أحدث وباء كورونا الذي تفشى بسرعة بلبلة في نفوس العراقيين الذين وقفوا عاجزين عن الحدّ من ضحاياه فارتفع عدد الوفيات، الذي بدوره أحدث جدلا في عملية الدفن انتهت بالجثامين في مقبرة في الصحراء بقرار حكومي، لكن اليوم تحاول بعض العائلات رد الاعتبار لموتاها بدفنهم في المقابر العائلية ما فتح جرحا وإشكالات أخرى. النجف (العراق)- بيدين عاريتين، حفر محمد البهادلي رمال الصحراء الملتهبة في العراق لإخراج جثة أبيه الذي توفي عن عمر ناهز ثمانين عاما بعد إصابته بفايروس كورونا، لينقلها إلى مقبرة العائلة بعد صدور قرار حكومي يسمح له بذلك. قال البهادلي وسط نحيب عدد من أقربائه الذين تجمعوا حول الجثة الملفوفة بالقماش وأخرجت للتو من القبر، “الآن سيكون مع أهلنا وأقاربنا في المقبرة القديمة” في النجف على بعد 180 كيلومترا جنوب بغداد. ومنعت السلطات العراقية على مدى أشهر، دَفن موتى وباء كورونا، في مقابر تختارها عائلاتهم خوفا من استمرار تفشي المرض في أماكن يرتادها زوار. وبدلا عن ذلك، أنشأت في منطقة صحراوية “مقبرة كورونا” يقوم متطوعون يرتدون بزات واقية بدفن ضحايا هذا الوباء فيها في ظل إجراءات مشددة بينها الدفن على عمق خمسة أمتار. ولا يسمح سوى لشخص واحد من عائلة المتوفى بحضور المراسم السريعة للجنازة والدفن التي تجري غالبا عند منتصف الليل. واتهم أهالي ضحايا الفايروس السلطات بالتقصير في التعامل مع جثث ذويهم، حيث لا تحترم حرمة الموتى خلال عملية الدفن. العراق يعد أحد أكثر بلدان الشرق الأوسط تضررا بالوباء العراق يعد أحد أكثر بلدان الشرق الأوسط تضررا بالوباء وقال المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر تعليقا على الجدل الذي خلفه دفن ضحايا الوباء، إن منع الدفن “قضية لا تنسجم مع الأعراف الدينية والإنسانية التي تشدد على أن إكرام الميت دفنه”. واعتبر أن مسألة انتشار المرض من الأموات “غير مستندة إلى حقائق علمية”، وأن هناك إجراءات تتخذها الدولة للحدّ من المخاطر “كالتعقيم ولف الجثة بأكياس ووضها في تابوت خاص”. واستقبلت هذه المقبرة خلال الأشهر الماضية، متوفين من مختلف مناطق العراق ومن جميع الطوائف الدينية، من شيعة وسنة ومسيحيين. وقال البهادلي عن مراسم دفن والده، إنه “مدفون في مكان بعيد جدا ولم أكن متأكدا مما إذا كانت المراسم قد جرت وفقا للطريقة الشرعية”. وبعد إعلان السلطات العراقية في السابع من سبتمبر، السماح بدفن الذين أودى وباء كورونا بحياتهم في مقابر من اختيار عائلاتهم، توجهت المئات من العائلات الخميس إلى “مقبرة كورونا” الواقعة قرب مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة. وقد أحضر أهل المتوفين معهم مجارفهم وسلالا منسوجة لحمل الرمل عند نبش قبور ذويهم، وتوابيت خشبية جديدة لنقل الجثامين إلى مقبرة أخرى. وتعالت خلال ساعات الصباح أصوات النحيب والحداد، التي اختلطت معها ضربات المعاول. دفن عشوائي دفن عشوائي ويعد العراق أحد أكثر بلدان الشرق الأوسط تضررا بالوباء المستجد الذي أصاب أكثر من 280 ألف شخص وأدى إلى وفاة حوالي ثمانية آلاف آخرين حتى الآن، وفقا لبيانات رسمية. رغم ذلك، أعلنت منظمة الصحة العالمية في الرابع من سبتمبر، عن “انخفاض احتمال انتقال العدوى عند التعامل مع رفات” المتوفين جراء هذا المرض. وبعد أيام قليلة، دفع تزايد مطالب الأهالي السلطات إلى إعلان السماح بنقل جثامين المتوفين من “مقبرة كورونا” شرط أن يجري ذلك بيد “فرق صحية مختصة”. وكشف هذا القرار عن عمليات الدفن العشوائية التي جرت في هذه المقبرة. وذكر مراسل فرانس برس، أنه لم يكن هناك كوادر طبية أو علامات لمساعدة العائلات لتحديد قبور ذويها ليسهل الوصول إليها. ففي بعض الأحيان، لم تعثر العائلات إلا على نعش فارغ داخل قبر يحمل اسم أحد أقاربها أو تفاجأ بجثمان شاب داخل قبر يفترض أن ترقد فيه جثة والدتهم المسنة. ولم تغطّ جثث أخرى بكفن وفقا للشريعة الإسلامية. وأثار كلّ ذلك، غضب العائلات تجاه جماعات مسلحة مدعومة من الدولة، كانت تتولى دفن ضحايا هذا الوباء خلال الأشهر الأخيرة، ما دفع بعضهم لإضرام النار في مقر قريب لأحدى تلك الجماعات. في مقبرة كورونا لم تعثر بعض العائلات إلا على نعش فارغ داخل قبر يحمل اسم أحد أقاربها أو فيه جثة ليست لقريبها من جانبه قال عبدالله كريم الذي خطف هذا الوباء شقيقه أحمد، إن “هذه الفوضى ستتسبب في مشاكل بين ذوي المتوفين”، موضحا أن “أغلب من ينبشون القبور لا يملكون خبرة في الحفر والدفن ولا يعرفون كيفية تحديد مكان القبور”. ويفضل كريم الذي جاء من محافظة المثنى الواقعة على بعد 230 كيلومترا جنوب بغداد، عدم إعادة دفن شقيقه إذا كان ذلك يتعارض مع الأحكام الدينية، حيث يفترض دفن الميت بموجب أحكام الشريعة الإسلامية، بالسرعة الممكنة وغالبا ما يجري ذلك خلال أربع وعشرين ساعة. وإعادة دفن الموتى ليس محرما، لكن أحكامه غير واضحة. وقال مصدر في المرجعية الدينية الشيعية العليا في العراق، إنه “إذا لم يحصل هتك (تعد) للميت عند نبش القبر فلا مانع من النقل”، إلى مكان آخر. لكن لم يكن هناك أي رجل دين لدى تجمع العائلات الجمعة، ليرشدها إلى الطريقة الصحيحة لحفر القبور. وعلى الرغم من كل ذلك، تشعر العائلات بالارتياح لإغلاق تلك المقبرة. وقال رجل اكتفى بذكر اسمه الأول حسين (53 عاما)، “منذ دفن والدي في هذه المقبرة وأنا أتذكر كلماته حين أتصل به عبر الهاتف. قال لي، حاول أن تدفنني في مقبرة العائلة لا تبعدني عن أهلي وأقاربي”. وحمل حسين جثمان والده بيديه لنقله إلى مقبرة “وادي السلام” حيث يفضل الشيعة دفن موتاهم. وقال بحسرة الآن “تحقق الحلم الذي يراودني منذ عدة أشهر بدفن والدي في مقبرة العائلة”.
مشاركة :