شارع محمد علي يودع زمن الفن

  • 7/24/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يعد شارع محمد علي من أقدم الشوارع الشعبية في القاهرة، واشتهر على مدار تاريخه بأنه شارع الفن والفنانين، ومع أن الأمس كان يحمل ذكريات جميلة لهذا الشارع إلا أن الحاضر بخلاف ذلك، حيث اختفت معظم معالمه الفنية التي منحته مكانة خاصة لدى عشاق الفن والإبداع بعد تحوله إلى سوق تجارية شعبية مزدحمة بالسيارات وعربات النقل والمواطنين، وتحولت محال صناعة الآلات الموسيقية إلى محال لبيع الهواتف المتحركة والأجهزة الكهربائية والخضراوات. كثير ممن يقيمون في الشارع الآن لا يعرفون شيئاً عن تاريخه، وكيف كانت له صولات مع عالم الفن والعوالم، حيث كانت تسكنه أشهر الراقصات في مصر، وكان كل من يريد أن يقيم فرحاً، أو سبوعاً أو طهوراً عليه الذهاب إلى هذا الشارع ليحضر فرقة غنائية وراقصات لإحياء الحفلات التي يقيمها. كان الشارع يضم مجموعة من المعالم مثل مسجد قيسون وحمام بشتك وسوق السلاح وشارع المناصرة وهو شارع فرعي منه، ومن أشهر الشوارع التي يتواجد فيها صناع الأثاث، حيث يمتلئ بالورش المتعددة والتي يفد إليها الزبائن من أنحاء مصر كافة. يبدأ شارع محمد علي من ميدان العتبة في المنطقة المواجهة لمكتب البريد الرئيسي وقسم شرطة الموسكي، ويبلغ طوله أكثر من كيلومترين، وعلى جانبيه وأسفل عماراته توجد بواكي متعددة، والتي تميز المباني التجارية التي أقيمت في عهد الخديوي إسماعيل مثل ممر بهلر بميدان طلعت حرب، وكذلك البواكي الموجودة في شارع عماد الدين، وشارع الجمهورية بمنطقة العتبة الخضراء. لهذه البواكي عدة مزايا أولها تجاري حيث يتم عرض المبيعات فيها وتعليقها على حوافها، وثانياً استخدامها في الفترات التاريخية السابقة كمظلات للوقاية من الشمس بالنسبة للباعة وللعابرين في الشارع، لكنها الآن أهملت حتى لم يراع الحفاظ عليها لقيمتها التاريخية. وبنيت هذه البواكي على الطراز المعماري الفرنسي، نظراً لأن الذي قام بتصميم الشارع معمارياً المهندس الفرنسي هوسمان الذي خططه ليصبح مشابهاً لشارع ريفولي في باريس. ويشتهر الشارع بوجود مجموعة من العمارات القديمة التي بنيت في القرن التاسع عشر مع بناء منطقة وسط القاهرة في عهد الخديوي إسماعيل، بنيت على الطراز المعماري الفرنسي. توجد بعض المحال الباقية من الزمن الجميل التي تعمل على بيع الآلات الموسيقية، وتصنيعها في ورش تابعة لهذه المحال، حيث يعتبر أصحابها أن المهنة مهددة بالانقراض لكن الذي يجعلهم يواصلون العمل فيها حبهم للفن وللصناعة التي توارثوها أباً عن جد، فالمسألة في النهاية هوية يجب الحفاظ عليها، وهذا ما يؤكده سامي عفيفي صاحب أحد المحال والورش الخاصة بتصنيع العود، يقول: عمري 35 عاماً، وأعمل في صناعة آلة العود منذ كنت طفلاً، حيث كنت أحضر إلى الورشة بصحبة والدي الذي ورث الصنعة عن جدي، وجدي ورثها عن أبيه، فهذه الصناعة متأصلة في العائلة، وأتمنى أن أورثها لأبنائي، فهي تحتاج إلى خبرة، حيث لا يمكن أن يعمل فيها شخص بمفرده، بل تعتمد على العمل الجماعي، فهناك من يشق الخشب وهناك من ينظفه ويرققه، وهناك من يقوم بعمل القصعة، وهناك من يعد الوجه، وهناك من يقوم بعملية تقفيل العود وإتمام الصناعة، شاقة لكننا نحبها ونعمل فيها لأنها تحقق لنا متعة روحية ونفسية بعيداً عن الجانب المادي. ويضيف سامي: نقوم بتصنيع العود في الورشة الملحقة بالمحل أحد أشهر المحال المتخصصة في هذا المجال في الشارع، ويجد العود المصنوع زبونه، حيث يأتي إلينا طلاب معهد الموسيقى العربية، وأكاديمية الفنون، وكذلك الهواة الذين يحبون اقتناء العود العربي الذي يكون سعره عادة في متناول الجميع حسب الخامة والطلب، فهناك العود الشعبي الذي يصنع من خشب الزان وسعره معقول بالنسبة للطالب البسيط ويبدأ من 200 جنيه، وهناك العود الذي يرتفع سعره حسب الخامة حيث يصنع من خشب الورد أو خشب الجوز ويبدأ من 1200 جنيه، وهناك عود يكون حسب طلب الزبون يرتفع سعره بارتفاع ما يتم وضعه، وعادة نحن هنا نقوم بالبيع بأسعار الجملة وتوريد ما نصنع إلى المحال الكبرى على مستوى الجمهورية. ويذكر سامي بعض الذين يترددون عليه من الفنانين لشراء الأعواد ومنهم الفنان طارق فؤاد وأحمد عدوية، ويؤكد أن هذه الصناعة لها شيوخ في المهنة ليس في مصر فقط لكن على مستوى العالم العربي. ويؤكد سمير سعد، أحد سكان الشارع، أنه يعيش فيه منذ ستين عاماً إلا أن الوضع تغير كثيراً عن الماضي، حيث كان الشارع يمثل نقطة مضيئة وشهيرة في الوسط الفني المصري أما الآن فتعمه حالة من الفوضى يصنعها الباعة الجائلون، كما أن معظم المحال التي كانت تبيع الآلات الموسيقية أغلقت وفتحت مكانها محال ومولات تجارية، الشارع الآن يشبه سوقاً شعبياً كبيراً مثل معظم الشوارع في الأحياء الشعبية وظهر الشارع في كثير من الأعمال الفنية كان آخرها مسرحية شارع محمد علي بطولة فريد شوقي وشريهان وهشام سليم ووحيد سيف. ترجع شهرة الشارع لقربه من ميدان الأوبرا الخديوية، في منطقة الأزبكية التي كانت قديماً مقراً للمسارح والملاهي الليلية ويرتادها كبار وأشهر الفنانين والمبدعين، وكان معظم الصنايعية في الشارع يمارسون مهناً أقرب إلى الفن من خلال صناعة الآلات الموسيقية مثل الطبلة والعود وصناعة المشكاوات وصناعة الزجاج. ويشتهر الشارع بقربه من مجموعة من المساجد الأثرية مثل جامع الملكة صفية الذي بني على الطراز العثماني، وبالقرب منه مدفن شاه إيران، وقريب منه أيضاً مبنى دار الكتب القديمة في باب الخلق التي تضم آلاف المخطوطات النادرة، وكذلك المتحف الإسلامي بما يحويه من آثار إسلامية عديدة. تجسيد سينمائي في السينما ظهر العديد من الأفلام التي دارت أحداثها في شارع محمد علي، ومنها فيلم يحمل نفس الاسم من تأليف أبو السعود الإبياري وإخراج نيازي مصطفى، وبطولة حورية محمد وهاجر حمدي وفردوس محمد ومحمود شكوكو وعبد الغني السيد، وتم إنتاجه وعرضه عام 1944، كما ظهر الشارع في عدد من أفلام مخرج الروائع حسن الإمام، ومن أشهر الأفلام التي ظهر فيها الشارع كبطل درامي فيلم شارع الحب بطولة عبد الحليم حافظ وصباح وعبد السلام النابلسي وحسين رياض، واستلهمت بعض المسلسلات في مدة الثمانينات قصصاً وحكايات من هذا الحي، إضافة إلى كثير من قصص الأفلام في الخمسينات والستينات مثل فيلم شياطين الليل بطولة فريد شوقي الذي استلهم فيه قصة أحد البلطجية الذي كان يسيطر على الشارع ويفرض الإتاوات على الراقصات.

مشاركة :