آخر فنان عربي وأفريقي يرسم ملصقات الأفلام بالريشة | نضال قوشحة | صحيفة العرب

  • 8/20/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

رُسمت ملصقات الأفلام السينمائية في زمن سابق بالريشة بشكل يدوي، ليتطوّر الحال مع الطفرة التكنولوجية التي أفرزت الآلاف من التصاميم الرقمية التي تحتويها مكتبات البرمجة الحديثة. لكن فنانا جزائريا شابا ما زال يصمّم ويرسم ملصقات تلك الأفلام بالطريقة التقليدية، وعبر أسلوبه ذاك وصل بفنه إلى إنتاجات سينمائية عالمية. في العام الماضي أنتج في الولايات المتحدة فيلم عالمي، يتحدّث عن واقعة حقيقية حدثت خلال الحرب الأهلية في أميركا، تخصّ الجنود السود الذين قاتلوا في الحرب الثورية في معركة بونكر هيل التي حدثت في 17 يونيو 1775، خلال حصار مدينة بوسطن. قدّم الفيلم جزءا من قصة الأمير الأفريقي المسلم عبدالرحمن إبراهيم بن سوري الذي ولد سنة 1762 في مدينة تيمو في غرب أفريقيا، وفي صغره أرسله والده إلي مالي ليتعلم في مدينة تيمبوكتو، وهناك تم أسره من قبل تجار البشر الإنجليز مع النساء والرجال. واقتيد في سفينة إلى أميركا سنة 1788 ليصبح عبدا في مزارع التبغ في مدينة أوهايوا، لكنه لم يرضخ للواقع المؤلم بل اتجه إلى العبيد من أبناء جلدته ليعلمهم اللغة العربية والقرآن الكريم حتى أصبح إماما في ولاية أوهايوا. وذاع صيته بين صفوف العبيد في الولايات المتحدة إلى أن تم تحريره من قبل الرئيس الأميركي جون كوينسي بطلب عاجل من السلطان المغربي مولاي عبدالرحمن أبوالفضل بن هشام العلاوي. وكان لعبدالرحمن إبراهيم بن سوري تسعة أبناء عبيد في المنطقة طلب الحرية لهم، لكن مالكهم رفض تحريرهم دون مقابل مادي، فجمع نصف المبلغ وسافر مع زوجته إلى أفريقيا ليكمل المبلغ ويحرّر أبناءه. لكنه توفي سنة 1829 ولم يلتق بهم. طريقة تقليدية الفيلم الذي حمل عنوان “باكس أوف أميركا” شارك فيه عدد من الفنانين الذين يعملون في السينما العالمية، كان من أهمهم المخرج آكي ألونج، وأيضا الفنان الجزائري شمس الدين بلعربي الذي شارك في تصميم بوستر العمل. فن البوستر الكلاسيكي بات يواجه اليوم وضعا صعبا بسبب التكنولوجيا الرقمية التي ألغت دور الفنان التشكيلي فن البوستر الكلاسيكي بات يواجه اليوم وضعا صعبا بسبب التكنولوجيا الرقمية التي ألغت دور الفنان التشكيلي وعن هذه التجربة يقول بلعربي لـ“العرب”، “كانت لي بعض المشاركات في السينما العالمية، من خلال تصميم بعض البوسترات مثل فيلم ‘شرف’ و’الأخبار’ و’قصة بولو يونغ’ وأفلام أخرى. اتصل بي المخرج والكاتب روبرت جيت وود وطلب مني تصميم بوستر الفيلم وكنت العربي الوحيد المشارك فيه”. وبالفعل أنجز بلعربي الملصق وعرضه جيت على الجهة المنتجة فتم قبوله، والفيلم من بطولة الممثل ماسي فورلان وكريستوفر ميلر وربيكا هولدن ولعب دور الشرف فيه الممثل الأميركي الشهير آكي ألونغ. وفي هذا البوستر عمل بالعربي بالطريقة التي تستهويه، أي بالريشة. وابتعد عن استخدام الطرق الحديثة المتوفرة في برامج تصميم الكمبيوتر. ويقول في ذلك “تعّد الملصقات من الفنون المرئية، وهي الفنون التي نطلق عليها في عالمنا العربي اسم الفنون التشكيلية، أي تلك الفنون التي يتم تلقيها عن طريق حاسة البصر ومن الممكن تعريف ملصق الفيلم بأنه مساحة من الورق مطبوعة تعلن عن فيلم”. ويسترسل “ورغم تعّدد أنماط الفيلم إلى ثلاثة أنماط أساسية، هي: الروائي، والتسجيلي والتحريكي إلاّ أنها تحتاج جميعا إلى التعريف بها والترويج لها من أجل أن يستردّ المنتجون، على الأقل، أموالهم التي صرفوها لإتمام جميع خطوات تنفيذ الأفلام، بل من المفروض أن يحقّقوا أرباحا تشجعهم على خوض تجربة إنتاج أفلام جديدة، حتى تستمر صناعة الأفلام. ولذا فإن ملصقات الأفلام تعتبر أهم وسائل الدعاية للأفلام”. وكانت بداية هذا الفن في الغرب، حيث أصبح تصميم الملصقات شائعا عند الفنانين الأوروبيين في القرن التاسع عشر. وفي حوالي عام 1866، بدأ الفنان الفرنسي جول شيريه بإنتاج أكثر من ألف ملصق ملون كبير الحجم باستخدام الطباعة الحجرية الملونة التي كانت حديثة الاختراع. وفي تسعينات القرن التاسع عشر، اكتسب الفنان الفرنسي هنري دو تولوز لوتريك شهرة عالمية بسبب تصميماته الجميلة الواضحة للملصقات التي صمّمها للمسارح وقاعات الرقص. وصمّم عدد من الفنانين الآخرين في القرن العشرين ملصقات تم جمعها على أنها أعمال فنية. يتابع بالعربي “يرى أحد المختصّين العرب أن هذا الفن دخل إلى العالم العربي، تحديدا مصر، عن طريق اليونانيين، وبالنسبة لهذا الفن في الغرب يعدّ اليونانيون أول من قاموا بتطويره إلى مستويات عالية، إضافة إلى أن هؤلاء حملوا تلك الصناعة من بلادهم، وكانت لهم علاقة قوية بفني التصوير الفوتوغرافي والرسم”. ومن هناك، بدأ اليونانيون الذين كانوا يتمركزون في الإسكندرية في مواكبة ذلك الفن الجديد، ومع مرور الزمن طغت التكنولوجيا الرقمية على السينما، وبقي المتحف هو مكان الأفيش المرسوم بالطريقة التقليدية. حينها فكّر بلعربي في تطوير هذا الفن بإضافة لمسات فنية عصرية عليه، ثم عرضه على المخرجين والمنتجين الذين رحّبوا بالفكرة. ويضيف “هذا الفن التقليدي الكلاسيكي القديم بقي موجودا، وكان المتحف هو المكان الوحيد لرؤيته، وهو يواجه الآن وضعا صعبا بسبب التكنولوجيا الرقمية التي ألغت دور الفنان التشكيلي”. رحلة شاقة Thumbnail عن ضرورة أن يبقى هذا الفن قائما من خلال أفكار عصرية تؤمن له الاستمرار يقول شمس الدين بلعربي “فكرت في إعادة هذا الفن إلى مكانته بطريقة عصرية لمواكبة الموجة الرقمية وواجهت مصاعب كثيرة، كان أولها كيف أتمكن من عرض الفكرة على المنتجين وإقناعهم بأن هذا الفن يمكن أن يكون فنا معاصرا ويمكن أن يكون مميزا”. ويسترسل “كانت بدايتي في مرحلة الطفولة، حيث كنت مهتما بالرسم ودفعتني موهبتي إلى الرسم في كل الأوقات، وكنت حين أعود من المدرسة أجد في طريقي الجرائد مرمية على الأرصفة، كانت تجذبني الصور البرّاقة لنجوم السينما، فألتقط هذه الجرائد من على الأرض وآخذها معي إلى البيت وأُعيد رسمها”. وفي المدرسة بدأ المعلمون يكتشفون موهبة بلعربي الذي أعطى أهمية لمادة الرسم أكثر من باقي المواد كالرياضيات والفيزياء، وهو المنحدر من عائلة فقيرة، حيث اضطرته الظروف المعيشية إلى التوقّف عن الدراسة والخروج إلى الشارع لامتهان الرسم كحرفة، فكان يزيّن المحلات التجارية وبعض الأثاث القديم. وعن تلك المرحلة، يقول “هي مرحلة قاسية، ففيها تعرّضت للاستغلال من بعض الذين استنزفوا طاقتي الفنية، وفي بعض الأحيان كنت أعمل عند أشخاص لا يعطونني أجرا مقابل ما أنجزه ويتهربون مني، كما التقيت أيضا بأشخاص ساعدوني وشجعوني، وواصلت العمل لمدة طويلة. لكن الضغوط الاجتماعية والظروف المعيشية أثّرت على مساري الفني، كنت أكبر إخوتي وكنا ستة أبناء نعيش في بيت متواضع. كانت فترات عصيبة خاصة في فصل الشتاء حيث يتسرّب الماء إلى داخل البيت من خلال تشققات السقف”. وعن كونه آخر فنان عربي وأفريقي يمارس هذا الفن بالشكل التقليدي، يقول “أنا سعيد بهذا الشرف، لأنني خرجت بهذا الفن من المتحف إلى قاعات العرض في أكبر مهرجانات السينما العالمية، وهو ما كنت أتمنى أن أصل إليه. لذلك صنّفني بعض العاملين في السينما العالمية بأنني صاحب لون فريد ومتميز في رسم بوسترات الأفلام، وهذا ما أوصلني إلى بعض المشاركات العالمية التي أعتز بها، حيث بتّ بالفعل آخر فنان في أفريقيا والوطن العربي، يرسم بهذه الطريقة”.

مشاركة :