«أرنولفيني» لفان أيك.. الواقعية تأسر البصر

  • 8/22/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: أوميد عبدالكريم إبراهيم لِغالبية اللوحات الفنية قصة ترويها من وحي تجربة أو خيالِ الفنان الذي يتوقف مدى التشويق والاسترسال في قصة لوحته على خصوبة خيالهِ وبراعة ريشته التي تخطّها وترسم معالمها وملامحها، وكأنها حروفٌ وكلمات تتيح للمشاهد قراءتها، وثمة الكثير من اللوحات التي تندرج ضمن هذا الإطار؛ من بينها لوحة «بورتريه أرنولفيني» للفنان الهولندي جان فان أيك، والتي اعتبرها خبراء ومؤرخو الفن واحدةً من أكثر اللوحات الفنية تعقيداً في التاريخ رغم بساطة ووضوح فكرتها العامَّة.يُصوِّر الفنان الهولندي من خلال لوحته التي أبصرت النور في العام 1434؛ وثيقةَ زواج مرسومة؛ أو بعبارة أخرى رسمَ بريشته عقد زواج كامل الأركان قانونياً، وفيها يظهر جيوفاني دي نيكولا أرنولفيني، وهو أحد أشهر التجار الإيطاليين في تلك الحقبة من الزمن؛ ممسكاً يدَ عروسهِ الجميلة جيوفانا سينامي؛ رافعاً يده اليمنى في إشارة إلى القَسَم الذي كان يرافق عقد القران حينذاك؛ كما يرتدي العروسان ملابس تُمثل الأزياء التي كانت دارجةً في القرن الخامس عشر بإيطاليا. شاهد عيان تعددت الأسباب التي دفعت مؤرخي الفن إلى اعتبار هذه اللوحة من بين الأكثر تعقيداً في التاريخ؛ من ضمنها أنها توثِّقُ عقد زواجٍ على هيئة لوحة فنية مرسومة، وكذلك بسبب كونها نموذجاً للرسم المنظوري الهندسي المتعامد، وفي هذا السياق تحدث مؤرخ الفن إرنست جومبريتش عن اللوحة قائلاً: «طريقة رسمها الخاصة كانت بغرابة وثورية أعمال دوناتيلو ومزاتشو في إيطاليا. زاوية بسيطة من العالم الواقعي جُعلت فجأة على لوحة كما لو كانت بفعل سحر، ولأول مرة في التاريخ يصبح الفنان شاهد عيان جيداً بكل ما تعنيه الكلمة». لوحة «بورتريه أرنولفيني» المرسومة بألوان زيتية من خلال تقنية ال«تمبرا»، والتي بيعت للمتحف الوطني في لندن عام 1842؛ تعتبر صغيرة من حيث الأبعاد «82.2×60 سم»، وقد عمد الفنان الهولندي إلى إظهار الحدة في التدرجات والألوان عن طريق وضع طبقات رقيقة من «الجليز» الشفاف، وكان فان أيك يسعى من وراء ذلك إلى إظهار حياة البذخ والترف التي كان يعيشها التاجر الإيطالي «أرنولفيني»؛ لا سيما أن الألوان المتوهجة تسهم في إظهار واقعية اللوحة بشكل أكثر وضوحاً ودقة. تحفة شمالية لم يولِ فان أيك اهتماماً بالغاً بالألوان فحسب؛ بل كان للضوء والظلال حيِّز كبير من اهتمامه، فقد مزج الفنان الهولندي الألوان بطريقة وضع اللون السائل على لوحة رطبة لم تجف ألوانها بعد، وبذلك نجح في خلق اختلافات متناهية الدقة في الظلال والضوء، وبَدَت اللوحة وكأنها ثلاثية الأبعاد، وساعد على ذلك الضوء المتسلل من النافذة على يسار اللوحة، وبذلك حقق فان أيك أكبر تأثير للضوء المستقيم.ووفقاً لمؤرخي الفن، فقد عمد الفنان الهولندي إلى استخدام عدسة مكبرة بهدف إظهار أدق التفاصيل في أبهى صورة، ولعل خرزات «الكهرمان» التي تظهر بجوار المرآة المعلقة على الحائط خلف جيوفاني أرنولفيني وعروسهِ جيوفانا سينامي هي دليل صارخ على ذلك، وقد وصف مؤرخ الفن كريج هاربيسون اللوحة بالقول: إن «بورتريه أرنولفيني تعد اللوحة الشمالية الوحيدة التي بقيت من القرن الخامس عشر؛ حيث أظهر معاصرو الفنان في ذلك الحين انجذابهم لهذا النوع من الأعمال في الديكور المعاصر، وإنه لمن المغري حقاً أن نطلق على هذا النوع الأول من الرسم (لوحة من الحياة اليومية) في العصور الحديثة». دلالات رمزية يعتقد بعض نقّاد وخبراء الفن أن جيوفاني أرنولفيني وجيوفانا سينامي كانا متزوجين مسبقاً، ويرجعون السبب إلى الغطاء الذي تضعه سينامي على رأسها؛ حيث كانت المرأة غير المتزوجة تسدل شعرها آنذاك؛ فضلاً عن الرمزيِّة التي تشير إليها أماكن وقوف كلٍّ منهما، فوقوف المرأة بجوار السرير داخل الغرفة يرمز إلى كونها راعية المنزل؛ في حين يرمز وقوف الرجل بجوار النافذة المفتوحة إلى الدور الذي يقوم به في العالم الخارجي.كما حلَّل النقّاد لغة الجسد لكلٍّ من العريس وعروسه، وقالوا إن نظرة جيوفاني الثاقبة والمباشرة باتجاه المشاهد، ورفعه يده اليمنى؛ إظهارٌ لموقعه القيادي؛ أما العروس، فتبدو أكثر استرخاءً وتُسدل يديها في وضعية تظهر احترامها وطاعتها لزوجها، ولكن دون أن تكون هناك أيُّ ملامح للخضوع أو الدونية؛ بل تبدو أقرب إلى الخجل الأنثوي، ففي تلك الفترة كان هناك تكافؤ بين الرجل والمرأة لدى الطبقات المرموقة، ولم تكن الزوجة تابعة لزوجها أو غير متكافئة معه.

مشاركة :