المنمنمات.. الألوان تأسر البصر

  • 6/25/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ما الذي يجعل المرء مشدوداً إلى فن المنمنمة .. تلك التي تمتاز بالبراعة في رسم الخطوط وتصوير مشهديات الطبيعة من بشر وحيوان، ناهيك عما ابتدعته ذاكرة الحكايات والأساطير الشعبية؟ إنه ببساطة ذلك السحر الذي يمتلك بصر الإنسان فيجعله هائما في تلك الألوان الزاهية، والخطوط التوضيحية التي تزين المخطوطات والكتب والنصوص القديمة، ولنتأمل مثلاً مقامات الحريري للواسطي واسمه الكامل يحيى بن محمود الواسطي، الذي اشتغل بفن المنمنمة الإسلامية وبرع في إخراجها على نحو دقيق من التميز سواء في رسم الخطوط أو التعابير المدهشة. المنمنمة إذاً، هي فن اشتهر لخدمة المخطوط، كهامش يوضح النص ويضفي لمسة تعبيرية على مضمونه وربما يضيف إليه، كأنما هو صورة من صور التشبيه وحتى المجاز الذي يؤكد دور المخطوطة، ويكسبها بهاء إضافيا ويمنحها قوة في التأثير والتحفيز عند المتلقي. أما التعريف الاصطلاحي للمنمنمة التي ارتبطت بالحضارة العربية والإسلامية مستفيدة من الحضارات السابقة عليها، فهي تلك الرسوم الفنية الصغيرة التي وضعت أصلاً لتزيين المخطوطات القديمة، وكانت تسمى التزاويق. ازدهرت المنمنمات في القرون الوسطى، في الهند وإيران وبعض الدول الأوروبية، كما تطورت بعد ذلك في القرنين الثامن والتاسع عشر، وانتشرت بعد ذلك في مصر والشام والعراق والهند وتركيا والصين وإسبانيا. استخدم الفنان المسلم الذهب والفضة في تنفيذ منمنمة زاهية بالألوان، وبارعة من حيث الجمال والبهاء، ومن المهم في هذا المقام أن نشير إلى أن أول كتاب عربي ظهرت فيه المنمنمات كان كتاب (كليلة ودمنة) الذي ترجمه ابن المقفع إلى العربية في أوائل القرن الثاني الهجري. بعد الواسطي العراقي الذي عاش في فترة 1227 ميلادية يرد اسم بهزاد الإيراني الذي عاش في فترة 1450 ميلادية. وهذان الاسمان يعتبران من أعمدة الفن الإسلامي وكان لبراعتهما في تحويل الكتابة والقصص إلى رسوم توضيحية أثره البالغ في انتشار هذا الفن وتطوره من بعدهما، وبهزاد الإيراني رسم كثيرا من الكتب أشهرها الشاهنامة للفردوسي.نظر النقاد للمنمنمات الإسلامية بوصفها نوعا من التصوير الإسلامي، وقد برع فيها الفنان المسلم حداً يمكن تمييزه في إنجاز لوحات متفردة ذات تحقق مستوى عال من الإبداع والدهشة موضوعا وشكلا ومعالجة، بما تحتشد فيها -أي اللوحة- من عناصر دقيقة من الرسوم والتخطيطات والألوان. اشتغل فنانو المنمنمة وفقا لقواعد وأسس رئيسية ميزت الإبداعات العربية والمغولية والتركية والهندية والإيرانية عن بعضها البعض، وهي تصطف كواحدة من مسارات الإبداع البصري في الفنون الإسلامية، التي يعتز بها، وقد اعتبر الناقد المتخصص في الفنون النور حمد، الواسطي واحداً ممن وطنوا الحداثة التشكيلية في الفن العربي والإسلامي من خلال المنمنمة، كما نظرت الناقدة د. إيناس حسني للمنمنمة بوصفها (فن التشسبيه أو التجسيد) وهي أيضا، فن طبيعة الحياة الباعثة على التأمل والخيال من خلال الاتصال بين العالمين المادي والروحي. لقد أسهم الواسطي في إثراء الحياة التشكيلية بجماليات ورؤى ثاقبة وخطوط رشيقة ما بين الرسومات التوضيحية وفن التلوين، كما أدهش المتلقي بتكويناته المعمارية وتشكيلاته الزخرفية وشخوصه وحيواناته الرقيقة المنسابة والدقيقة والناعمة التي تملأ سطح اللوحة، والمنمنمة بحسب إجماع النقاد أيضاً اقترنت بفنون الكتاب في الإسلام، وهي أرقى الحرف الفنية لاقترانها بالقرآن الكريم.حين يذكر الفن الإسلامي، لا بد من ذكر المنمنمات، التي أمسى من خلالها هذا الفن أكثر عمقاً وشمولاً لمفهوم الحضارة، وأصبح أكثر وضوحاً وغنى بعد الإسلام وأصبح أكثر ارتباطاً بشخصية العرب الروحية.

مشاركة :