المسلسلات الاجتماعية تعيد الدراما السورية إلى الواجهة

  • 4/17/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لو أردنا المقارنة بين الأعمال السورية والمصرية لهذا العام فسوف نلاحظ أننا شهدنا كثافة في الإنتاج الدرامي المصري والسوري. لسنا بصدد المقارنة أيهما الأفضل، فلكل منهما ميزاته التي لا يمكن إغفالها ومهما تعددت الآراء وتباعدت ما بين شد وجذب، وسط اختلاف آراء النقاد فإن الحكم في النهاية هو للجمهور. إلا أن احتفاءنا هذا العام هو بالدراما السورية التي طالما حظيت بإقبال الجمهور العربي ونالت استحسانه بما فرضته من مسلسلات تبوأت خلال عقدين موقع الصدارة على ساحة الدراما العربية بعد تراجُع نسبي شهدته السنوات الأخيرة المثقلة بالظروف الصعبة. ويبدو أنّ موسم 2024 قد أعاد إلى الدراما السورية ألقها وعاد ليبتسم لها مرة أخرى، فقد لوحظ في هذا الموسم تعافي الدراما السورية التي شهدت صعودا قويا يتجاوز حالة الركود التي عرفتها في السنوات السابقة؛ إذ شاركت هذا العام بـ25 عملا فنيا على 40 قناة عربية ومنصة عرض. وقد تنوعت الأعمال بين الدراما الاجتماعية ودراما التشويق وأعمال البيئة الشامية في ظل غياب الكوميديا والدراما التاريخية عن المائدة الرمضانية. ولعل القاسم المشترك بين الكثير من هذه الأعمال هو جرعات العنف الزائدة، فقد كانت جرعة العنف الموضوعة في الأعمال أكثر بكثير من اللازم. إن كلفة إنتاج الأعمال السورية لعام 2024 بلغت نحو 310 مليارات ليرة سورية حسب قول أمين سر اللجنة أحمد رضا الحلبي. إنتاج سوري بحت شهد تشاركية القطاع الخاص والحكومي في ظل تنامي عودة شركات الإنتاج العربية إلى سوريا. الأعمال تنوعت بين الدراما الاجتماعية ودراما التشويق وأعمال البيئة الشامية في ظل غياب الكوميديا والدراما التاريخية لقد حمل الموسم الدرامي لهذا العام العديد من السمات البارزة، من بينها كثرة عدد نجوم الصف الأول المشاركين فيه، مع عرض على معظم الشاشات العربية، وهو ما يبدو محاولة قوية متميزة لإعادة الدراما السورية إلى المشهد بقوة. كما شهد صعود مسلسلات الـ15 حلقة، في محاولة لتجاوز التكرار والإطالة لمسلسلات الـ30 حلقة بأجزائها. وقد تفوقت الأعمال الاجتماعية وحظيت بمتابعة مكثفة في سوريا ومختلف البلدان العربية، على حساب الأعمال الأخرى، وذلك في ظل شبه إجماع على أن الناس لم يعودوا متحمسين لأعمال البيئة، بل يفضلون عليها الأعمال الاجتماعية. وفي هذا السياق نشير إلى عملين اجتماعيين جذبا انتباه المتفرج ونالا استحسان الجمهور. فقد لاقى مسلسل “ولاد بديعة” إقبالا جماهيريا مكثفا. وبالرغم من إثارته الجدل بمشاهده الساخنة والجريئة في شهر الصوم فقد استطاع حصد نسب مشاهدة عالية عبر منصة “شاهد”، المنصة الرسمية للعرض، إلى جانب محطات تلفزيونية أيضًا. المسلسل مكون من ثلاثين حلقة، وهو من إخراج رشا شربتجي، ومن تأليف علي وجيه ويامن الحجلي، ومن إنتاج شركة “بينتالنس”، ومن بطولة سلافة معمار وسامر إسماعيل ومحمود نصر ويامن الحجلي. وهو دراما اجتماعية شائقة تتناول صراعا داميا بين أربعة إخوة لعائلة تعمل في صناعة الجلود والدباغة. تتم حكايات الإخوة الأربعة في حقب زمنية مختلفة، وينطلق العمل من حكاية اجتماعية ملحمية شعبية معاصرة تمتد في الحاضر بشكل رئيسي، ولها جذور تعود إلى الماضي، من خلال قصص لمجموعة شخصيات تتصارع فيما بينها عن الحب والذنب وادعاء الفضيلة، مع أجواء درامية ذات بعد عميق لا تخلو من المتعة والجرأة. الأعمال الاجتماعية تفوقت وحظيت بمتابعة مكثفة في سوريا ومختلف البلدان العربية على حساب الأعمال الأخرى وقد شكل النص خروجا عن المألوف، فقد أثار صخبا بشخصياته من الحلقات الأولى مع بداية شهر رمضان. ورغم قصة المسلسل القوية والحبكة المتسارعة، إلا أن المتابعين وجدوا أن بعض المشاهد كانت أقسى من اللازم وأنها لم تكن أساسية في السياق الدرامي للعمل، وكان بالإمكان الاستغناء عنها بسهولة حيث تركزت الانتقادات على مجموعة من المشاهد المحددة كمشهد شنق القطط، فقد أثار المشهد ردود أفعال قوية بين المشاهدين، حيث ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بانتقادات متنوعة، تتهم العمل بالقسوة وترويج العنف ضد حيوانات الشارع التي تعاني أساساً من الضرب والأذية من قبِل الأطفال خاصة. ورغم توضيح شربتجي أن المشهد تم بحضور وإشراف أطباء بيطريين لضمان عدم التسبب بأذى لأي من القطط، فقد عبر قطاع من الجمهور عن استيائه من القسوة الظاهرة في المشهد خاصة أن من يقوم به هو طفل صغير، الأمر الذي يترك أثرا مزعجا عند المشاهد. هذا الأمر ربما يشجع على تعنيف حيوانات الشارع التي تعاني من العنف، خاصة أن الأطفال يتأثرون كثيرا بالأعمال الدرامية ويمكن أن يدفعهم المشهد إلى إيذاء قطة ضالة، حسب المتابعين الذين أعربوا عن تخوفهم من احتمال تقليده من قِبل الأطفال. فيما نلقى مسلسل “أغمض عينيك”، من كتابة لؤي النوري وأحمد الملا ويعرض على منصة "شاهد" والتلفزيون السعودي ومجموعة محطّات أخرى، قد حظي بنسبة مشاهدة عالية لدى الجمهور السوري، بمعالجته لحالة إنسانية وهو طيف التوحد عند الأطفال، حيث يعيد الدراما إلى رومانسيتها بعيدا عن العنف. وقد ضم المسلسل أسماء جيدة، من بينها عبدالمنعم عمايري وأمل عرفة وأحمد الأحمد ومحمد حداقي. وتتناول قصة العمل حياة أمل عرفة التي واجهت تحديات كبيرة بعد هجر زوجها لها واختفائه، تاركا لها طفلا يعاني من طيف التوحد. تتعرض حياتها للمزيد من الصعاب مع تخلي أفراد أسرتها عنها وزواجها منه رغما عنهم. ومع ذلك تظل أمل تكافح لتوفير الرعاية لابنها وتحافظ على كرامتها رغم التحديات الصعبة التي تواجهها. Thumbnail ولو بحثنا عن أكثر شخصية مؤثرة في المسلسل لوجدناها شخصية الطفل الذي أدى دور جود وقدم أداء متقنا جعلنا نعتقد أنه طفل يعاني من اضطراب طيف توحد في الواقع، وكم كانت دهشتنا كبيرة حين عرفنا أنه طفل طبيعي. وقد استطاع النجمان السوريان، أمل عرفة بدور والدة جود وعبدالمنعم عمايري الذي يجسد شخصية مؤنس، أداء دوريهما كما عودانا بحرفية تامة، في ظل حضور لافت للفنانة القديرة منى واصف بعد غياب خمس سنوات عن الشاشة السورية، وقد جسدت دور الجدة في تجربة مريرة مع زوجها القاسي وحادِّ الطباع (أبورَجا). في هذا الموسم استطاع الملا للمرة الأولى أن يحضر بعيدا عن أجواء البيئة الشامية التي اعتادها الجمهور منه، وقد أكد أن الهدف من فكرة مسلسل “أغمض عينيك” تضمين مجموعة من الرسائل، وعلى رأسها أننا جميعا مختلفون لكن دعونا نحل هذه المشكلة بجرعة زائدة من الحب نقدمها لبعضنا البعض. وفق هذا السياق نرى أن مسلسل “أغمض عينيك” قد رسم له طريقا مغايرا لغالبية الأعمال السورية التي قُدّمت في رمضان والتي امتلأت بالعنف في سعيها وراء الإثارة والتشويق، ليشكل هذا العمل حالة خاصة نأت بنفسها عن الخوض في ذلك التيار الجارف في قصة قريبة من المتابعين وتلامس قلوبهم. لقد استطاع هذا العمل الإنساني لفت انتباه الجمهور والتأثير فيه بقوة في ظل إشادة بقصة العمل ورسالته الإنسانية، وأداء معظم أبطاله قصة اجتماعية إنسانية حملت الدفء إلى القلوب. في النهاية نحن سعداء جدا بعودة الدراما السورية في ظل التوجه إلى قضايا الناس والمواضيع الاجتماعية التي تتناول همومهم ولا تقفز فوق مشاكلهم.

مشاركة :