يخرج علينا من وقت إلى آخر وزير خارجية إيران ظريف بحديث ظريف، كما يحلو للسعوديين توصيفه. هذه المرة من لبنان حيث اعتبر أن «تدخلات أميركا والسعودية هي التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه اليوم»، مضيفاً أن «السعودية تتصور بأنها اشترت الشعب اللبناني». وتابع بالقول إن «إيران تحظى بمكانة كبيرة في لبنان، وإن سياستنا هي دعم المقاومة فيه». يبدو أن الوزير الإيراني لا يعيش على كوكبنا وإلا لما قال هذا الكلام الذي لا يليق ولا يمت للحقيقة. الثرثرة الإيرانية ليست عيباً فحسب، بل داء لا دواء له؛ لأنه كما يقال الثرثرة تقتل الأفعال. نهْجُ المسؤولين الإيرانيين لا يلقى رواجاً في العالم. أدواته الخداع وحالة الإنكار والتبريرات السقيمة التي تخالف الواقع، فضلاً عن تبدل المواقف بين ليلة وضحاها. الجميع يعرف أن لبنان مختطف اليوم من قبل «حزب الله» وإيران، ولعل القيادي في «حزب الله» الإرهابي المدان سليم عياش في جريمة اغتيال الحريري الذي تحول لبطل قومي ورفعت صوره في مناطق «حزب الله» تكشف إلى أي مدى وصلت حالة التحدي والغطرسة التي يعيشها الحزب المدعوم من «الحرس الثوري» الإيراني. إيران سبب أزمات ومشاكل لبنان. أليست هي من أضرت بسمعته ومصالحه ومزقت نسيجه المجتمعي وسلمه الأهلي، وأفلست خزينته، وأضعفت اقتصاده، ودمرت بنيته التحتية. الغالبية من اللبنانيين سئموا من التدخلات الإيرانية بمن فيهم الشيعة الذين تظاهروا علناً في الضاحية. الحقائق تقول إن ما صنعته وتصنعه ميليشيا «حزب الله» بزعامة حسن نصر الله هو تنفيذ أجندة إيران على حساب الوطن اللبناني، فضلاً عن المشاركة في قتل الشعوب العربية؛ ولذا لا غرابة أن يُصنف الحزب إرهابياً في كثير من الدول. تجاهل الثرثرة وتهميشها أسلوب ناجع. لا تحتاج السعودية أن ترد على هذه الترهات؛ فتجاهل زوبعتهم المفتعلة يصيبهم في مقتل. لكن أفضل رد حول اتهامات ظريف يأتي من اللبناني نفسه نستحضره هنا، وهو بيان لتيار المستقبل سبق أن نشره حول تهجم حليف إيران وأمين الحزب ضد السعودية، متهماً إياه بمحاولة «تخريب علاقات لبنان العربية، وأنه حلقة في المسلسل الإيراني الطويل، لإثارة الفتن في مجتمعات المنطقة»، رافضاً «قبول الاستمرار بمسلسل التطاول على السعودية وقيادتها». وأضاف البيان «لا حدود لانزعاج (حزب الله) من المملكة ودورها في الدفاع عن الحق العربي، والأشد وضوحاً أنه شديد الانزعاج من احتضان المملكة وقيادتها الحكيمة للبنان ومبادراتها المتكررة للتقريب بين اللبنانيين». ليست مفاجأة أن هذا الشخص ذاته وقبل أشهر تحدث في منتدى دافوس وبلغة مختلفة قائلاً «لا أرى سبباً في أن تكون هناك سياسات عدائية بين إيران والسعودية، حقيقة يمكننا العمل معاً لإنهاء الأوضاع المأساوية لشعوب سوريا ولبنان واليمن وغيرها من دول المنطقة». حديث وزير الخارجية الإيراني بصراحة ينطبق عليه القول الشعبي المصري «أسمع كلامك يعجبني، أشوف أفعالك أستعجب». إشكالية إيران سياسية في المقام الأول ولا خلاف لدينا مع الشعب الإيراني. فهي تتدخل في شؤون الدول الأخرى من الزاوية الطائفية، ودائماً ما تبحث عن أوراق فاعلة في يدها. هناك خطابان يكرسهما النظام منذ زمن؛ أولهما داخلي للاستهلاك المحلي وتخدير الشعب الإيراني بتبريرات عقيمة، والآخر خارجي خادع متلون لتلميع صورة إيران المهترئة في الساحة الدولية؛ ولذا لا نستغرب تخبطات وتناقضات تصريحاتهم التي اعتدنا عليها منذ سنوات، ناهيك عن اللغة الاستعلائية وأبعد ما تكون عن اللياقة والأعراف الدبلوماسية. كلام ظريف في دافوس مفضوح وهراء ولا قيمة له، ويدخل في باب العلاقات العامة وترويج أن إيران دولة مدنية ومنفتحة تحرص على التواصل والحوار، مع أن الواقع الإيراني ينصب على زرع حركات وأحزاب وخلايا من أجل خلق نفوذ لها. إشكالية إيران ما زالت في تغليب عقلية الثورة على الدولة، أي النظرة الآيديولوجية العقائدية وتصديرها، ووضع الخيارات الأمنية والعسكرية على سلم الأولويات مقابل الاستحقاقات الداخلية. بالمقابل، المملكة تمثل للنظام الإيراني هاجساً سياسياً وعقائدياً، فالأمر لا يتعلق بخلع ألقاب كما يحاول البعض توصيفها، بقدر ما أنها تسعى إلى محاولة محو الدور الدبلوماسي السعودي من المسرح الدولي، مدركة أن مشروعها التوسعي لن يرى النور ما دامت الرياض تعزز حضورها المعتدل والمتوازن في الساحة الدولية. إيران ترى أن التدخل في شؤون الغير يجعلها شرطي الإقليم، غاياتها أصبحت مكشوفة للعالم الإسلامي الذي لم يعطها تفويضاً بالدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية. أضف إلى ذلك أن طهران لم تقبل الحوار مع دول الجوار، وما تفعله سوى تصريحات استفزازية وتهديدية أو هجمات عدوانية لا تخدم استقرار المنطقة. السعوديون لا يلقون بالاً للثرثرة الإيرانية ولا تهمهم لا من قريب ولا بعيد؛ كونها تصريحات خادعة ومعسولة لتلميع النظام وتستهدف المجتمع الدولي، وليست أفعالاً على الأرض، ونقولها صراحة إن الإيرانيين يعلمون تماماً ما يتوجب عليهم القيام به إن أرادوا فعلاً أن يُعاملوا كدولة. نقلا عن الشرق الأوسط
مشاركة :