كورونا أدخل الصحافة العراقية مرحلة الموت السريري | | صحيفة العرب

  • 8/21/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

شكل فايروس كورونا القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للصحافة العراقية التي كانت تعتمد على الإعلانات بشكل رئيسي، بينما لا تثير بقية الصحف اهتمام القراء لضعف محتواها ورداءة تصميمها وتبعيتها لأحزاب وميليشيات طائفية، فأصبح المشهد قاتما لا يضيئه سوى محاولات قليلة لشباب يكافحون لإنتاج محتوى إلكتروني بإمكانيات متواضعة. بغداد - تعرضت صناعة الصحافة والإعلام في العراق إلى ضربة قوية إثر جائحة فايروس كورونا المستجد، وهي المثقلة أصلا بالمتاعب منذ اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي الساحة وزاد الاعتماد على المنصات الرقمية في الحصول على المعلومات والأخبار. ولم تعد مألوفة في مقاهي بغداد صورة القارئ الذي يقلب صفحات الجريدة أو يقرأ في كتاب، بل حلت محلها تدريجيا صورة أخرى لجالسين يتصفحون هواتفهم المحمولة. ويقول المحررون والناشرون إن مؤشرات الإيرادات هوت بشدة بفعل تراجع الإعلانات، مما اضطرهم لتقليل صفحات منشوراتهم. وأفاد ناشر صحيفة المدى المستقلة، التي تأسست بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، إن حجم التوزيع هوى إلى الربع مقارنة بمبيعات ما قبل فايروس كورونا. وقال بهاء عبدالستار مدير دار المدى للطباعة والنشر “أستطيع أن أقول إن معظم المؤسسات الإعلامية التي تطبع الصحف والمجلات والكتب، تراجعت إلى الربع أو أقل من الربع”. وبالإضافة إلى الصحيفة الورقية، تدير دار المدى للنشر إصدارات خاصة أخرى إضافة إلى محطة إذاعية. وبعد التفشي، يقول المديرون إنه تم تسريح عدد كبير من الموظفين، بينما تعرض آخرون لاقتطاع أجزاء من رواتبهم. ويقول رفعت عبدالرزاق، محرر بالصحيفة، إن الصحافة العراقية واجهت العديد من الأزمات على مر السنين، لكن جائحة كورونا هي القشة التي قصمت ظهر البعير وهي التي أدخلت الصحافة في مرحلة الرمق الأخير. وقال إن العد التنازلي الحقيقي للصحافة قد بدأ. وأوضح “الصحافة الورقية العراقية بلا شك في طريقها إلى الزوال. أعتقد أن الصحافة الإلكترونية سيكون لها مستقبل واعد”. وأشار إلى تأثيرات فايروس كورونا قائلا “الصحافة العراقية بدأت تتراجع وتتقلص. وهذا شيء واضح. اختفت العديد من الصحف.. والصحف التي بقيت صامدة في وجه هذا التراجع قليلة في العراق. وبعد تفشي فايروس كورونا دخلت الصحافة العد التنازلي الحقيقي”. وبحسب عبدالرزاق، في أعقاب إجراءات العزل العام بسبب كورونا في العراق في مارس الماضي، أٌغلقت الصحيفة بشكل مؤقت واضطرت لنشر نسختها المطبوعة على موقعها الإلكتروني. ويقول موقع الصحيفة على الإنترنت إن عشرات الآلاف من العراقيين يزورون منصة الجريدة يوميا، لكن المحررين يقولون إن هذه الأرقام يصعب ترجمتها إلى مكاسب وأرباح ذلك لأن الإنترنت شحيح الإعلانات. مواقع إلكترونية يديرها جيل من الشباب العراقي أثبتت جدارتها في صناعة محتوى إخباري متميز بإمكانيات محدودة ونوه عبدالرزاق إن أن الإعلانات كانت شريان حياة ومصدرا رئيسيا للإيرادات قبل الجائحة. وأضاف “شكلت الإعلانات المصدر الرئيسي لإيرادات الصحف وخاصة في العراق، والآن أصبحت نادرة أو انتهت تماما في ظل الوباء. لا توجد إعلانات. أي شركة يمكنها الإعلان في الوقت الحالي؟”. ولا يقتصر الأمر على صحيفة المدى الممولة من قيادات كردية، وهي وفق العاملين فيها مشروع سياسي أكثر منه صحافيا. فقد تحولت صحيفة الصباح الناطقة باسم الحكومة إلى مجرد نسخة طبق الأصل من جريدة الثورة التي كانت تصدر في زمن النظام السابق، بينما انهارت صحيفة الزمان التي صدرت منتصف التسعينات في العاصمة البريطانية لندن، وانتقلت إلى بغداد بعد الاحتلال الأميركي عام 2003. وتراجع محتوى صحيفة الزمان وتقلصت صفحاتها بذريعة الأزمة الاقتصادية وانعدام الإعلانات، ولكنّ صحافيين عراقيين يعزون الأمر إلى أنه ليس بمقدور إدارتها أن تغرد خارج السرب، خشية من الضغوط الحكومية ومن سطوة الميليشيات. ولا تثير بقية الصحف سواء اليومية منها أو الأسبوعية اهتمام القراء لضعف محتواها ورداءة تصميمها، فضلا عن أن غالبيتها أصوات لأحزاب وميليشيات طائفية تستحوذ على المشهد. ووصف صحافي الوضع قائلا إن هناك أكثر من صحيفة برافدا السوفيتية تصدر بالعراق بأسماء متعددة، هي لسان حال الأحزاب الدينية والميليشيات. وعول الصحافي في تصريح لـ”العرب” على بعض المواقع الإلكترونية التي يديرها جيل من الصحافيين الشباب في صناعة محتوى إخباري متميز بإمكانيات محدودة. وقال إن هؤلاء مهددون أيضا سواء بالمصادرة والإغلاق أو بصعوبة الاستمرار بسبب انعدام التمويل. واعتبر أستاذ في كلية الإعلام بجامعة بغداد، أن كورونا أجهز على ما تبقى من الصحافة الورقية في العراق، ولم يكن السبب الرئيسي لانهيارها. وقال الأستاذ في تصريح لـ”العرب” مفضلا عدم ذكر اسمه، إن الحرية النسبية التي شاعت بعد عام 2003 في العراق بالنسبة لوسائل الإعلام، لم تستثمر بمسؤولية عالية، وتحولت إلى مهاترات فارغة بين الأحزاب التي تدير هذه الوسائل. كان ضحيتها الأولى القراء الأوفياء للصحف. وشدد بقوله على أن الصحافة العراقية تعيش أسوأ مراحلها، عندما تراجعت لغة الخطاب وانهارت القيمة المرتجاة من الصحف. وعندما اندلعت الاحتجاجات في أنحاء البلاد مطلع أكتوبر 2019، لم تسلم الصحافة العراقية من التوابع. فقد داهم مسلحون مجهولون مكاتب وسائل الإعلام المحلية والإقليمية بسبب تغطيتها لتلك الاحتجاجات. وندد قادة العراق بالهجمات على وسائل الإعلام لكن لم يتم التعرف على مرتكبيها. وقالت لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة في نوفمبر، إن هيئة تنظيم وسائل الإعلام في البلاد أمرت بإغلاق 12 منفذا إخباريا إذاعيا. واحتل العراق المرتبة 162 في المؤشر العالمي لحرية الصحافة عام 2020 الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”. ويشعر حتى المواطن العادي في العراق بمعاناة الصحافة الورقية والكتب وصناعة الطباعة بشكل عام. ويقول علاء خضير “بدلا من شراء جريدة قمت بتصفح الإنترنت… وهكذا فإن حظر التجول وفايروس كورونا ووسائل التواصل الاجتماعي أبعدت المواطن العراقي والعائلة العراقية عن المكتبات”. لكنّ مواطنا آخر قال إن للصحيفة مذاقها الفريد ومكانتها الخاصة مهما تمدد الفضاء الإلكتروني بتغطيته الإخبارية.

مشاركة :