّض بعض الشيء الأداء السيئ للجهات الرسمية المنوطة بشؤون الترجمة”.

مشاركة :