«القبو» مسلسل صوتي يعيد الوهج إلى الدراما الإذاعية

  • 8/19/2020
  • 23:29
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لطالما كان للمسلسلات الإذاعية المسموعة طعم درامي فريد، استمتعت بها أجيال آبائنا وأمهاتنا، وهي لا تزال لها جمهورها، على الرغم من اجتياح التلفزيون لها، وإقصائها من بعض الإذاعات، إلا أنها ما زالت محافظة على وقعها ومكانتها، بل أسهمت التطورات التقنية وعصر وسائل التواصل الاجتماعي في إحيائها من جديد، كيف لا وهي التي تحرك خيال المتلقي، ليعيش في أجوائها دقائق من المتعة السمعية، مع ما يعرف بـ"البودكاست". البودكاست تقارع الكورونا ما إن نقول "موفي نايت" إلا ويتبادر إلى ذهننا دائما ليلة هادئة نتسمر فيها أمام الشاشة، نتناول الفشار والمشروبات الباردة أو الساخنة، لكن هذه المفاهيم بدأت تتطور مع التطور الرقمي الذي يعصف بالعالم، فبدلا من أن نتسمر مفتوحي الأعين أصبح الآن بإمكاننا أن نستمع لمسلسل درامي ونندمج مع تفاصيله كافة من خلال الصوت فقط، وبهذا أصبحت الأذن هي الوجهة القادمة لعديد من الشركات. يتوافق هذا التطور مع مرحلة الكورونا وما بعدها، حيث يجلس الجميع في المنزل وينقب عن وسائل للتسلية، ما دفع بعض الشركات إلى التنافس على تقديم الأفضل، فكانت ولادة المسلسل الصوتي "القبو"، الذي يذاع على عديد من منصات البودكاست، لكن هل المسلسل الصوتي سينافس المسلسل التلفزيوني في يوم من الأيام؟ غرام وانتقام تبدأ أحداث قصة مسلسل "القبو" مع فادي، وهو نجم سابق على منصة "يوتيوب"، وباحث عن طريقة لاستعادة شهرته ونجاحه، ينتقل إلى منزل جديد، ويجد صندوق أشرطة في قبو المنزل، الأشرطة غريبة ومروعة، مكونة من سلسلة هذيان رجل غامض ومجنون، يبدو أنه مهووس بامرأة، لتتضح الصورة لاحقا ويتبين لنا أن تلك المرأة الغامضة هي جارته، إنه مغرم بها، ويراقبها ليلا ونهارا، وسرعان ما نكتشف أنه يخطط لجعلها ملكا له بخطفها، فيطلق فادي بودكاست جديدا، يبث فيه الأشرطة ويناقش اللغز مع جمهوره. مهمته معرفة ما حدث فعلا، والعثور على الرجل وراء الصوت من الأشرطة. يحقق البودكاست نجاحا كبيرا، ومع هذا النجاح تأتي مشكلات وفوضى خطيرة، عندما يكتشف فادي أن صاحب الأشرطة من بين مستمعيه. من القاهرة تبدأ الحكاية عن المسلسل الذي يتألف من 13 حلقة مدة كل حلقة ما بين 15 إلى 20 دقيقة، يقول مشاري العنزي المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي الإبداعي لشركة فنيال للإعلام، التي أنتجت المسلسل "إن أحداث القصة تقع في مدينة القاهرة في مصر، ولذلك اللهجة المعتمدة هي المصرية"، ويضيف "نأمل أن يمنح ذلك المسلسل بعض الألفة للجماهير، التي اعتادت على المسلسلات التلفزيونية المصرية، وتستمتع بها". ما بين المسموع والمرئي فصول تطول ما لا شك فيه أن إنتاج المسلسلات الصوتية يختلف تماما عن أي نوع من الإنتاجات الفنية، كونه يتطلب الاهتمام بأدق التفاصيل في جميع عناصره لضمان ألا يشك أي مستمع أبدا في أن ما يسمعه لا يبدو حقيقيا أو يبدو مصطنعا، وفي هذا الصدد يقول العنزي "إن التحدي يوجد صعوبات في كل مراحل الإنتاج، من تطوير القصة وكتابة السيناريو، إلى اختيار الممثلين، ثم في إخراجهم خلال التسجيل، إلى المرحلة الأخيرة وهي المونتاج، حيث يجب جمع كل هذه العناصر في بوتقة حلقات مقنعة ومثيرة، والهدف دائما هو ضمان أن كل مشهد وكل جملة وكل حركة تبدو مقنعة للجمهور". سيناريو مشوق لبودكاست تعد كتابة مسلسل صوتي أصعب بكثير من كتابة مسلسل مصور، لأن طريقة الكتابة يجب أن تتضمن تفاصيل تركز على الأصوات وليس المشهد، ويقول العنزي عن مسلسل القبو "تم تطوير المسلسل وكتابته بالكامل داخليا على يد أحد منتجينا، عمر آدم، وبمشاركة فريق الإنتاج". ويضيف "إن فكرة القصة من ابتكار عمر، الذي أراد أن يجسد قصة مشوقة وفريدة لمنصة البودكاست، التي لا يمكن سردها إلا في إطار مسلسل صوتي"، وعن الفرق بين كتابة المسلسل الصوتي والمسلسل التلفزيوني يقول العنزي "هناك فرق كبير بينهما، لأنه مع الكتابة للمسلسلات الصوتية، ليس لديك عنصر مرئي يمكنك الاعتماد عليه، ولذلك التركيز بشكل أكبر يكون على اختيار الحوار الدقيق والممثلين لكل شخصية، وتخيل المؤثرات الصوتية الملائمة لكل مشهد، واستخدام جميع الأدوات الصوتية الأخرى، لتقديم رسالة القصة وفكرتها، ودفع الحبكة إلى الأمام، وغمر جمهورك في قصة شيقة"، وأضاف "القدرة على إيصال فكرة خيالية وروائية لمستمعينا هي إحدى أقوى مهاراتنا كفريق، وشيء نفتخر به، وهي تعود إلى مواهب جميع أفراد فريق الإنتاج في التأكد من أن جميع العناصر التي تشكل المسلسل تتم بأعلى جودة، من الكتابة المشوقة والمقنعة، إلى تمثيل يبدو طبيعيا، ومؤثرات صوتية مثيلة". صعوبات من نوع آخر يواجه هذا النوع من المسلسلات عديدا من الصعوبات، يقول العنزي "إن كل مشهد يأتي بتحديات فريدة، أبسط الحركات، كشخصية تتحدث وهي تمشي، أو شخصية تضع شيئا على طاولة، قد تأخذ منا وقتا طويلا في المونتاج، لضمان أن صوت الحركة يبدو طبيعيا للأذن، لأن آذاننا لديها المقدرة على ملاحظة أصوات غير مقنعة بسهولة". مضيفا "في مسلسل القبو، توجد مجموعة من مقاطع صراع أو مواجهة شديدة، وهذه المقاطع خصوصا كان صعبا تكوينها". موسيقى حصرية ترافق مقاطع المسلسل موسيقى تصويرية تحاكي الأذن، لذلك يحرص منتجو ومعدو هذه الأنواع من المسلسلات على التركيز عليها بشكل أكبر من المسلسلات التلفزيونية. وفي هذا المسلسل قامت شيناه موري مهندسة الصوت بتأليف قطع موسيقية جديدة وفريدة خصيصا له، وهي تتوافق مع فكرة القصة وتتابع أحداثها. مستقبل المسلسلات الصوتية عن مستقبل المسلسلات الصوتية يقول الرئيس التنفيذي للشركة المنتجة لمسلسل القبو، "لقد زاد استهلاك محتوى البودكاست بشكل كبير خلال العامين الماضيين، ونتوقع أن يتسارع هذا التزايد خلال الأشهر المقبلة. بالطبع، هناك عديد من أنواع البودكاست المختلفة، لكن تركيزنا كشركة ينصب في الغالب على فئة القصص الروائية، ونرى إمكانات هائلة للنمو في هذا المجال". ونظرا لما تحظى به المسلسلات الدرامية من شعبية كبيرة على التلفزيون، يتوقع العنزي أن نرى الاتجاه نفسه ينعكس على العالم الصوتي، مع زيادة توفير محتوى البودكاست، قائلا "من جانبنا، سنقوم بالبناء على نجاح مسلسلاتنا الأخرى مثل "ألف ليلة وليلة، جحا، واسمي مكة"، وإصدار مزيد من المسلسلات الدرامية للمساعدة على تعزيز النمو في قطاع البث الصوتي". أما عن المنافسة في هذا المجال في العالم العربي، فأكد العنزي أن هناك عددا من مبتكري المحتوى ينتجون برامج بودكاست ناجحة في العالم العربي، وقال "لكننا نحن نركز على الخيال والدراما، هناك حواجز أعلى لهذا النوع من الإنتاج ولإنتاج مسلسلات مثل "القبو"، لأنها تتطلب كثيرا من الموارد، من كتابة السيناريو والتمثيل وإضافة المؤثرات الصوتية والموسيقى المواكبة المناسبتين، وما إلى ذلك، يستغرق الأمر وقتا ويتطلب الموهبة المناسبة لتنفيذ مسلسلات مثل هذه، ولهذا السبب لم يتبع أي شخص آخر هذا النهج في العالم العربي حتى الآن". وعود على بدء، تمكنت مسلسلات البودكاست من جذب الجمهور، وأصبحت تتمتع بجاذبية عالية، لأسلوبها المختلف في مخاطبة الذهن، واستخدامها خيال المتلقي، وباتت هذه الدراما تشكل تحديا ونقطة صعبة للفنان الذي يحاول أن يستنطق قدراته، فهو يعبر عن كل حالات الشخصية بصوته فقط. وعلى مر التاريخ أثبتت الدراما الإذاعية جماهيريتها، وكانت في أوجها في فترة الثمانينيات من القرن الماضي، وجاءت البودكاست الآن وريثا شرعيا لها، فهل ستنجح في تحمل أعباء هذا الإرث الفني الثقيل؟ سؤال يبقى في طي الأيام.

مشاركة :