تذرّع إسلام آباد بقضية كشمير في تبرير خلافها مع الرياض قد يكون مجرّد واجهة لأسباب أعمق تتصل من جهة بسياسة باكستان القائمة على لعبة الحياد والتوازن بين المحاور أملا في نيل رضا السعودية وخصومها في آن، ومن جهة ثانية بتناقص الدعم المالي السعودي في إطار مراجعة سياسة تقديم الهبات والمساعدات التي لم تجن منها المملكة دائما ما تأمل فيه من مكاسب. إسلام آباد – ألقت القيادة الباكستانية بثقلها خلف جهود تطويق خلاف مع المملكة العربية السعودية، تعلم إسلام آباد أنّه لن يكون من دون تبعات مادية لا تحتملها باكستان في مرحلتها الراهنة وما تعانيه خلالها من أزمة اقتصادية عميقة، فضلا عن التبعات الدبلوماسية والسياسية في وقت يخوض فيه البلد صراعا شرسا ضدّ عدوه اللّدود؛ الهند، ما يجعله في أمسّ الحاجة إلى توسيع دائرة الأصدقاء والمناصرين له في صراعه ذاك. وهوّن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان من شأن الخلافات مع السعودية الحليفة لبلاده منذ مدة طويلة بعدما زار قائد الجيش الباكستاني الرياض في محاولة للتخفيف من حدة خلاف بشأن السياسات المتعلقة بإقليم كشمير المتنازع عليه. وربطت مصادر باكستانية ما سمّته “استدارة في موقف خان من الأزمة الناشئة مع السعودية ولجوء حكومته إلى تغيير خطابها بعد توجيهها انتقادات للرياض، بفشلها في إيجاد بدائل عن العلاقة المربحة مع السعودية”. وتشير المصادر إلى “موجة التواصل والتقارب الأخيرة بين باكستان وأنقرة”، مؤكّدة “أن إسلام آباد لم تجد لدى القيادة التركية سوى دعم لفظي في بعض القضايا بينما كان المطلوب تعاونا اقتصاديا أكبر ومساعدات مالية عاجلة”. وشرح أحد المصادر المطّلعة على اللقاءات التي جمعت مؤخرا مسؤولين باكستانيين وأتراكا “أن ما كانت الحكومة الباكستانية تتطلّع إليه هو توسّط أنقرة لدى الدوحة لتمكين باكستان من تمويلات قطرية، لكن القيادة التركية ممثلة بالرئيس رجب طيب أردوغان قابلت المسعى الباكستاني بفتور نظرا لحاجة تركيا بحد ذاتها إلى مثل تلك التمويلات”. السعودية لم تحقّق دائما النتائج المرجّوة من مساعدة باكستان التي التزمت الحياد في قضايا تحتاج فيها الرياض لحلفاء لا لوسطاء وأدى الخلاف، الناجم عن مطالبات باكستانية للسعودية باتباع نهج أكثر حزما مع الهند بسبب ما تقول إسلام آباد إنها انتهاكات لحقوق الإنسان ترتكبها في كشمير، إلى تهديد الدعم المالي السعودي لباكستان. وكشمير مقسّمة منذ عام 1947 بين الهند وباكستان اللتين تتنازعان السيادة عليها، وكانت السبب في نشوب حربين بين الدولتين. ومنذ العام الماضي تشهد المنطقة ذات الغالبية المسلمة نقمة متزايدة على الحكومة القومية الهندوسية، على خلفية إلغاء الحكم الذاتي في الإقليم ومنح حق شراء الأراضي الذي كان سابقا محصورا بأبناء كشمير، لعشرات آلاف الأشخاص من خارجها. وتقاتل جماعات متمردة منذ عقود مطالبة باستقلال المنطقة أو ضمّها إلى باكستان، وخلّف النزاع المستمر منذ 1989 عشرات آلاف القتلى، معظمهم مدنيون. وكان وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي قد دعا في وقت سابق من الشهر الحالي منظمة التعاون الإسلامي إلى عقد اجتماع على أعلى مستوى لبحث ملف كشمير. وقال قرشي “إذا لم يتمكنوا من عقد الاجتماع سأكون ملزما بالطلب من رئيس الوزراء عمران خان الدعوة لاجتماع للدول الإسلامية التي لديها استعداد للوقوف معنا في قضية كشمير ودعم الكشميريين المقموعين”، وفق تصريحات أوردها الإعلام الباكستاني. وأثارت التصريحات استياء لدى أوساط سعودية رأت فيها تهديدا غير مقبول بأن باكستان تحضّر لمؤتمر للدول الإسلامية خارج نطاق منظمة التعاون الإسلامي التي تمتلك فيها المملكة الكلمة العليا. ورغم أن قضية كشمير مثّلت السبب المباشر في حالة الفتور غير الاعتيادية في العلاقة بين باكستان والسعودية اللتين ارتبطتا دائما بعلاقات متميّزة، إلّا أنّ العديد من المحلّلين مالوا إلى اعتبارها مجرّد واجهة لخلاف أعمق، مالي بالأساس. استدارة في موقف خان من الأزمة الناشئة مع السعودية استدارة في موقف خان من الأزمة الناشئة مع السعودية ورغم أن السعودية قدّمت خلال السنوات الماضية مساعدات مجزية لباكستان، إلّا أنّ إسلام آباد بدأت تستشعر عدم نية الرياض تقديم المزيد، وذلك بسبب مراجعة تجريها السعودية لسياستها في مجال تقديم الهبات والمساعدات. ويرصد هؤلاء تراجع المملكة عن سخائها في تقديم مبالغ طائلة لعدة جهات خارجية وذلك في إطار عملية هادفة لكسب أكبر عدد ممكن من الأصدقاء والحلفاء، دولا وأحزابا وأفرادا، عبر المنطقة والعالم. ويقولون إنّ السعودية لم تحقّق دائما النتائج المرجّوة من وراء تلك السياسة حتى أنّها لم تضمن وقوف باكستان إلى جانبها في عدّة قضايا مثل مواجهة الحوثيين في اليمن والصراع ضد إيران وتركيا حيث عرضت إسلام آباد نفسها وسيطا في بعض تلك الملفات بينما كانت الرياض تريدها حليفا ونصيرا صريحا. بل إنّ الرياض، بحسب المحلّلين، جنت في بعض الأحيان نتائج عكسية من وراء هباتها ومساعداتها، وهو ما ينطبق على الحالة اللبنانية، حيث لم تستطع الأموال السعودية تقوية آل الحريري إلى درجة يستطيعون معها سحب البساط من تحت أقدام حزب الله، بل إن المساعدات السعودية انتهت بشكل غير مباشر في خدمة مصلحة الحزب المحتمي بالدولة التي ساعدت السعودية لسنوات طويلة على تماسكها واستمرارها. وقال رئيس الوزراء الباكستاني إنّه لا توجد خلافات بين بلاده والسعودية، نائيا بنفسه عن انتقاد وجّهه وزير خارجيته إلى المملكة هذا الشهر وأشار فيه إلى أنها لا تكترث بكشمير. وشدّد خان في مقابلة أجرتها معه قناة دنيا نيوز التلفزيونية “الشائعات عن تدهور علاقاتنا مع السعودية باطلة تماما”، مضيفا “علاقاتنا طيبة جدا. ونحن على تواصل دائم”. قضية كشمير كانت سبب التوترات قضية كشمير كانت سبب التوترات كما أشار إلى زيارة قائد الجيش الباكستاني، الاثنين، إلى السعودية والتي ركزت بالأساس بحسب رئيس الوزراء “على المسائل العسكرية”، لكن مسؤولين كبارا بالجيش والحكومة قالوا إن الهدف من الزيارة هو تهدئة الموقف المتأزم الذي قد يلحق ضررا كبيرا بالاحتياطات الأجنبية لباكستان التي تعاني من ضائقة مالية. ولم يرشح الكثير عن الزيارة بما من شأنه الجزم بنجاحها في تحقيق الهدف المنشود منها، حيث اكتفت وكالة الأنباء السعودية الرسمية بالقول عن اللقاء الذي جمع الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي بقمر جاويد باجوا قائد الجيش الباكستاني، إنّه جرى خلاله “استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين خاصة في الجانب العسكري والدفاعي، وتناول تعزيز التعاون المشترك لحفظ الأمن والاستقرار بالإضافة إلى الموضوعات ذات الاهتمام المشترك”. ومنحت السعودية باكستان قرضا قيمته ثلاثة مليارات دولار وتسهيلات ائتمانية لشراء النفط بقيمة 3.2 مليار دولار لمساعدتها على تجاوز أزمة ميزان المدفوعات أواخر عام 2018. وقال مسؤولون عسكريون وآخرون بوزارة المالية لوكالة رويترز إن مطالبات باكستان للرياض بدعمها في مواجهة الهند في ما يتعلق بكشمير دفعت السعودية لإجبار إسلام آباد على رد مليار دولار قبل حلول موعد استحقاقها. كما قال المسؤولون إن السعودية تطالب أيضا بسداد مليار دولار أخرى من القرض ولم ترد على طلبات باكستانية بتمديد التسهيلات النفطية. ولم تعلق الحكومة السعودية على الأمر. ولم تعقد منظمة التعاون الإسلامي التي تقودها السعودية سوى اجتماعات على مستويات منخفضة بشأن كشمير مما أثار خيبة أمل البعض ممن يرغبون في موقف أكثر صرامة. وقال خان “بخصوص قضية كشمير، هناك رأي يقول إنه كان ينبغي على منظمة التعاون الإسلامي تقديم العون”، مستدركا “للسعودية سياستها الخارجية الخاصة. وليس لنا أن نظن أنها ستفعل شيئا لمجرد أننا نريده”. ويقول محللون إن السعودية لا تريد المخاطرة بمصالحها التجارية في الهند من أجل دعم باكستان في مسألة إقليم كشمير. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :